قراءة في “أسرار خزنة … حكايات امرأة من البادية” للكاتبة هدى الأحمد

#سواليف

كتبت حمدة الزعبي
تتمحور الفكرة الرئيسة لمجموعة ” #أسرار_خزنة#حكايات #امرأة من #البادية” للكاتبة هدى الأحمد، الصادرة حديثًا بدعم من وزارة الثقافة، على تعريف الأجيال بقيم وأخلاق البادية، أهمها: المروءة والكرم والشهامة والصبر وتحمل مشقة شظف الحياة، حيث الحرارة صيفًا والبرد شتاءً، والتنقل المستمر طلبا للماء والكلأ، فضلًا عن مواسم انحباس المطر والجوع والفقر في سنين “القحط ” وشح الغطاء النباتي “المراعي”.
وتضم المجموعة بين دفتيها 14 قصة تتوزع على 98 صفحة من القطع المتوسط، جاءت حسب الترتيب كالتالي: «الجني الصغير، راعية الغنم، السْحَلَة، الحِنَّة الضائعة، البئر الغربي، الجوع، الزائرة، ما زلت قاصرة يا عمتي، ثأر قديم، حكاية الوفاء، خزنة ترفض ابن الشيخ، العجوز العاشق، حياة أو موت، البنت سِرُّ أمها».
كلمة “خزنة”، اسم بطلة الحكايات وفقا لمقولة ” لها من اسمها نصيب”، بدت معبرة جدًا عن ما تكتنزه من معنى … فالخزنة تعني الصندوق الذي يمتلكه الانسان لحفظ المقتنيات والأوراق الثمينة بما فيها من أسرار وممتلكات مهمة يخشى الانسان عليها من الضياع والفقدان.
برأيي وفقت، بل أبدعت الكاتبة الأحمد جدا في اختيار هذه التسمية لمجموعتها، وكأن لسان حالها يقول، سأحفظ ما تعبق به الذاكرة من قصص وأحداث وعادات المرأة البدوية ومجتمعها، وما كان يسود قبل عقود من الزمن درئا من تلاشيها واندثارها، إضافة الى ما يسهم بتعزيز الهوية الوطنية للمجتمع.
وأهمية هكذا حكايات من البادية، تكمن في جمعها وحفظها من كبار السن والأهل، لتوثيقها وتعريف جيل النشء بها، فهذا ضرب من ألوان الامتنان لجيل السلف، ونقل معاناة أهلنا في البادية للأجيال الشابة، فربما تكون الكاتبة، حقًا عايشت هذه الظروف وربما تكون نشأت في المدينة، لكنها علمت من أهل ديرتها وأحاديثهم عن مشكلاتهم ومعاناتهم قسوة الحياة وشظف العيش في الصحراء، غير مستقرين بل متنقلين من بقعة لأخرى، طلبًا للماء والكلأ، ديدن حياتهم وثروتهم الحيوانية.
نعم … حكايات خزنة هي عبارة عن حكاية كل امرأة في البادية، كما جاء في اهداء الكاتبة … فكل نساء البادية مررنَ بما مرت به بطلة الحكايات، من تعب وجهد واستيقاظ مبكر لرعاية الشياه وحلبها ثم مرافقتها في عز الظهيرة إلى المرعى متخللة الجبال والأودية، ثم العودة بها لحضائرها … فبالرغم من كل ذلك الشقاء، تمتعت البدوية بجمال طبيعي وذكاء أخّاذ، قلَّ نظيره برأيي عند المرأة في البيئات الأخرى – الحضرية والمدنية -.
وتميزت الكاتبة في قصّها، بأسلوب السلاسة والبساطة والتشويق في اللغة، فنقلت مشاعرها وأحاسيسها وأفكارها للمتلقي بسهولة، ما أكسبها اعجاب وثقة من ناحية القارئ لينهل من حكاياتها المزيد بكل أريحية واعجاب دون تعقيد وتصعيب لاستيعاب سير وسمات قصص البادية وما يميزها عن غيرها من تشويق وترغيب.
