قراءة في القرار التفسيري للمحكمة الدستورية حول اتفاقية الغاز

قراءة في القرار التفسيري للمحكمة الدستورية رقم (2) لسنة (2019) بخصوص اتفاقية الغاز بين الحكومة وشركة نوبل انيرجي
المحامي الدكتور: حازم سليمان توبات
استاذ القانون الدستوري المساعد في جامعة جدارا

بمطالعة قرار التفسير رقم (2) لسنة (2019) الصــــادر عــــن المحكمـة الدستوريــــة المتعلق بتفسير المادة 33 من الدستور ومعرفة مدى انطباقه على اتفاقية الغاز بين شركة الكهرباء الوطنية المملوكة بالكامل للحكومة وشركة نوبل انيرجي, فإن الملاحظ أن المحكمة في تفسيرها لنص المادة 33 من الدستور فقد قسمت الاتفاقيات التي تبرمها الدولة الى فئتين:
 الاتفاقيات التي تبرمها الدولة -من خلال السلطة التنفيذية- مع دولة او دول اخرى بصفتها صاحبة سلطة وسيادة, وان هذه الاتفاقيات إذا ترتب عليها تحميل خزينة الدولة أي شئ من النفقات أو مساس بحقوق الأردنيين العامة أو الخاصة لا تكون نافذه إلا اذا وافق عليها مجلس الأمة.
 الاتفاقيات التي تبرمها الحكومة مع أي شخص طبيعي أو معنوي (ليست مع دول) وهذه الاتفاقيات تبرمها الحكومة بصفتها جهة ادارة وليست صاحبة سلطة وسيادة, وبالتالي لا يلزم لنفاذها موافقة مجلس الأمة.
وقد اعتبرت المحكمة ان اتفاقية الغاز تدخل ضمن الفئة الثانية من الاتفاقيات وبالتالي لا تحتاج الى موافقة مجلس الامة, حيث إن هذه الاتفاقية قد أبرمت بين شركة الكهرباء الوطنية وهي شركة مملوكة بالكامل للحكومة وشركة نوبل انيرجي هي شركة نفط أمريكية صاحبة الحق في استثمار حقل غاز ليڤياثان (هو حقل غاز يقع في شرق بحر المتوسط، وتستخرج إسرائيل منه الغاز الطبيعي ).
إن المحكمة في تفسيرها لنص المادة 33 من الدستور لم تأخذ بالمنهج الغائي أو الأصولي في تفسير الدستور وهو البحث عن الغاية أو القصد من وضع النص الدستوري ولم يأخذ كذلك بالتفسير النصي الذي يعتمد على تفسير الكلمات دون البحث عن ما وراء النص من مدلولات ومقاصد. فالمادة 33/1 أعطت للملك السلطة الحصرية في عقد المعاهدات والاتفاقيات دون غيره وإن هذه السلطة يمارسها الملك من خلال حكومته وباراده ملكية يلزم لنفاذها توقيع رئيس الوزراء والوزير أو الوزراء المختصيين( المادة 40 من الدستور). اما الفقرة 2 من نفس المادة فقد قسمت هذه المعاهدات والاتفاقيات الي فئتين:
 اتفاقيات يلزم لنفاذها موافقة مجلس الأمة وهي الاتفاقيات التي يترتب عليها تحميل خزينة الدولة شيئا من النفقات أو مساس بحقوق الأردنيين العامة أو الخاصة.
 اتفاقيات لا يلزم لنفاذها موافقة مجلس الامة وهي الاتفاقيات لا يترتب عليها تحميل خزينة الدولة شيئا من النفقات أو مساس بحقوق الأردنيين العامة أو الخاصة.
