قرار المشاركة في ورشة المنامة خنوع
أمجد هزاع المجالي
حينما يكون الحديث متعلقاً بالوطن، فإننا لا نرى أمامنا خطوطاً حمراء من أيّ نوع أو حول أيّ شخص. خصوصاً عندما يكون الوطن في خطر أو في أزمة عميقة تجعلنا جميعاً نشعر بالقلق وتدفع أصحاب الضمائر منّا إلى إبداء الرأي بكل صراحة ووضوح لا يقبل التأويل.
الوطن الآن يضيع من بين أيدينا، وهو رهينة لدى مجموعة ليست أهلاً للثقة ولا يجوز أنْ نأتمنها على حاضرنا ومستقبلنا.
لقد تمكنت هذه المجموعة، على مدار سنوات من العمل الدؤوب، من السيطرة على مفاصل الدولة وأدوات الحكم، واستطاعت أنْ تفرض نفسها كمركز قوة مدعوم بأدوات مالية ذات سطوة كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وفرَّغت الساحة الوطنية من القادة المخلصين للوطن والعاملين مِنْ أجل تحقيق المشروع القومي النهضوي العربي.
هذا التيار المهيمن المدعوم من السلطة الحاكمة، انحرف بالدولة عن أفقها القوميّ، كما أنَّه ألغى المشروع الوطني لصالح مشروع الخصخصة الذي حوَّل الدولة إلى شركة تدار بواسطة أصحاب رأس المال ورجال الاعمال والمدراء الفنّيين.
وهكذا وجدنا أنفسنا في أجواء هذا المسرح السياسي الاقتصادي العبثي الذي أطاح بهيبة الدولة ومكانتها، وفتَّت مكوناتها، وفسَّخ أعمدتها، وبدَّد قاعدتها الاجتماعيّة.
لقد استمر هذا الحال بالتردّي حتى جاء موعد الحصاد لما زرعت أياديهم من رذائل وجرائم تتقاطع مع المشاريع الدولية المشبوهة، بما فيها مشروع الفوضى الخلاقة، وما ترافق مع هذا من مؤتمرات وورشات عمل كان آخرها ورشة المنامة التي جاءت في سياق العمل مِنْ أجل إكمال تنفيذ بنود “صفقة القرن” لتنشر أوهام السلام والازدهار ووعود الرخاء الكاذبة.
هذه الورشة ليست سوى حلقة من حلقات المؤامرات الأميركيّة الصهيونيّة التي ترمي إلى إعادة رسم خرائط المنطقة لصالح العدوّ الصهيونيّ، وتحويل الأردن إلى خزان بشري بلا هوية وطنية، ليتمّ على أرضه تصفية القضية الفلسطينية، وإلغاء الحقوق العادلة للشعب الفلسطيني، وفي مقدّمتها حقه في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، وحقه في العودة إلى أرض وطنه والتعويض عن عذابات تهجيره وتشتيته.
ونحن لا نلقي الكلام على عواهنه، فلدينا العديد من الشواهد التي تؤكّد ذلك، أخطرها حسم الكيان الصهيوني لهويّته العنصريّة عن طريق إقرار ما سُمِّي “يهودية الدولة”، واعتراف الولايات المتحدة بذلك. ويؤكده أيضاً نقل الولايات المتحدة سفارتها إلى القدس واعترافها بالقدس كعاصمة أبدية للكيان المغتصب، وأيضاً اعترافها بضمّ مرتفعات الجولان السوريّة إلى الكيان الصهيونيّ، وتوجّهها إلى الاعتراف بضم المستوطنات المقامة على أراضي الضفة إلى “إسرائيل”، ووقفها دعم الأونروا.
إنَّ هذه الإجراءات والقرارات تؤكد أيضاً أكثر من حقيقة؛ الأولى منها، تواطؤ الولايات المتّحدة مع العدو الصهيوني الذي من الطبيعيّ أنَّه يلغي دورها كشريك في عملية السلام المتعلِّقة بالصراع العربيّ الصهيونيّ؛ والحقيقة الثانية هي أنَّ “إسرائيل” تعتبر الصراع العربي معها صراع وجود وليس صراع حدود وأنَّها لا تزال ماضية في تنفيذ حلمها الكبير في التمدد على مساحة الجغرافيا الواقعة بين الفرات والنيل على حساب الشعوب والبلدان العربيّة.
ومِنْ حسن الحظّ فإنَّ هذه المؤامرات والتدابير الخبيثة، تواجه الكثير من المصاعب والعقبات. وحتى نرد الفضل إلى أهله، فإنَّنا نحيّي الجهود التي بذلت من قبل دول عربية وقادتها وكل شعوب الأمّة لإفشال المؤامرات التي تستهدف الأمّة بما فيها ورشة البحرين الرامية إلى مأسسة اندماج العدو الصهيوني في المنظومة العربية التابعة وجعله علنياً، مِنْ بوّابة الاقتصاد؛ كي تتحول هيمنة العدو على هذه الأنظمة إلى أمرٍ واقع علنيّ ومعترف به.
وأتوقَّف هنا عند الموقف الرسمي والشعبي الفلسطيني الرافض لكل الضغوطات التي حاولت دفع الفلسطينيين إلى المشاركة في ورشة البحرين. وجاء هذا الإجماع الوطنيّ ليؤكّد تمسّك الفلسطينيين بحقوقهم العادلة كاملةً غير منقوصة بما فيها حقهم في إقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس.
ولا يفوتنا أن نحيّي الموقف الشجاع والقوي لدولة الكويت المتمثِّل برفضها استقبال كوشنر ورفضها المشاركة في ورشة البحرين. وهذا يؤكد أنَّ معيار القوة الحقيقيّ لا يكمن في حجم الدولة وقوة جيشها فقط، ولكن، أيضاً وقبل كلّ شيء، بحكمة قيادتها وبتماسك شعبها ووعيه ومشاركته في صناعة القرار الوطني واحترام القيادة لرأي الشعب وإرادته. وهذا هو واقع الحال في القطر الكويتي الشقيق الذي نأمل أن تنتقل تجربته إلينا حتى نتمكن من المحافظة على كلمتنا ومواقفنا، خصوصاً بعد أن رأينا اللاءآت والكلّات تتبخَّر سريعاً فتتحوّل إلى نعم صاغرة ويتمّ انتداب ممثِّل للدولة ليلتحق بالقطيع الزاحف الذي ساقته واشنطن نحو حظيرة المنامة.