سواليف
في حضرة عرار الشعر وتجلياته، وفي ذكرى ميلاده ووفاته، قرأ الشاعران غازي الذيبة وصاحب السطور باقة من قصائدهم الجديدة في الأمسية التي نظمتها مديرية ثقافة إربد بالتعاون مع نادي كفر خل الرياضي، مساء أول من أمس في بيت عرار الثقافي.
الأمسية نفسها التي أدارها مدير ثقافة إربد الناقد د. سلطان الزغول وقدم لها بموجز السيرة الإبداعية للمشاركين، ورافق الشاعرين على آلة العود الفنان ناصر القواسمي، انفرد في حلقاتها الشعر بإيقاعاته وتأملاته وانحيازه للجمال واتساع ينابيعه ومجرى مفرادته، وموضوعاته التي صاغها الذيبة والخطيب صوغا مغايرا للمالوف.
الشاعر صاحب السطور استهل القراءات بقراءة قصيدة « مباهلة» وفيها يقول:» مباهلتي للريح والناي عازفُ، ومسألتي سردٌ يروق وقاطفُ، أباهل أقران الخيال، كأنّ لي، على الماء أسرابا، ونصفك ناشفُ، إذا ملكت أغصانك الريح مرّة، فذلك أنّي في السريرة واقفُ، تتوه نهايات الحمام على هدى، وينفر من قيد السحابة خائفُ، فإن أبدلتك الأرض أرضا، فلي يدٌ، تطال علوّا ما علته الزواحفُ، وإن جاورتك الأرض وهي سماؤها، فمن لازب الطين الغريب عواطفُ، كحال من الغيب الذي رصّع المدى، وفارق أعشاشا، وهنّ رواجفُ».
تلاها بقصائد نوّع فيها بين حداثة النص الكلاسيكي، وقصيدة التفعيلة، من مثل:» كل ذلك كان، وأنا أدلل بالبكا أجفانها، زيارة، البهية» وفي الأخيرة يقول:» سأسوق أبنائي إلى ألعابهم، وطيورهم، وغرائب القطط التي تأوي إلى بيتي، بليل مضمحل تائه حيران، وأغادر البرهان، لأنّي لم أكن سببا لهذي الحرب، أو لخسارة الإنسان».
وختم صاحب السطور قراءاته بقصيدة:» بيتان يتصلان بي»، رسم خلالها معالم البيوت التي رصدها وهي تحتجب عن الآخرين، وفيها يقول:» بيتان من خشب ومنفى، وحصيرتان قصيرتان على الضيوف، ومشهدٌ لعداوة أخرى، أمام العنكبوتْ، بيتان ينصهران في معنى التوحّد، والجلوس على رصيف النازحين، إلى مساء بلّ أحداق الطفولة، في مغازلة السكوتْ، بيتان يتّصلان بي
وأنا أهيئُ ثورة أخرى لأشجار، من الياقوتْ».
الشاعر الذيبة انفرد بتجلياته في عوالمه التي تتقصّى مجريات الأحداث، حيث ذهب بعيدا في تأثيث نصه الشعري تأثيثا يليق بالواقع، فقرأ: « توق الغريب إلى البحر» القصيدة التي سجّلت لصديقه الشاعر الراحل جهاد هديب هوسه بالجمال حتى وهو في أشد لحظاتِ مواجهته للسرطان اللعين، وإعلان تمرده عليه، ولجوئه إلى فكرة الشروق من جديد، وفيها يقول:» لا أصدق يا قلب، كيف تدحرجت هذا المساء، وكيف تهشم فيك زجاج جميل لنافذة، ستصيب الصباح ببرد حزين، لا أصدق أن الطريق إلى الحزن مبلولة بارتجاف الحنين».
وتابع رسم إيقاع رؤيته الخاصة لكل المفردات التي رأى أنها كانت تشكّل صورة حديث في حواراته الداخلية مع المرض، فيقول في نفس القصيدة:» هل تقمصت ناي الحديقة عن اكتمال الضحى، واستترت بضوء الحرائق، قلنا مريض ويجهش بالخوف من سرطان الذهول، ولكنه كان يكتب أول سطر على دفتر الشعر قال له سأعود، وكان يطوّق أحلامه بالشروق».
إلى ذلك تأمل الشاعر الذيبة كل ما يدور حوله، مستندا بذلك على بصيرته التي تقرأ الأشياء كما هي، يضارعها ويتلّها من كمين الخدر، ليضعها في مواجهة مع نفسه، « وأكثر من وردة وهي تمشي إليّ، سأنثر قمحاً على ذروة التل، ثم أمشط ظهر الذرى بالصهيل، هنا ولد من غناء يراقب صوت العصافير في الحقل، يسرح مع نايه في الذهول، وأكثر من شهقة راهقت في غناء الزهور، أشمّ عبير الهواء الندي، وألقي السلام عليك».