سواليف
قبل أن يكون لمؤسس شركة فيس بوك، مارك زوكربيرغ، القدرة على إيصال فيسبوك إلى كامل العالم، عليه أولًا أن يتمكن من إيجاد كل الناس التي تحيا على سطح الأرض! هذا أمر منطقي وبديهي، فكيف ستفعل هذا إذا كان هناك أناس يعيشون في مناطق لا تعلم عنها شيئًا، وبالتالي فأنت لا تعلم عنهم شيئًا.
يوم 7 مارس (آذار) الماضي، ومن خلال نشره لتدوينة على صفحته الشخصية، جذب زوكربيرغ الانتباه إلى مشروع تقوم به إحدى شركات فيسبوك، يهدف إلى هذه الفكرة تحديدًا: معرفة أماكن تواجد جميع البشر على سطح الأرض. الشركة تدعى «كونيكتيفيتي لاب» connectivity lab، والغرض منها هو التركيز على توسيع الاتصال بشبكة الإنترنت إلى المناطق النائية.
مشروع الشركة، تمثل في تطوير ذكاءٍ اصطناعيٍّ؛ بهدف تحديد مكان البشر، في جميع أنحاء العالم بدقة. فكرة معرفة أماكن تواجد جميع البشر في المناطق النائية، كانت أمرًا صعبًا للغاية في الماضي، وكل ما كنا نشاهده بخصوص هذه الفكرة هو علاماتٌ صفراءُ متوهجةٌ على الخرائط، والتي تدل على أماكن تواجد الناس العامة والمعروفة. لكن مشروع الذكاء الصناعي الجديد تمكن من رسم خرائط واضحةٍ لمساحة قدرها 21,6 مليون كيلومتر مربع من اليابسة الخاصة بكوكب الأرض.
زوكربيرغ لم يكن أنانيًا بخصوص هذا الأمر، فقد أعلن أنه سيتم توفير هذه الخرائط بشكل مفتوح، حتى تتمكن المنظمات الأخرى من استخدامها والاستفادة منها، مُؤكدًا أن السبب وراء هذا، هو أن نشر خرائط فيس بوك هذه سيفيد كل من يرغب في الوصول للناس في المناطق النائية، بالإضافة إلى أنه سيساعد الدول والمنظمات في التخطيط للبنى التحتية الخاصة بالطاقة والصحة والمواصلات، كما ستساعد الناس الذين يحتاجون إلى المساعدة عند وقوع الكوارث.
وبالطبع لا ننسى الهدف الأول من خرائط فيس بوك هذه، وهو إيصال الإنترنت لجميع الناس؛ حتى يتمكنوا من الدخول على شبكة فيسبوك.
النظام الجديد
صمم مهندس شركة فيسبوك، توبياستيكي، نظامًا جديدًا يمكن له بشكل أوتوماتيكيٍّ أن يميز المناطق التي يعيش فيها الناس، وذلك عبر استخدام صور الأقمار الصناعية. وحتى تعلم مدى كبر حجم هذا النظام، فإنه استخدم 15,6 مليون صورة من صور الأقمار الصناعية حتى يعطينا هذه الخرائط النهائية.
استخدمت مختبرات كونيكتيفيتي شبكاتٍ عصبيةً من أجل رسم خرائط فيس بوك هذه. وبمعنىً أكثر سهولةً: فإن موظفي فيسبوك قد قاموا بعملية تحليل لـثمانية آلاف صورةٍ من صور الأقمار الصناعية الخاصة بدولة الهند، وقاموا بتحديد أماكن تواجد الناس هناك. بعد هذا، أخذ نظام الذكاء الصناعي هذه المؤشرات التحليلية وقام بتطبيقها على 15,6 مليون صورةٍ من صور الأقمار الصناعية وصولًا إلى دقة تكبير مقدارها خمسة أمتار فقط «يمكن تكبير وتقريب الصورة من سطح الأرض، وكأنك على بعد خمسة أمتار فقط»، وذلك بنسبة خطأ أقل من 10%.
خرائط فيس بوك، غطّت 20 دولة، والتي أعطت فيسبوك فكرةً جيدةً عن الكثافة السكانية، بعد دمجها بالتعداد السكاني الخاص بكل منها. ويصبح العالم حاليًا على بعد ضغطة زرٍ واحدةٍ، يمكن أن تضغطها من خلال فيسبوك، وذلك في انتظارنا للخرائط الكاملة التي يتوقع أن تصل إلينا قريبًا جدًا.
طائراتٌ بدون طيار
ويُعدّ هذا المشروع الهام، الخطوة الأولى لفيسبوك، قبل أن يُرسل طائرات بدون طيار، تحمل إشارةً للإنترنت يمكن أن يستقبلها الناس في منطقة الطيران. هذه الطائرات ستطير في منطقة ستراتوسفير «ثاني أكبر طبقات الغلاف الجوي، والطبقة الثانية بعد طبقة تروبوسفير، الملاصقة لسطح الأرض، ويمتد على مسافة ما بين 10 إلى 50 كيلومتر فوق سطح البحر»، وستعمل على نشر إشارةٍ «واي فاي»، يمكن لنا جميعًا استقبالها دون شروط. تخيل كم الأموال الذي تحتاجه حكومةٌ أو منظمةٌ ما، لمد كوابل الإنترنت تجاه المناطق الصحراوية؟
في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي، كشف مارك زوكربيرغ عن بعض مواصفات الطائرات بدون طيار، التي ينوي فيسبوك إطلاقها حول العالم. هذه الطائرات ستعمل بالطاقة الشمسية، وستوصل الإنترنت إلى جميع المناطق التي لم يصلها. وسيتم إيصال شبكة الإنترنت عبر هذه الطائرات الشمسية وعبر الأقمار الصناعية من خلال أشعة الليزر.
واحدة من هذه الطائرات تسمى «Aquila aircraft»، والتي تملك جناحين أكبر من جناحي طائرة بوينغ من طراز 737، لكن وزنها سيكون أقل من وزن سيارة. وستحلق الطائرة على ارتفاع حوالي ألفي كيلومترٍ فوق سطح البحر.
خرائط فيس بوك مثالٌ عمليّ لنظرية 3,5 درجة
ويبدو أن خرائط فيس بوك الجديدة، ستكون مثالًا عمليًا وتأكيديًا على نظرية الثلاث درجات ونصف، التي أطلقها فيسبوك في مدونة، في الرابع من فبراير (شباط) الماضي، بمناسبة يوم الصداقة العالمي.
في عام 1990، كانت هناك نظرية تسمى نظرية الست درجات، وتقول إن كل إنسانٍ على هذا الكوكب، متصلٌ ومتواصلٌ مع أي إنسان آخر من خلال ستة أشخاص بينهم. فعامل في مدغشقر، بينه وبين الرئيس الأمريكي باراك أوباما، ستة أشخاصٍ فقط.
فيس بوك فاجأنا بأن الرقم ليس ستةً، ولكنه 3,57، هذا على الأقل، بالنسبة إلى 1,59 مليار شخصٍ حول العالم من المتصلين بشبكة فيسبوك. بمعنى أنه كي تصل إلى أوباما شخصيًا، فليس بينك وبينه سوى 3,57 شخص؛ أنت تعرف شخصًا يعرف شخصًا يعرف آخر يعرف أوباما.
هذا الرقم ليس متساويًا بالطبع في جميع دول العالم، فالولايات المتحدة مثلًا يصل فيها الرقم تحديدًا إلى 3,46 درجة، والحد الأعلى الذي وصل إليه باحثو فيسبوك كان 4,57 درجة. في عام 2011، كان عدد مستخدمي فيسبوك 721 مليون شخص. وعندما قام الباحثون بإحدى الجامعات الأمريكية، بالبحث عن درجة التواصل في ذلك الوقت، وجدوا أنها 3,74 درجة.
يمكنك أن تعرف ما هي درجة التواصل الخاصة بك من هنا، فقط تأكد من أنك قمت بالدخول على فيسبوك عبر متصفحك، ثم اضغط على الرابط السابق وانزل قليلًا حتى تجد عبارة «My degrees of separation»، لتجد اسمك ودرجة تواصلك مع الناس. مارك زوكربيرغ وصل لدرجة 3,17، فكم وصلت أنت؟