إن هذا النص الدستوري عندما اشترط موافقة مجلس الأمة في الفئة الثانية من الاتفاقيات كان يهدف إلى حماية المال العام وحقوق الأردنيين العامة والخاصة من خلال بسط الوظيفة الرقابية لمجلس النواب على أعمال السلطة التنفيذية, فالسلطة التنفيذية عندما تمارس أعمالها فإنها تمارسها بإحدى الصفتين: إما بصفتها سلطة حكم وسيادة وتخرج أعمالها وفقا لهذا الوصف عن رقابة القضاء, أو بصفتها جهة ادارة يطبق عليها ما يطبق على الشخص الطبيعي من حيث الخضوع لرقابة القضاء.
وعلى فرض من القول بأن المادة 33 من الدستور تحدثت عن المعاهدات والاتفاقيات التي تمارسها السلطة التنفيذية بصفتها سلطة حكم وسيادة ويكون أطرافها دول أو أشخاص القانون الدولي العام في حين ان اتفاقية الغاز قد تم توقيعها من قبل الحكومة مالكة شركة الكهرباء الوطنية مع شركة اخرى وان هذه الاتفاقية لا تخرج عن كونها عمل من أعمال الادارة وبالتالي لا تحتاج الى موافقة مجلس الأمة فان الامر يتوجب والحالة هذه ألا يترتب على هذا العمل أي مساس بحقوق الاردنيين العامة أو الخاصة أو تحميل خزينة الدولة أي نفقات زيادة عما هو مقررلها وفقا لموازنة الدولة الموافق عليها من قبل مجلس الامة.
إن المادة 33 من الدستور قد تشددت في موضوع حماية الأموال العامة وحماية حقوق الأردنيين العامة و الخاصة واشترطت موافقة مجلس الأمة على أي معاهدة أو اتفاقية يبرمها الملك من خلال حكومته اذا ترتب عليها تحميل خزينة الدولة شيئا من النفقات أو مساس بحقوق الاردنيين العامة أو الخاصة حتى ولو مارست صلاحياتها استنادا الى اعتبارها جهة سلطة وسيادة . لذلك ومن باب اولى أن يتم اسقاط هذا التشدد على أي عمل تمارسه السلطة التنفيذية كجهة اداره ما دام إن هذا العمل يحمّل خزينة الدولة شيئا من النفقات أو مساس بحقوق الأردنيين العامة أو الخاصة. من جانب أخر فإن أي اتفاقية تبرمها السلطة التنفيذية ويترتب عليها تحميل خزينة الدول شيئا من التفقات أو مساس بحقوق الافراد العامة أو الخاصة فيجب الا تمارسها إلا بصفتها سلطة حكم وسيادة لا بصفتها جهة ادارة وبالتالي فإن موافقة مجلس الامة شرط لازم لنفاذها.
وبالرجوع الى اتفاقية الغاز التي تمت بين الحكومة والشركة فقد قامت الحكومة باجبار المواطنين على التنازل الجبري عن اراضيهم -حتى لو كان الامر مقابل تعويض عادل – فالمواطن والحالة هذه غير مخير بين القبول او الرفض, وهذا الاجبار لا يجوز إلا اذا انطلقت من كونها صاحبة سلطة وسيادة لا جهة ادارة وإلا أعتبرت متعسفة في استخدام السلطة لأن هذا الأمر فيه اعتداء على ملكية الافراد الخاصة, بالإضافة الى ذلك فإن هذه الاتفاقية فيها مساس بكرامة كل مواطن يؤمن بأن اسرايئل دولة احتلال غاصبة لأراضي عربية مقدسة , حيث ان محل هذه الاتفاقية هو الغاز المسروق من أراضي فلسطين وان شراءه من قبل الحكومة هو إقرار بحق اسرائيل في سرقة ثروات فلسطين المحتلة, كما إن هذه الاتفاقية تنطوي على التزامات قد تمس كل فرد من أفراد المجتمع.
لذلك واستنادا لما تقدم فإنه لا يجوز للحكومة أن تبرم هذه الاتفاقية بصفتها جهة ادارة بل لابد من ادخالها ضمن اعمال السلطة والسيادة وبالنتيجة لا تعتبر هذه الاتفاقية نافذه إلا بعد موافقة مجلس الأمة.
toubathazem@yahoo.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى