قراءه في التطورات الدولية في ضوء “نبع السلام”

قراءه في التطورات الدولية على الأرض السورية في ضوء “نبع السلام” والاتفاق الأمريكي التركي
فؤاد البطاينة

هل قلَب بوتين الطاولة على امريكا في الشرق الأوسط برصانة. وألحق الأطلسي بوارسو، ومهد لتغيرات دولية وتحالفية جديدة. امريكا قامت بالدور نيابة عن روسيا، ونحن أمام توافق لإنهاء الأزمة السورية سلما.
بداية، دول الغرب بما فيه أمريكا قانعة ومكتفية بالوضع العربي المحطم والزائد عن حاجتها، فلم يكونوا يطمحون لما وصلنا إليه. إلا أن هذا الوضع العربي لم يكن يكفي بغرض اسرائيل التي تريد من أمريكا استكمال مشروعها الصهيوني. ومن أجل ذلك جرى استمرار وتعظيم هجمتهم على بلادنا بضغط صهيوني باتجاه حالة جغرافية وسياسية جديده تسمح لاسرائيل باستكمال مشروعها. إلا أن هذه المساعي الأمريكية الغربية الصهيونية يبدوا أنها دخلت مرحلة الفشل وعكس الواقع الذي صنعته لنفسها وللصهيونية الاسرائيلية.
فهناك مؤشرات حقيقيه على تحولات حقيقية في السياسة الدولية وتحالفاتها قد تطال نظام الأمم المتحدة القائم بتداعياته وإفرازاته السامة وتطلق عليه رصاصة الرحمة، وتلحق الأطلسي بوارسو.
وربما يحق لنا أن نتفاءل بإنجاز روسيا بوتين التاريخي الذي قلب الطاولة على امريكا في الشرق الأوسط برصانة. وحجَّم الدور الأوروبي، ومهد لتغيرات دولية وتحالفية جديدة فما نشاهده في تركيا من تطورات سياسية عميقة لا يمكن وصفه بالتكتيكي. فنحن أمام عملية إنضاج تحالف استراتيجي تركي روسي إيراني ينطلق من الأرض السورية، وإن العقبة في هذا هو لغز العجز عن حل مسألة الجفاء بين القيادتين السورية والتركية. فهي التي تقف حائلا أمام تطبيق اتفاقية أضنه، وتقف وراء الموقف السوري الرخو من خطر تحالف الزعامة الكردية السورية مع العدو الامريكي الاسرائيلي داخل الأراضي السورية.
أعتقد بأن التحول التركي حقيقي واستراتيجي وواعد ويسير بخطى سياسية ذكية وجريئة نحو الشرق. ولعل اصرار دولة أطلسية كتركيا في الحصول على منظومة 400s وفي الإطار الرافض أمريكياً له دلالاته المقنعة. فهذا التحول التركي سيشكل أكبر إنجاز سياسي وعسكري واقتصادي ليس لروسيا وإيران فقط بل لمصالح المنطقة العربية في مواجهة الأطماع الصهيونية ولتحرير كل شبر من الأراضي السورية وعودته للسيادة السورية وصولا لفلسطين. ويشكل أكبر حافز لأنظمة العصور الوسطى العربية العميلة كي ترعي وتدرك اللحظة وتلحق بركب التحرر والأحرار قبل نزع الغطاء الأمريكي عنها وقبل الرحيل، والمهمة ستصبح أكثر سهولة لشعوبها في سحقها لمآلها مع كل النفايات البشرية.
ومن يتابع الصحف الصهيونية المسمومة وكتَّابها في اوروبا وأمريكا واسرائيل يلحظ هلعهم وإدراكهم لتلك التحولات التي تقودها روسيا وللتحول التركي المفزع لهم. حيث خرجت تلك الصحف وكتابها عن المألوف في تلبس دور التحذير والوعظ لأمريكا ولدول أوروبا في دس ناعم ومحموم من خلال سيل من المقالات كلها تخاطب الغرب بخطاب ديني تحذرهم فيه من خطر الاسلام ومزاعم الخلافة وخطر مغادرة سوريا ورفع الكرباج عن المنطقة العربية. ولا مبرر لتلك الحملة الإعلامية سوى إدراكها للحقيقة الجارية وفقدانها لأعصابها. إنهم يعلمون ماذا يعني الإخاء والتحالف التركي الإيراني عقديا وسياسيا وجغرافيا
كل دولة علَّقت على عملية نبع السلام بعبارة “لتركيا الحق في حماية حدودها والدفاع عن نفسها ” كانت على علم بالعملية أو اتفاق معها. ومن هذه الدول روسيا وايران وأمريكا. إلا أن الموافقة الأمريكية تبدو من حيث مضمونها قد اصطدمت بمعارضة اللوبي الصهيوني والأوروبي واسرائيل، وأن ترامب قد انقلب على هذا الأعتراض شكلا. فما توصل اليه ترامب مع الأتراك لتعليق اطلاق النار، كان بوتين قد عرضه على تركيا قبل ترامب حين طالب أردوغان بوقف الهجوم متعهدا بإرجاع الأكراد عن المنطقة الحدودية والأمنه المطلوبة. فلا شيء جديد قدمته امريكا بل إنها قامت بالدور نيابة عن روسيا.
فبموجب الاتفاق الامريكي التركي، حصلت تركيا سلما على ما سعت اليه بالحرب وحصلت على أسلحة الأكراد الثقيلة. المنطقة الأمنه التي حصلت عليها تركيا تمثل الآن عدوانا على الأراضي السورية ما لم يجري ترتيب مع سوريا لفرض سيطرة الجيش السوري عليها. والمنطقة التي انسحبت اليها القوات الكردية المتحالفة مع العدو الصهيو- امريكي تمثل احتلالا ما لم ينتشر فيها الجيش السوري.
لكن سؤالين موضوعيين يثاران بهذا، الأول، هو هل انتشار الجيش السوري في المنطقة الأمنة المحتلة تركياً متعذرا ما دام الأكراد وحلفاؤهم امريكا واسرائيل أصبحوا يشكلون حاجزا جغرافيا في بعض المناطق ما بينها وبين الأراضي السورية الواقعة تحت سيطرة الدولة. والثاني والأهم هو، هل لو حصل اتفاق سوري كردي على انتشار الجيش السوري في المنطقة الأمنة تلك سيشكل قناعة وثقة كافيتين لتركيا وهي التي لا تقبل أو تثق بالأكراد وليست على علاقة طيبة مع القيادة السورية بنفس الوقت؟ هذه معادلة قديمة جديدة حلها لا يكون إلا، إما باستسلام “قسد” التي يقودها الأكراد للسلطة السورية سلما، وإما تحرير المنطقة التي يحتلونها وهذه مهمة الجيش السوري المرهونة بموافقة روسيا الصعبة لما يترتب عليها من صعوبات سياسية تواجهها روسيا مع أمريكا في الظرف الراهن فنحن مقبلين على عملية سلمية.
أعتقد أن أمريكا تخلت عن مشروع الدولة الكردية صاغره، وتمسكها بعملائها الأكراد ما هو إلا لغايات جعلهم مسمار جحا يبرر وجودهم في سوريا كورقة ضغط ومتاجرة تكون حاضرة في تسوية سلمية مزمعة في سوريا تمت الموافقة عليها من حيث المبدأ بين الاطراف الأربعة أو بين الطرفين الامريكي والروسي بعلم الطرفين الإقليميين. ومن وصف أمريكا بالشيطان الأكبر كان مصيبا ولكن هذا الشيطان يترنح في سوريا.
كاتب وباحث عربي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى