قراءة قانونية في دعوى حل مجلس نقابة المعلمين

قراءة قانونية في دعوى حل مجلس نقابة المعلمين لتبرعه لصندوق همة وطن
المحامي الدكتور حازم سليمان توبات
كلية القانون/ جامعة جدارا

في معرض الحديث عن وجود دعوى مرفوعة أمام المحاكم تطالب بحل مجلس نقابة المعلمين لقيامه بالتبرع لصندوق همة وطن دون الرجوع الى الهيئة المركزية فإن الأمر في هذه الحالة يتطلب بيان أوجه مدى مشروعية قرار التبرع, وهل ما قام به مجلس النقابة يشكل مخالفة صريحة وجسيمة لقانون النقابة تستلزم حله.
بداية لا بد من الاشارة الى أن قانون نقابة المعلمين قد حدد حالات حل مجلس النقابة بحالتين ذكرهما على سبيل الحصر وهما:
1. بموافقة ثلثي اعضاء الهيئة المركزية للنقابة في اجتماع تعقده لهذه الغاية .
2. بقرار قضائي قطعي إذا خالف المجلس أحكام هذا القانون.
والحديث هنا عن حل مجلس النقابة وليس حل النقابة ككل ذلك ان نقابة المعلمين قد أُنشئت بموجب قانون صادر عن السلطة التشريعية استنادا الى أحكام الدستور وبالتالي لا يمكن حلها والغاء وجودها لانها وجدت بموجب احكام دستورية وقانونية جعلت من وجود نقابة للمعلمين حق دستوري لا يمكن الغاءه بأي حال من الاحوال, لهذا فقد جاء النص القانوني للحديث عن حل مجلس النقابة وليس حل النقابة ككل. وبين القانون كذلك انه في حال حل مجلس النقابة عند توافر أي من الحالتين المنصوص عليهما فإن الاجراء اللاحق في هذه الحالة هو أن يقوم وزير التربية بتشكيل لجنة من الهيئة العامة للنقابة تقوم مقام المجلس المنحل لحين انتخاب مجلس جديد خلال مدة ستة اشهر من تاريخ الحل, كذلك لم يمنع القانون أعضاء المجلس المنحل من الترشح للعضوية في المجلس اللاحق.
وحيث إن الدعوى المرفوعة أمام محكمة بداية غرب عمان للمطالبة بحل المجلس تستند على اساس ان المجلس قد اتخذ قرار بالتبرع بنصف مليون دينار لصندوق همة وطن دون الرجوع الى الهيئة المركزية للنقابة معتبرين أن ذلك يشكل اهدار لأموال النقابة. فأنني في هذا المقام أريد أن اوضح وجهة نظري القانونية في هذا الموضوع من حيث:
1. ان قرار التبرع الذي اتخذه مجلس النقابة هو بمثابة قرار إداري يخضع لرقابة القضاء الاداري. فاذا ما شاب هذا القرار أي عيب فإن الجهة المختصة للنظر في مشروعية هذا القرار هي المحكمة الادارية. وهنا فإن المحكمة الادارية تنظر فيما اذا كان هذا القرار قد استوفى بصورة صحيحة جميع الاركان الشكلية والموضوعية المطلوبة لاتخاذه أم لا. فإذا وجدت أن هذا القرار معيبا بأي عيب من عيوب القرار الاداري فإنها تحكم بعدم مشروعية القرار ومن ثم الغاءه. لذلك فكان الأولى الطعن بقرار التبرع أولا أمام القضاء الاداري للمطالبة بإلغاءه وليس التوجه مباشرة إلى محكمة البداية للمطالبة بحل المجلس. وذلك لأن مدى مشروعية قرار التبرع من عدمه تقرره المحكمة الادارية وليست محكمة البداية.
2. ان القرار الذي صدر عن مجلس النقابة هو قرار مستوفى لكافة الأركان الموضوعية من حيث المحل والغاية والسبب فسبب التبرع هو وجود ظروف استثنائية طارئة تهدد الأمن الوطني و السلامة العامة في جميع انحاء المملكة . هذه الظروف الحرجة وبسبب خطورتها على الوطن استلزمت تفعيل قانون الدفاع وما ترتب عليه من تعطيل العمل ببعض القوانين العادية . وهذا يعني أن الدفاع عن الوطن وحمايته من هذا الوباء هو مصلحة وطنية عليا تسمو على أي مصلحة أخرى, كما إنه واجب وطني على كل شخص طبيعي أو معنوي في هذا الوطن, ويجب عليه أن يقوم بهذا الواجب بكل الامكانيات المتاحة لديه .
3. أن قرار التبرع جاء استجابة لنداء الحكومة التي حثت الجميع على التبرع لهذا الصندوق مما يدلل على أن الدولة تمر بضائقة مالية قد تحول بينها وبين مواجهة هذا الوباء مما يشكل خطرا محدقا يهدد جميع المواطنيين بما فيهم المعلمين واسرهم والذين يشكلون نسبة كبيرة من سكان المملكة. وقد لبى هذا النداء نقابات اخرى غير نقابة المعلمين كنقابة المحامين مثلاً. لذلك فإن المصلحة العامة في هذه الحالة تسمو على مصلحة الخاصة . وعليه فإن ما قام به مجلس النقابة من تبرع يجب أن ينظر إليه من كونه جاء استجابة لنداء الوطن وحمايته من الوباء وبالنتيجة حماية المعلمين واسرهم من الاصابة بهذا الوباء فهو جاء بالنتيجة مصلحة عليا للمعلمين وأسرهم مما يعني أن الغاية من التبرع هي غاية مشروعة بنيت على سبب مشروع ويحقق بالتالي مصلحة مشروعة عليا للمعلمين. وبالتالي نستطيع القول بأن قرار التبرع من الناحية القانونية هو قرار مستوفى للأركان الموضوعية للقرار الاداري فمحله وسببه وغايته مشروعه. كما وان هذا قررا التبرع حظي بتأييد واطراء جميع فئات المجتمع الاردني بما فيهم المعلمين أنفسهم كونه يمثل ووقوفا الى جانب الوطن في محنته ولم ينظر إليه على إنه اهدار لأموال النقابة إلا من جانب عدد قليل جدا من المعلمين لا يُبنى عليه مقارنة بعشرات الالاف من المعلمين الذين أيدوا هذا العمل الوطني.
4. ان العيب الذي شاب قرار التبرع هو عيب شكلي يتعلق بركن الشكل والاجراءاءات والمتمثل بعدم اخذ موافقة الهيئة المركزية ابتداء وهذا يعني أنه لو تم أخذ موافقة الهيئة المركزية بالتبرع, فإن قرار التبرع يكون قد صدر وفقاً للاجراءات الشكلية المقررة بموجب القانون والانظمة. ثم ان الهيئة المركزية قد اجتمعت لاحقا ووافقت على التبرع بأغلبية ساحقة مما يعني أن العيب الشكلي الذي شاب القرار الاداري قد تم تصويبه وينتفى بالتالي وصف التبرع بكونه اهدارا لأموال النقابة.
لذلك فإنني أرى من وجهة نظري القانونية أن الدعوى المرفوعة أمام محكمة البداية للمطالبة بحل مجلس النقابة حرية بالرد لعدم قيامها على أساس قانوني يتمثل في مخالفة صريحة وجسيمة لقانون النقابة. ولكن يبقى القرار الفصل في هذه الدعوى للقضاء , وان ما يصدر عن محكمة البداية من أحكام بهذه الدعوى ومهما كان نوع الحكم هي احكام غير نهائية بل يمكن الطعن بها أمام محكمة الاستئناف ومن ثم التمييز.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى