
قراءة أخرى لقرار ترمب الأخير
لم يكن قرار الرئيس الأمريكي المثير للجدل بنقل السفارة الأمريكية للقدس الشرقية ، لم يكن
ذلك القرار مفاجئا في توقيته بقدر ما كان صادما في ما سبقه من حرب إعلامية ، فقد وفى
القادم الجديد للبيت الأبيض بوعوده الإنتخابية تحت ضغط المنظمات المسيحية المتصهينة ، وقد
سبقه بتلك الوعود رؤساء أمريكيون،عطلوا تنفيذ القرار الذي صادق عليه الكونجرس منذ عام
1995م .
ولا يقل هذا القرارفي خطورته وأبعاده الجيوسياسية عن الوعد الذي أطلقه المشؤوم ( آرثر
بلفور ) وزير خارجية بريطانيا حينما أعطى اليهود وعدا بإقامة وطن لهم على أرض لم يمكلها
هو ولا دولته حين صدور الوعد ، وغير خافٍ هنا –عزيزي القارئ – ان الوعد المشؤوم
والقرار الأرعن ينطلقان من منطلقات دينية، فهما وإن كان ظاهرهما سياسيا بحتا فإن باطنهما
دينُي بامتياز، فالقرار والوعد يقرران يهودية الدولة الصهيونية دون أدنى اعتبار لغير اليهود
من المسلمين والمسيحين الذي يقيمون على الارض منذ آلاف السنين ،
والمفارقة التاريخية هنا أن الخليفة عمر بن الخطاب نص في عهدته العمرية التي منحها أهل
ايلياء بعد أن اعطاهم الأمان على كنائسهم ودور عبادتهم أشار الى انه ( لا يساكنهم فيها احد
من اليهود ) .
وكذلك لم يكن عبثا او مصادفة أن مثل هذا القرار الخطير يأتي في مرحلة حرجة تلقي بظلالها
في حالة الضعف والإنقسام والتشرذم الذي نعيشه والذي يشبه الى حد ما كانت تعانيه الدولة
العثمانية وقد صدور وعد بلفور عام 1917م .
واذا ما أردنا ان نكون متفائلين رغم كل السوء الذي يحيط بالقرار فان هذا الرئيس بضحالة
فكره السياسي ورعونته غير المسبوقة ،قد أعاد -من حيث اراد أم لم يرد – قضية فلسطين الى
الواجهة من جديد باعبارها محور ارتكاز القضايا العربية وقضية العرب الاولى والتي عانت
من تهميش وغياب من ثورات الربيع العربي 2011م .
وكذلك كان من تبعات هذا القرار الاخرق التقاء النخب السياسية الرسمية مع القواعد الشعبية
حيث يهدد هذا القرار سيادة بعض الدول وينتزع منها وصايتها وولايتها المعترف بها دوليا
على الاماكن المقدسة .
ومن الإرتدادات غير المتوقعة لهذا القرار أنه أعاد للذاكرة العربية ما كان يعرف بفلسطين
التارخية فليست حدود فلسطين محصورة في 67 فحسب بل فلسطين كلها من بحرها لنهرها ما
زالت ترزخ تحت نيل الاحتلال ، وهي حقيقة كادت تندثر مع الايام بعد اتخاذ خيار السلام
كخيار استراتيجي لا بديل عنه .
واخيرا فإن من تبعات هذا القرار غير المقصودة إعادة توجيه البوصلة نحو العدو الحقيقي
للعرب والمسلمين وكشف زيف ادعاء ما يعرف بمحور الممانعة والمقاومة الذي اشبعنا جعجعة
بتشدقه في كل مناسبة بقضية فلسطين في حين ان فيلقه المسمى باسم القدس إنشغل بدخول
وتحرير أكثر من عاصمة عربية باستثناء القدس .
abutaqey@hotmail.com