قراءة في كتاب الدكتور سفيان التل: الهيمنة الصهيونية على الأردن

قراءة في كتاب الدكتور سفيان التل: الهيمنة الصهيونية على الأردن

عبد الستار قاسم

كتاب الدكتور المهندس سفيان التل المعنون الهيمنة الصهيونية على الأردن يشكل صرخة قوية للشعب الأردني ولكل الشعوب العربية للحذر من المخططات الصهيونية نحو الاستيلاء على الأردن وتحويل الضفة الشرقية لنهر الأردن إلى كيان صهيوني جديد يتم ضمه إلى الكيان الصهيوني في فلسطين. الكتاب يتحدث بلسان عربي واضح وبسيط إلى كل الأردنيين الغيورين على وطنهم وأرضهم وعرضهم لكي يتنبهوا إلى الخطر الداهم الذي يحيق بالأردن ويتهدد وجوده كوطن للأردنيين ويتهدد وجود الشعب الأردني على وطنه.

كتاب الدكتور سفيان مليء بالحسرة على ما يراه من زحف صهيوني على أراضي الأردن ومياهه ومدنه وآثاره ومنشآته ومؤسساته الاقتصادية والمالية. إنه كتاب تحتضنه الغيرة على الوطن والمواطن، ويستشرف مستقبلا ليس مبشرا بالخير للأردنيين إلا إذا هبوا جميعا للعمل معا من أجل الحفاظ على وطنهم وعلى أنفسهم. والكتاب يستحق أن يقرأ ويقتنى في كل بيت أردني ليبقى مذكرا الجميع بالأطماع الصهيونية وباستهتار المستوى السياسي الأردني بمستقبل الأردن وأجيالها القادمة.

خطط الغرب

أشار الدكتور سفيان بداية إلى أحد ثوابت السياسة الغربية في المنطقة العربية والذي يقول إن الغرب مصمم دائما على تجزئة الوطن العربي، ويقوم بكل المؤامرات من أجل إفشال التعاون العربي والوحدة العربية. والغرب يعمل دائما على صناعة المشاكل للعرب، وزجهم في حروب بينية تستنزف طاقاتهم وتبقيهم في دائرة التخلف. وكلما عجز العرب عن حل مشاكلهم، وهم بالفعل غير قادرين ويلجؤون للغرب لحل المشاكل التي صنعها هو فيعمقها. لكن الدكتور أغفل نقطة وهي أن أهل الغرب قد نصبوا علينا حكاما يأتمرون بأوامرهم ويحرصون على مصالحهم، وهم شركاء في صناعة المشاكل والإصرار على التخلف العربي.

الوطن يباع ويشترى

يسهب الدكتور سفيان التل في وصف أساليب تسريب الأراضي الأردنية للصهاينة اليهود الذين يحثون الخطى نحو شراء أكبر مساحات ممكنة من الأراضي الأردنية. وقد أشار الدكتور التل خلال الكتاب عدة مرات إلى تشريع بيع الأراضي للأجانب، وتورط في الأمر مجلس النواب كما الحكومة. يتبع الصهاينة أساليب شتى لشراء الأرض من ملاكها الأردنيين وهي أساليب تم اتباعها في شراء الأراضي الفلسطينية. فمثلا يعتمد الصهاينة على وكلاء وشركات أجنبية لشراء الأرض وتسريبها بعد ذلك للمشتري الحقيقي وهو الصهيوني الموجود غالبا في الكيان الصهيوني في فلسطين. ويعتمدون أحيانا وكلاء من أهل الوطن الذين باعوا وطنهم واعتبروه مصدر تجارة وتحقيق أرباح. إنهم يعتمدون الجواسيس لشراء الأرض والذين يحتفظون بها لفترة من الزمن يقدرها الصهاينة. والصهاينة يعملون على المحافظة على عملائهم، ولا يبوحون بشراء الأرض إلا بعد غياب الذي سمسر لهم عليها واشتراها من صاحبها الأردني الغافل.

والدكتور التل لا يخفي قناعته بأن المستوى السياسي الأردني متواطئ لأنه لا يتحرك إزاء الصفقات العقارية المشبوهة التي تعرض الأردن للخطر. وهذه قناعة حقيقية لأن الحكام يشكلون أكبر خطر على الأمة العربية. وواضح من التجربة الفلسطينية أن القيادات السياسية الفلسطينية هي أكثر من باع أراضي لليهود قبل عام 1948، وهي التي باعتها بالجملة بعد عام 1967.

ويقول التل أن الصفقات أحيانا تكون علنية ومعروفة ويتحدث عنها أصحاب الشأن. وبالرغم من الأصوات التي تعلو من أجل ملاحقة الأمر وإحباط البيع إلا أن الحكومة لا تتصرف. والآن وفق القانون للصهيوني أن يتملك في الأردن كأي شخص آخر.

هذه مسألة في غاية الأهمية وتتطلب جهودا كبيرة لإنقاذ الأردن من براثن الصهاينة بخاصة أن اليهود يعتبرون فلسطين أرض الميعاد، لكنهم يعتبرون الأردن الوطن الأم لأنهم ترعرعوا فيها واستعدوا لدخول الأرض المقدسة.

والرسالة في النهاية هي للشعب الأردني الذي من المفروض ألا يثق بأحاديث السياسيين. ونحن نطلب من الشعب الأردني ألا يقول لنا غدا أن أحدا في الأردن لم يبع أراض لليهود. لا، هناك من باع قبل عام 1948، وهناك من يبيع الآن تحت سمع وبصر القيادات السياسية. والأسعار نعرف أنها مغرية جدا.

البتراء والآثار الأردنية

يركز الدكتور التل على عبث الصهاينة بمدينة البتراء ووادي موسى ومختلف الآثار الأردنية، وأصداء هذا العبث تتوارد إلينا في الضفة الغربية. الصهاينة اليهود يتصرفون في البتراء كما لو كانت ملكا لهم. وهم يعبثون فيها وبما جاورها من آثار، ويركزون بصورة أساسية على المدفونات. إنهم يدفنون بعض المخلفات الصهيونية وما يشبه الآثار والعملات في أراضي البتراء ووادي موسى من أجل أن يثبتوا مستقبلا أن هذه المدينة العربية وما جاورها أرض صهيونية لهم حق فيها. ويذكر الدكتور سفيان أن من الأردنيين من يتذمرون من العبث الصهيوني، لكن أحدا لا يريد أن يسمع. وحسب معرفتنا في الضفة الغربية، هناك عبث صهيوني واسع في موقع قبر هارون، والموقع مغطى بكتابات عبرية وشعارات صهيونية.

ويشير الدكتور التل إلى تكبير حجم الأردن من خلال تقديم مختلف أنواع الدعم له وذلك بهدف جعله جسرا عربيا للصهاينة نحو البلدان العربية الأخرى. الصهيونية تنخر الأردن من الداخل وتسيطر عليه، وعلى المستوى الخارجي يعملون على ربط الأردن اقتصاديا بدول الخليج، وكذلك يفعلون من خلال شبكة المواصلات بخاصة سكك الحديد. فإذا تم ربط الأردن مباشرة بالدول العربية فإن الكيان الصهيوني سيرتبط بها أيضا من خلال مشاريع متعددة مثل أنابيب البترول وشبكات نقل المياه والكهرباء، وشبكات النقل البري والجوي الذي سيعتمد على مطارات ومحطات نقل متطورة. وهذا هو الأردن الكبير الذي سيتمدد لحساب الحركة الصهيونية والكيان الصهيوني. واليهود، حسب الدكتور التل، يعتبرون البتراء المدينة الحصينة مستقبلا، وإليها سيلجأ اليهود من نيران أعدائهم.

المهم أن الكيان الصهيوني يعمل بجد واجتهاد على تغيير الهوية العربية لمدينة البتراء، وسيعمد في المستقبل إلى ادعاء ملكيتها كما سيدعي ملكية الأماكن المقدسة في الحجاز.

هذا ويدخلنا الدكتور سفيان التل إلى المسائل الاقتصادية ويشرح بإسهاب المشاريع الاقتصادية التي يعمل الصهاينة على إقامتها بهدف صهينة الاقتصاد الأردني. وهو يشرح لنا مسألة قناة البحرين، وقناة الأحمر الميت، والمشاريع الاقتصادية التي يمكن أن تقوم في حوض وادي عربة، والمستوطنات التي ستقام في تلك المنطقة والمشاريع الاقتصادية الصهيونية الكبيرة التي ستقام غربي الوادي. ويبين المشاريع السياحية التي يمكن أن تقام في المنطقة والتي ستؤثر سلبا على السياحة في الأردن. وتحدث عن الغاز الفلسطيني الذي سيصدر إلى الأردن من قبل الكيان الصهيوني، وكيف ستعتمد الاقتصادات الأردنية على إمدادات الطاقة من الصهاينة. ثم يعرج الدكتور التل على مسائل الخصخصة الاقتصادية والتي ستمكن شركات غربية وصهيونية من التحكم بالاقتصاد الأردني وبمعيشة الناس في الأردن.

باختصار، الدكتور التل يصرخ ويقدم الأدلة والبراهين على ما يقول، ودائما أصحاب العلم ينبهون ويحذرون. فهل هناك في الأردن من يسمعون؟ ما يورده الدكتور التل ينبع من قلب صادق ومن نفس أبية حريصة على شعبها. وهو لا يقول جزافا، وإنما يوثق ما يقول ويستشهد بمن يخبرون التخريب في الأردن. فهل للشعب الأردني أن يسمع؟ هذه ليست مسألة قبلية أو عشائرية أو جهوية أو مذهبية. هذه مسألة وطن، ومحنة شعب في الانتظار. وقبل أن يفوت الأوان، مطلوب من كل الواعين في الأردن أن يتصدوا لهذا الخطر الداهم، وأن يجمعوا الجمهور حولهم ويستبقوا الحدث.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى