قضية أكاديمية أمام الرأي العام

#قضية #أكاديمية أمام #الرأي #العام

د. حفظي اشتية

هذه نفثة مصدور، نعرضها لأخذ العبرة منها، والإسراع بوصف الدواء قبل استشراء الداء في مؤسساتنا.

يقول أحد المدرسين :

ــ تقدمت بطلب ترقيتي المستوفي الشروط، المُجاز من القسم والكلية بعد التدقيق التام، فردّته الجامعة دون أي توضيح مقنع، أو وجه حق.

خاطبت الإدارة على مدى شهور طوال لتنصفني، أو تقنعني، أو تحترمني على الأقل فترد على مخاطباتي، فلم تفعل شيئا من ذلك.

ــ إصراري على المطالبة بحقي أثار حفيظة #الجامعة، فلجأت إلى إيذائي وتضييق الخناق علي بكل وسيلة، مثل التشتيت المتعمَّد لجدول محاضراتي، وحرماني من #التدريس الصيفي وأنا الأحق به في قسمي، ورفضت عمادة الكلية إعطائي أي رقم وارد أو صادر لكتبي التي لم تردّ عليها الجامعة، بل رفض العميد رفع بعض كتبي إلى رئاسة الجامعة، وقال لرئيس القسم: لن أرفع كتبه، وليس له شيء عندي. بلّغه أنت ذلك.

ــ تم تلفيق بعض التهم لي لإيقاع عقوبة تمنعني من #الترقية لمدة سنتين وفق التعليمات. من ذلك تسريب الأسئلة لطلابي، وفيما يلي مشهد( تمثيلي) لما حصل، أعرضه أمام أي مسؤول شريف، وصاحب ضمير حيّ.

يقول المدرس : أنا أدرّس مادة مشتركة مع زملاء آخرين، قواعدها خلافية لا تسمح بإطلاق حرية المدرس أن يختار رأيا ويترك آخر؛ لأن زميله قد يفعل العكس، وهذا لا يستقيم بوجود امتحان موحد مشترك، وأسئلة محددة متطابقة لجميع الشعب، فاتفق المدرسون جميعا على اعتماد مرجع واحد، لتكون قواعده وأمثلته هي عناصر المادة المدَّرسة وأسئلتها المشتركة. ولنفترض(مثلا) أن المادة هي قواعد الإملاء، والمرجع المتفق عليه هو قواعد الإملاء لعبد السلام هارون.

التزمت بالمرجع المحدد، وقبل موعد الامتحان النصفي راجعت المادة لطلابي جريا على عادتي في كل موادّي، واستذكرت معهم أهم القواعد الواردة في الكتاب، وأشهر الأمثلة فيه.

ــ تم تتبعٌ مقصودٌ لمحاضراتي المسجَّلة، فوُجد بعد مدة أن بعض الأمثلة التي راجعتها للطلاب وردت عنها بعض الأسئلة في الامتحان، فكان هذا صيدا ثمينا وظفرا عظيما لاتهامي.

تشكلت لجنة تحقُّق أحد أعضائها رئيس قسمي الذي هاله الأمر، وتوجه إلى العميد عاتبا، مؤكدا أن هذا المدرس يستحيل أن يُشك في أمانته، لكن رئيس القسم غُلب على أمره.

استُدعيت إلى اللجنة، فأوضحت لهم بأن الأمر لا يمكن لعاقل أن يحمله على تسريب أسئلة، وشرحت لهم وفصّلت، وظننت أنني أقنعت، لكن الجواب جاءني على عجل، فوُجهت لي عقوبة الإنذار، فاعترضت على العقوبة شكلا ومضمونا: أما المضمون فهو دفع للتهمة الباطلة بالأدلة الدامغة اللازمة وفوق اللازمة، وأما الشكل فلا يجوز أن توجه لي عقوبة بناء على تقرير لجنة تحقُّق، ولا بدّ لذلك من لجنة تحقيق.

أدركت الجامعة خطأها وتعجّلها، فتسلمتُ في يميني كتاب إلغاء العقوبة، وفي الشمال قرارا بتشكيل لجنة تحقيق في الأمر نفسه، لجنة من ثلاثة عمداء ليس بينهم من يحمل تخصصي، لكنني حملت نفسي على أن أتوسم فيهم العدل العزيز، وخاطبت فيهم عقولهم وضمائرهم، بأدلة وإثباتات وإجابات وقعت في عشرات الصفحات، والأمر واضح كالشمس في رابعة النهار.

ومن الأدلة التي عرضتها:

ــ المرجع موحد، وأمثلته محددة، والمدرسون ملزمون بالمادة والأمثلة، ولا يمكن أن يكون الامتحان بعيدا عن المادة أو الأمثلة.

ــ بعض الأمثلة لا بديل عنها، ولا مجال لتجاوزها ولا بد من ذكرها نفسها كالفرق (مثلا) بين “حاشا” الحرفية و”حاشى” التنزيهية+همزة الوصل في الأسماء العشرة+مجموعة الأعلام الأعجمية التي تُكتب ألفها قائمة+الفرق بين “يحيا” الفعل و”يحيى” الاسم، وغير ذلك من الأمثلة المشابهة المعروفة للمتخصصين، التي لا مناص من ذكرها في المحاضرات العادية، أو المراجعة، وطبيعي، بل ضروري أن ترد عنها أسئلة في الامتحان.

ــ للمادة مُنسّق، كَلّف كل مدرس كتابة مجموعة من الأسئلة، وأنا أحدهم، والمُنسق هو الذي وضع الامتحان بصورته النهائية.

ــ المحاضرة مسجلة وهي متاحة لكل متربص أو متصيد، فهل يعقل أن أسرّب أسئلة هكذا على الملأ، وفي متناول الجميع، وأنا أعلم أنني تحت أنظار الرقابة والترصد لأنني أطالب بحقي.

ــ كنت قد أوصيت طلابي في أخر المحاضرة المسجلة بضرورة الحفاظ على الأمانة، والحصول, بشرف, على العلامة، وتلك عادتي في كل موادي، وجميع طلابي يعرفون ذلك، فهل يعقل أن أوصيهم بالأمانة وأنا خائن ؟

ــ الامتحان جرى في فترة التعليم عن بعد. يعني : الكتاب كله، وأمثلته جميعها التي ذكرتها وورد عنها أسئلة, موجودة في الكتاب، والكتاب بين أيدي الطلاب، فماذا يستفيد الطالب من ذكري لها وهي متاحة بين يديه ولا رقيب عليه إلا ربّه وضميره؟

ــ أنا الأن شارفت على السبعين من عمري، وفي أخر سنتين من خدمتي، ولم تسجل علي يوما هفوة في وظيفتي أو سمعتي، فما الذي أجنيه من الخيانة في ختام عمري؟

ــ رغم تسريب الأسئلة المزعوم كان معدل علامات طلابي حوالي 65% وهو مثل، أو أقل من معدل علامات طلاب زملائي في الشعب الأخرى، بل إن معدل طلابي في الامتحان النهائي الذي لم يحصل فيه تسريب  مزعوم هو أيضا كذلك، فأين أثر التسريب إذن؟

ــ أوضحت للجنة أنني إلى الأن لم أعرف من الذي اتهمني: المسؤولون، الطلاب، الأهالي،….إلخ لكنني أعرف أن التهمة مقصودة لإبعادي عن المطالبة في حقي بترقيتي، وأرفقت لهم كتبا عديدة تثبت خطأ الجامعة بردّ ترقيتي، وعدم الإجابة عن مخاطباتي، وظننت أيضا ويا لحسن ظني! أن الحق أبلج، والنهار لا يحتاج إلى دليل.

لكن عقوبة الإنذار جاءت على جناح السرعة، ليخيم اليأس، وينقطع الأمل!!!

الخلاصة

إنه الظلم يعبث في بعض المؤسسات وسوف يقلقل أركانها، وإنها العدالة الغائبة عند بعض الضمائر المريضة، إنه السير قُدما نحو المجهول، والصعود نحو السقوط، إنه انعدام الأخلاق عند بعض الإدارات التي ترمي الآخرين بالداء وتنسلّ، ثم ترتدي رداء الثعالب وتتنسك، إنه العبث بالتعليم الجامعي والأمن المجتمعي…..

ماذا ينتظر مثل هؤلاء من صاحب الحق المغصوب أن يفعل؟! ولماذا يقودونه إلى اختيارات كلها أًمرّ؟ هل يموت قهرا؟ مرضا؟ سجنا؟ شنقا؟ قتلا؟؟ وأين الجهات الرقابية عما يحصل؟ ولماذا غابت عن دنيانا فضيلة إغاثة الملهوف ونصرة المظلوم، وتُرك مُشَمسا وحيدا في صراع مرير بين قوة الحق العادل، وحق القوة الظالمة؟

يقول المدرس: أصبحت حياتي كلها في كفة، والحصول على حقي وتنظيف سمعتي في كفة أخرى. ومن يعش يرَ.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى