
قرار #محكمة_أمن_الدولة بمنع النشر
الاستاذ #عقيل_العجالين
صدر هذا القرار بشأن واقعة الخلية التي تحدثت عنها وسائل الاعلام والجهات الرسميه بانها تقوم بتصنيع الأسلحة والمواد المتفجرة ؛ وبناء على ذلك فقد صدر الكتاب رقم م ع / 1215 بتاريخ 2025 /29/04 عن مدير عام هيئة الاعلام؛ حيث تم التعميم على الصحف ووسائل النشر بضرورة التقيد بهذا القرار ؛ وعدم مخالفته.
الحقيقة انني كنت أود الحديث عن هذا القرار الصادر من محكمةامن الدولة منذ صدوره؛ لكنني لم اتمكن من ذلك بسبب ضيق الوقت.
اما عن الهدف من هذا المقال واهميته فان الغاية منه هي؛ بيان مجال حرية التعبير بين جانبي التجريم والتبرير؛ حيث انها من الأهمية بمكان ؛ خاصة في ضوء احكام قانون الجرائم الإلكترونية وما أحدثه هذا القانون من رهب ورعب واحجام وامتناع عن التعبير لدى الغالبية ؛ بسبب العقوبات الشديده التي تضمنها هذا القانون ؛ لذلك فان علينا اماطة اللثام عن هذه الحرية الثمينة النبيلة ؛ والتخلص من الرعب والخوف؛ المبني على اساس وهمي لا حقيقة له.
ان بيان حدود هذه الحرية مسألة سهلة بسيطة في احكامها؛ فلا يعني وجود قانون الجرائم الالكترونية تكميم الافواه وكبت الحريات؛كما لا يعنى ذلك وجود أي قانون سواء أكان قديما ام حديثا وكذلك قرار محكمه امن الدوله موضوع هذا الحديث فلا يعني ذلك ايضا وفقا لما سياتي بيانه بعد استعراض عبارات قرار المنع ؛ فهناك تشريع يمنع كبت الحريات ألا وهو الدستور الذي هو اعلى مراتب التشريع في الدولة ولا يجوز لأي قانون أو نظام تجاوز أحكامه.
لقد تضمن قرار محكمة امن الدوله حسب ما ورد في كتاب هيئة الاعلام السابق ذكر رقمه وتاريخه ” حظر نشر اي مستندات او بينات او وثائق او محاضر وكافة الاوراق التي تتعلق بوقائع جلسات المحاكمة بما يعرض بقضية تصنيع الصواريخ والتجنيد والتدريب وتصنيع الطائرات المسيره؛ …” وقد شمل الحظر وسائل الاعلام كافة ؛ والاعلام المرئي والمسموع والمقروء؛ بما في ذلك شبكات التواصل الاجتماعي وعبر اي وسيلة نشر اخرى حتى صدور الحكم النهائي سندا لاحكام المادة 39 الفقره ب من قانون المطبوعات والنشر.
ان قرار المنع من النشر الذي اصدرته محكمة امن الدولة ينحصر في التحقيقات ومحاضر الجلسات ومشتملات الملفات المودعه في سجلات المحكمة وخزائن المحفوظات لديها فقط ؛ وان المنع لا يطال ما يبديه الناس مما يجول في خواطرهم بشان هذه الواقعة او بالشان العام والمصلحة العامة بالنسبه لما هو خارج ملفات المحكمه التي صدر بشانها قرار المنع من النشر؛ .فلا يجوز تسريب أي معلومات من هذه الملفات.
هذا وانه لا يمكن لاي محكمة اخرى تجاوز هذه الحدود في المنع مهما كان الامر. لذلك جاءت عبارات القرار محصورة بهذه الحدود فقط.
إن الماده 225 من قانون العقوبات والماده 39 من قانون المطبوعات والنشر ؛ حصرت حدود المنع بما هو محفوظ لدى المحاكم من اوراق تضمنتها الملفات ومحاضر الجلسات واوراق التحقيق؛ وان المنع من النشر لا يمتد الى ما يبديه الناس من اراء على وسائل التواصل الاجتماعي؛ فلا وجود لمسألة تكميم الافواه ؛ وهذا ما نصت عليه المادة 42 الفقره ح من قانون مطبوعات والنشر ؛ حيث ان هذه الماده هي لاحقه للماده 39 من ذات القانون؛ وقد اكدت هذه الماده بان المنع من النشر لا يشمل حرية التعبير وان لاي كان ان يبدي رأيه في جميع المسائل العامة
ان جميع القوانين تقف عند هذه الحدود؛ وتنحصر بهذا النطاق فقط لان نص الماده 15 من الدستور تمنع جميع القوانين من التوسع في المنع وذلك حماية للحقوق والحريات العامة ولكي تبقى حرية التعبير مصانه؛ ذلك ان الدستور هواعلى مراتب التشريع في الدوله ؛ ولا يجوز مخالفة احكامه من قبل اي قانون او نظام؛ حيث نصت الماده السابقه من الدستور على ان الدوله تكفل حرية الراي ولكل اردني ان يعرب بحريه عن رايه بالقول والكتابه والتصوير وسائر وسائل التعبير ؛ شرط ان لا تتجاوز حدود القانون واكدت على ذلك الماده 42 الفقره ح من قانون المطبوعات والنشر كما ذكر سابقا؛ عندما اتت لاحقه لنص الماده 39 من ذات القانون؛ حيث اكدت على ان لا يجوز التوقيف نتيجة ابداء الراي..
.بناء على ما سبق فلابد من بيان كيف تكون حرية الراي والتعبير جائزة ومبرره وخالية من موجبات العقاب على النحو التالي:-
ببساطه فان حرية الراي والتعبير يجب ان تكون خالية من اي قصد بان تكون طريقتها موضوعية تستهدف أغراضا حقيقيه نبيله ؛ بعيدة عن الكيد والمقاصد الشخصية ؛ فلا يجوز ان يكون الرأي او التعبير مقصود به فرد او جماعه؛ ومنسلخ عن هدفه الموضوعي؛ فاذا كان ذلك اصبح الفعل ممنوعا وضمن دائرة العقاب بعد ان كان مبررا؛ لذلك فقد نصت الماده 188 الفقره الثالثه من قانون العقوبات على ما يلي:-(١-…..٢-…..٣- واذا لم يذكر عند ارتكاب جرائم الذم والقدح اسم المعتدى عليه صريحا او كانت الاسنادات الواقعيه مبهمه؛ ولكنه كانت هناك قرائن لا يبقى معها تردد في نسبة تلك الاسنادات الى المعتدى عليه وفي تعيين ماهيتها وجب عندئذ ان ينظر الى مرتكب فعل الذم او القدح كانه ذكر اسم المعتدى عليه وكان الذم او القدح كان صريحا من حيث الماهية….).
ان هذه المادة من قانون العقوبات ؛ هي مرتبطة بالماده 15 من الدستور ؛ وتقع في سياقها ؛ فعندما نصت المادة السابقة من الدستور؛ على ان الدولة تكفل حرية التعبير والراي ضمن حدود القانون؛ فان المادة السابقة من قانون العقوبات قد اوضحت حدود القانون ؛ بان يكون الهدف من النشر والتعبير هدف موضوعي وان لا ينقلب الى هدف شخصي بحق فرد او جماعه؛ لان ذلك سيجعل من الفعل جريمة يعاقب عليها القانون.
بناء على ما ورد في المادتين السابقتين( الماده 15 من الدستور والفقرة الثالثة من المادة 188 من قانون العقوبات)؛ فانني اوجه النصيحة الى الصحفيين واصحاب المواقع الالكترونيه؛ بان يكون النشر والتعبير كما ذكر سابقا؛ وعلى هذه الطريقة السابق ذكرها ؛ حتى يكون الجميع في مأمن من التجريم والعقاب ؛ حيث لا يخفى على احد ان التعبير الموزون؛ القائم على الحكمة وفصل الخطاب؛ والمؤدي الى الغاية الموضوعية ؛ هو يدل بالتأكيد على تأهيل شخصي ومهني؛ وان غير ذلك من عبارات الهمز واللمز؛ سيكون تاثيرها في المجتمع محدودا؛ هذا ان كان لها تاثير اصلا؛ وعلى راي المثل( اشبعناهم شتما وفازوا بالابل).
هذا من حيث النشر العام او التعبير العام في المسائل الاجتماعية العامة
ومن ناحية اخرى فان توجيه النقد بشكل شخصي صريح مباشر ؛ هو جائز قانونا؛ حتى لو وصل الى درجة الذم والقدح؛ وحتى لو تم توجيهه بشكل واضح الى فرد او جماعه على السواء؛ بما في ذلك شاغلي الوظائف والمناصب في الدولة ومؤسساتها العامه؛ ولكن يجب ان يكون ضمن حدود القانون وفقا لما اوجبه الدستور في الماده 15 منه فكيف يكون ذلك؟ .
يكون ذلك في حالات معينه نص عليها القانون وهي تعتبر استثناءات وهذه الاستثناءات تسمى في القانون باسباب التبرير حيث ان هذه الاسباب تقلب الفعل مبررا بعد ان كان مجرما ؛ وقد نصت على بعض هذه الحالات الماده 198 من قانون العقوبات حيث بينت هذه الماده حدود القانون التي تجيز الذم والقذح والتصريح بهما في وسائل النشر كافة؛ ومن اجل توضيح ما ورد في هذه الماده فلنفرض ان احدى الصحف او المواقع الالكترونية قد نسبت الى احد الوزراء او الى رئيس الحكومة او ايا كان من شاغلي المواقع العامة او لاي شخص في المجتمع نسبت اليه واقعة معينه او فعل معين بشكل صريح واضح وقامت بذكر اسمه عند نسبة هذا الفعل اليه ؛ وبشكل يؤدي الى المساس باعتباره الشخصي او باي جانب اخر من الجوانب التي تمس الانسان وتشكل القدح والذم بشكل مباشر ففي هذه الحالة يعتبر فعل الصحيفة او الموقع الالكتروني ضمن نطاق التبرير والتعبير ولا يدخل ضمن دائرة العقاب بشرط ان يكون موضوع النشر صحيحا حقيقيا ويعود نشره بالفائدة على المصلحة العامة وهذا ما نصت عليه الفقرة الاولى من الماده 198 من قانون العقوبات بشكل صريح؛ فبهذه الحاله لا عقاب على الفعل ولا يطاله قانون الجرائم الإلكترونية او غيره من القوانين العقابية الاخرى.بأي عقاب.
ان وجوب ان يكون موضوع النشر صحيحا وحقيقيا يفرض حتما وجود دلائل ووثائق تثبت صحة ما تم نشره وبذلك فانه لا عقاب على الفعل؛ اما ان لم يكن هناك دلائل ووثائق تثبت صحة ما تم نشره فان الفعل يكون معاقبا عليه.
ان الفقره الثانيه من الماده السابق ذكرها من قانون العقوبات قد اوردت حالات اخرى تجيز النشر حتى لو كان يشكل قدحا او ذما ومن هذه الحالات:-.
اذا كان موضوع الذم او القدح قد تم نشره من قبل الحكومه او من قبل مجلس الامه او من قبل المحاكم بصورة علنيه او في حالة تقديم الشكاوى بحق الموظفين او شاغلي الوظائف العامه العليا من اصحاب القرار اذا كانت تلك الشكاوى مقدمه الى المسؤولين عن هؤلاء؛ بشرط ان تكون الشكوى صحيحه ولا تقف خلفها دوافع شخصية او كيديه.
في نهاية هذا المقال ؛ اتمنى ان اكون قد اوضحت المساله؛ حرصا مني على اطلاق الحريات العامه ؛ وحتى لا يحجم الناس وكذلك لا تحجم الصحف ووسائل الاعلام ووسائل التواصل المختلفه عن ممارسة دورها وحريتها في التعبير وتحقيق الرقابة الشعبية على عمل المؤسسات العامه بهدف بقاء سير عمل هذه المؤسسات حسب مبدا المشروعية وحسب مقتضيات المصلحة العامة . تحت ضغط الرأي العام
والله ولي التوفيق.