فقصة خزنة انها وحيدة أهلها، شبت و ترعرعت وسط البادية، فبالرغم من انها وحيدة، لكنها كانت كغيرها من نساء البادية، مطلوب منها أن ترعى الغنم وتحب كلب الغنم – الحامي لممتلكاتهم- . وعليها أن تتعلم وتتقن عملها في اعداد الطعام والعجين والخبز وجمع الحطب للموقد والتدفئة.
ويُسجل للكاتبة، تطعيم لغة السرد في حكاياتها الفصحى باللهجة البدوية، ما يعطيها جاذبية وحيوية النص لتبعد الملل عن المتلقي، فيزداد السرد جمالًا ومتعةً.. كما جاء في قصة راعية الغنم عندما مات كلبها، قال لها والدها:”يا بوي ما يصير نموت بعد خويانا ودك تعيشي”. ص 18
ثمة من برع بهذا السلوك السردي من كتاب اليوم المحليين، في الرواية والقصة القصيرة، فبتنا نرى على سبيل المثال اللهجة الفلسطينية في الروايات المحلية الحديثة، أمثال الروائي محمود عيسى موسى والكاتبة صفاء أبو خضرا وغيرهم من المبدعين.
وفي حكاية “الحنة الضائعة”، تعكس أحداث القصة انحياز الأهل لابن العم، تزويجه ابنة العم وفرض العريس عليها دون الأخذ برأيها وفقا لمقولة: “ابن العم بنزل عن الفرس”، إلا أن فطنة الجدة وذكاءها بطريقة إخفاء “حنة العروس” وعادة تشاؤم أهل العريس من هذه الحالة، انقذ العروس من مشكلتها، وتخلصت من الزواج المفروض عليها قسرا.
كما أن قصة البئر الغربي _ هنا كلمة “البئر” مؤنث لا مذكر- كان يجب أن يكون عنوان الحكاية “البئر الغربية” وهذا الخطأ يحسب على المدقق اللغوي .. هذه الحكاية تعكس الجهل والدجل والايمان بالخزعبلات الاجتماعية، الذي لا تزال مجتمعاتنا تعاني منه حتى وقتنا هذا … التسليم بالأمور الغامضة دون تمحيص وبحث ودراية…التسليم بأن البئر مسكونة و تتحدث ! … فيرمون لها قطع نقدية وخراف لتهدأ !.
وفي “ثأر قديم”… تطرح الحكاية مشكلة الأخذ بالثأر عند البدوي…القتل والتهديد وعدم الاستقرار نتائج مُخيبة ومعقِدة للإنسان.
كل قصص وحكايات المجموعة تُظهر لنا قيم ومشكلات وقضايا المجتمع البدوي …أحيانا تثمن صفات حياة البادة مثل: الشجاعة والكرم والذكاء والمروءة وكتم السر ، فيما تنتقد بعض حكايات المجموعة حياة الاستكانة والجهل والتسليم ببعض الأمور التي بحاجة للمتابعة والاطلاع والتقصي لمعرفة وفرز السلوك السليم والسوي من غيره.
وبالنسبة للوحة الغلاف للدكتور مهند الداود، جاءت موفقة ومعبرة جيدا عن حياة البادية وكنوزها.
يشار إلى أن الكاتبة هدى الأحمد هي من مواليد مدينة المفرق، عملت معلمة سابقا/ قطاع خاص، حاصلة على دبلوم دراسات اجتماعية وتأهيل تربوي
لها إصداران: مجموعة قصصية تراثية “مسنا الحب في الومضة والمخاطرة”، و
“أسرار خزنة…حكايات امرأة من البادية”. ولديها مخطوطة قصصية بعنوان:”امرأة قادمة من البعيد” قيد الكتابة. وهي الآن أمينة سر منتدى العشيات للآداب والفنون. #

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى