** قرية ( ابو ترابة ) في اعالي ( الموجب ) …

** #قرية ( #ابو_ترابة ) في اعالي ( #الموجب ) …

#محمد_طمليه

يقال ان ابي خرج فجرا الى الشارع الرئيسي المؤدي الى ( #الكرك ) لإحضار سيارة تأخذ امي الى المستشفى من اجل ولادة ميسرة , ولكن ابي لم يعد لغاية الان , فتولت عجوز بدوية سحبي من الرحم كيفما اتفق …

* ( ابو ترابة ) …

مقالات ذات صلة

في هذه القرية هواء طلق يتوفر ضمن دفقات قوية على مدار الساعة , وكلاب تنبح في السراء والضراء , ومطاعم وجبات سريعة كنا لا نأكل فيها باعتبار ان للجوع تخمة , ومدرسة نذهب اليها كل صباح للاحتماء بجهل اقل وطأة …

* ( ابو ترابة ) ..

حيث الهواء نشيد دون طائل , وحيث تضع النسور الصقور فراخها , وحيث الدهشة في اعين الاطفال كلما مرت سيارة بدائية على الطريق المؤدي الى ( الكرك ) . وحيث القصص الكاذبة التي يرويها الفقراء عن ضباع قتلها شخص اسطوري لم يعش في القرية مطلقا , وحيث الغرفة الرديئة التي اصر وزير التربية على انها مدرسة : والادهى من ذلك انه اصر على اننا تلاميذ …

* ( ابو ترابة )

اتذكر ان الناس تظاهروا احتجاجا على افتتاح فرع ل( السيفوي ) في القرية . وامتنعوا عن الذهاب الى مدينة الملاهي التي اقيمت في الارض الخلاء القريبة . ولم تجتذبهم صالة ( الاتاري ) التي صارت احدى المغارات مقرا لها . وتعففوا عندما انشأ احد المستثمرين منتجعا سياحيا قرب المزبلة .

اتذكر الزوابع التي تلهو مع الاطفال في الصحراء . العنزة الرؤوم التي ماتت من فرط الغبار والوهج . ( علب السردين ) التي القتها العائلة بعد الغداء يوم الجمعة . ( كرتونة البيض ) التي عاد بها العسكري يوم الراتب . الشمس الحامية التي تكوينا امام مكتب نائب الدائرة من اجل الحصول على دعم لوظيفة تافهة . الموتى الذين قبرناهم رغما عنهم . المرضى امام المستشفى الحكومي الذي يرقد فيه اصحاء مدعومون . الحكومة التي تجتمع في ( بيت شعر ) منصوب في العراء .

اتذكر الخبز الساخن في الصباح , دجاجتنا الخائنة : تأكل قمحنا , وتبيض عند الجيران , المدرسة البعيدة التي ذهبنا اليها مشيا على الاقدام الحافية : رائحة الاغنام اذ تمر من تحت النافذة . الافعى التي اطلت من ثقب في الجدار , فعالجها احد الجيران برصاصة من بندقية عتيقة . بيوت الطين … امتحان الحساب الذي رسبنا فيه جميعا , وكان عزاؤنا اننا ( الاقل حظا ) مع ان وزير التربية آنذاك لم يكن حالما وشفافا الى حد ابتكار مثل هذا التعبير . ( بعر الماعز ) تحت الاشجار . الرحلة المدرسية التي ضاع فيها احد التلاميذ في ماء ( الهيدان ) .

** ها انذا اتذكر …

قرية ( مليح ) التي انتقلنا اليها فيما بعد رغبة منا في الانتماء لفقر مختلف , وفي هذه القرية تعرفت الى ( سعود قبيلات ) الذي كان يكبرني برغيف : ( مؤنس الرزاز ) كان ميتا انذاك , و ( سالم النحاس ) كان يقرع جرس الكنيسة لكي يلتحق الاتقياء ب ., و ( يعقوب زيادين ) يقرأ ( البيان الشيوعي ) وقت ( السحور ) , و ( طاهر العدوان ) طاهرا كالمعتاد , وليس عدوانيا .

** كنت اجلس مع الاتراب على حجارة الحي في انتظار ان يقول الراديو : ( غدا عيد ) . نتحدث عن ملابسنا الجديدة التي وضعناها تحت الوسائد , وعن المبالغ الصغيرة التي سنبددها سريعا , وعن الطعام الجيد الذي ستعده الامهات , وعن مشاريعنا التي خططنا لها طويلا …

نتحث … كان ثمة قشعريرة – ليس تماما . ثمة ارتباك – ليس تماما . ثمة ترقب – ليس تماما . ثمة خوف – ليس تماما : انا لا اجيد الكلمة المناسبة , لذلك سأكتفي بالقول : كنا ممتلئين بالطفولة .

واذا ثبت العيد , نأوي الى البيوت : نساعد الامهات في صناعة الحلوى , ونصغي اثناء ذلك لحديث النساء المسنات , الجدات الرائعات : يحدثننا عن طفولة الآباء و شقاوتهم ( آباؤنا كانوا صغارا , انا لا اصدق ) . ونسأل : ” هل يجئ المسحر الليلة ؟ ” , فتضحك النسوة , ويقلن : ” غدا صباحا ” يجئ للتهنئة , يا الهي , واخيرا سنرى الرجل الذي يمشي في الليل ولا يخاف .

نرقد في الفراش . نغفو . ولكن سرعان ما نفيق – لم يأت النهار بعد , نغفو مجددا ولكن سرعان ما نفيق لم يأت النهار بعد . ولكن النهار يجئ اخيرا … العيد يجئ اخيرا .

كنا اطفالا , وكان يجب ان نبقى كذلك . كان الاردن مختلفا تماما . بسيطا تماما . رائعا تماما : كان للجميع … لم يكن ثمة قرميد احمر … ولا نساء بملابس ضيقة … ولا ( حزازات ) لأسباب تافهة , كان الماء عذبا . والهواء نقيا .

ولكن , لماذا اكتب عن القرية بعد اكثر من اربعين عاما عن النزوح منها ؟ الاغلب انني تذكرت , مع موعد اقتراب عيد ميلادي , الرعيل الاول من النبض في قلبي , وتذكرت اول ابتسامة لاذت بشفتي فرارا من العبوس القروي المهيب , وتذكرت اول حجر اصابني في رأسي بعد رمية من ولد شقي مثلي : الفقراء اشد فتكا بالفقراء ..

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى