سواليف
أحالت شظايا مجهرية بالغة الصغر، حياة العشريني الغزي صالح دهليز إلى معاناة متواصلة، بعد إصابته بها جراء انفجار صاروخ أطلقته طائرة بدون طيار إسرائيلية تجاه السيارة التي كان يستقلها في مايو/أيار من العام 2014، إذ بات يعاني فقدان السمع، وضعف البصر، والفقدان المؤقت للذاكرة، كما يؤكد طبيبه المعالج الاختصاصي في مستشفى غزة الأوروبي الدكتور إياد أبو عبيد، والذي أصدر تقريراً طبياً يصف فيه حالة المريض دهليز في سبتمبر/ أيلول عام 2014، مؤكدا وجود أجسام مجهرية غريبة في القرنيتين “foreign body”، تحوي مادة الدايم، أثرت على بصره، وفي حال استمر وجودها طويلاً قد يكون لها مضاعفات أكبر مستقبلا، تصل إلى فقد البصر كليا.
ما هو الدايم؟
تحققت وحدة الهندسة التابعة لوزارة الداخلية في قطاع غزة، من قيام إسرائيل بإطلاق قنابل محشوة بمعدني الدايم والتنغستون المحرم استخدامهما في صناعة الأسلحة، خلال عدوان 2014، عبر التعرف على القذائف غير المنفجرة من شكلها، والرموز والكتابات التي توضح تركيباتها، بحسب المقدم سمير النجار من هندسة المتفجرات في غزة، والذي قال لـ”العربي الجديد”: “تم العثور على 20 قذيفة، تحوي الدايم والتنغستون وجرى إتلاف جزء منها والتحفظ على عدد آخر”.
وبحسب المقدم النجار، فإن قنابل الدايم المنفجرة، يتم التعرف عليها عبر تجميع الشظايا ومعاينة الآثار “الثقوب” التي أحدثها الانفجار، والتي تتميز بوجود شظايا بالغة الصغر تترك بقعا بيضاء عند ارتطامها بالأجسام الصلبة، قائلا “لا يوجد قذائف تنتج شظايا بوزن نصف غرام إلا الدايم”.
وتتكون القنابل المحشوة بمادة الدايم من غلاف ألياف الكربون، مع خليط من المواد المتفجرة ومسحوق مكثف من خليط معدن التنغستون الثقيل (HMTA)، ويصدر عن القذيفة الواحدة عند انفجارها 3000 شظية صغيرة، كما يؤكد المقدم النجار، موضحاً أن معدني الدايم والتنغستون، يوضعان في قذيفتين، الأولى تطلقها طائرات استطلاع بدون طيار، والأخرى تسمى قذيفة (APAM) عيار “120 ملم” وتطلقها الدبابات، وهي إسرائيلية الصنع.
وأطلق كيان الاحتلال 900 قذيفة وصاروخ مزود بالدايم والتنغستون على مختلف أنحاء القطاع خلال عدوانه الأخير، ويمنع كيان الاحتلال إدخال أجهزة ومعدات قادرة على كشف تركيب المتفجرات، كما يؤكد النجار، موضحاً أن عدداً من الوفود الأجنبية حاولت إدخال هذه الأجهزة التي تكشف معدني الدايم والتغستون، غير أن جنود الاحتلال صادروها على المعابر.
الدايم في تربة غزة
تؤكد دراسة ماجستير للطالب في جامعة الأزهر بغزة عصام كريم، أشرف عليها الأستاذ المساعد بقسم الجيولوجيا في كلية العلوم عدنان عايش، وجود دلائل على استخدام إسرائيل للقذائف المزودة بمعدن الدايم والتنغستون، إذ تمتلئ تربة غزة بمعدني الكوبال والكبريت، واللذان يعدان عنصرين متلازمين بصفة مستمرة لمعدن الدايم، ويؤكد عايش لـ”العربي الجديد”: “أن العالمة باولا ماندوكا المتخصصة في علم الوراثة، وباحثة في جامعة جنوا الإيطالية، أجرت تحاليل لعينات من تربة غزة سقطت عليها قذائف وصواريخ إسرائيلية في عامي 2008 و2009، بعد نقلها للخارج، وأثبتت احتواءها على معادن ثقيلة منها الدايم والتنغستون، وهو ما يشير إلى الاستخدام المتعمد والمتكرر من قبل الاحتلال لهذه القذائف التي أغرق فيها القطاع”.
ووفق دائرة هندسة المتفجرات فإن الاحتلال أطلق 500 قذيفة محشوة بمعدن الدايم (APAM)، إضافة إلى 400 صاروخ صغير تم إطلاقه من طائرات الاستطلاع يتراوح وزن الواحد منها ما بين 900-1200 غرام، خلال حرب 2014، وتركز إطلاقها في حي الشجاعية، وفي بيت حانون شمالاً، وشرق مدينتي رفح وخان يونس، وكان أعلى نسبة إطلاق في حي الشجاعية ومنطقة خان يونس اللتين تعرضتا لإطلاق أكثر من 500 من مجموع القذائف والصواريخ.
الدايم يُمْرض خبراء الشرطة
منذ أن تعامل الملازم محمد مقداد من قسم هندسة المتفجرات لقذائف الدايم، التي عمد إلى نقل عدد منها وتفكيك عدد آخر، أصيب وأربعة من زملائه بإعياء وارتفاع في درجات الحرارة، وخضعوا لعلاج مكثف، ثم غادورا المستشفيات، وما زالت تلازمهم متاعب صحية لا يعرف الأطباء سببها بين الفينة والأخرى.
يقول مقداد لـ”العربي الجديد”: “ربع طاقم هندسة المتفجرات، ممن تعاملوا بشكل مباشر مع قذائف الدايم، تعرضوا لمتاعب صحية، رغم ارتدائهم ملابس وقفازات يد واقية”.
ويؤكد الدكتور أشرف عبيد، اختصاصي جراحة الأعصاب في مستشفى الشفاء بغزة، أن حالة مقداد وزملائه ليست الوحيدة التي لم يجد لها الأطباء تفسيرا علميا، إذ أن 50 حالة مشابهة عولجت في مشافي قطاع غزة بعد العدوان، واضطر الأطباء للتعامل معها ضمن بروتوكول طبي يشبه ما يتم التعامل فيه مع حالات الحمى، لكنه أكد أن القاسم المشترك بينهم جميعاً كان تعرضهم لمخلفات مقذوفات إسرائيلية، أو تواجدهم بجوار مناطق مستهدفة.
كيف يشخّص الدايم؟
يلجأ أطباء غزة، إلى تشخيص الدايم بالاعتماد على خبرتهم، كما يقول رئيس قسم الاستقبال والطوارئ بمجمع الشفاء الدكتور أيمن السحباني، موضحا أن علامات الإصابة بقذائف الدايم، تبدو في بتر أو حروق شديدة وتهتك في الأنسجة، وكذلك نزيف داخلي حاد، وانتشار عشرات الثقوب الصغيرة بدون تواجد أثر للشظايا، وغالباً يلحقها مضاعفات بعد فترة من الإصابة، مبينا أن شظية من معدني الدايم والتنغستون يبلغ حجمها 2*4*4 مليمترات بوزن 0,49 غرام كفيلة بقتل إنسان أو تصيبه بمضاعفات مرضية أبدية. وأوضح لـ”العربي الجديد”، أن الدايم يؤدي إلى معاناة المصاب من حرارة شديدة، ثم يهاجم المعدن البصمة الوراثية للمصاب.
ويحصي الدكتور صبحي سكيك أستاذ الجراحة في كلية الطب بجامعة الأزهر في غزة، 3150 إصابة بقاذئف محشوة بالدايم خلال عدوان 2014، الأمر الذي أدى إلى بتر أطراف المصابين بسبب ذوبان الشظايا المجهرية في أجسامهم، إذ تحوي على مادة الكربون القابل للذوبان.
وعلى الرغم من أن معظم المصابين بشظايا الدايم تماثلوا مرحليا للشفاء، إلا أن مضاعفات وأعراض لاحقة ظهرت عليهم وما زال 150 منهم يترددون على المستشفيات حتى الآن، من بينهم الشاب يوسف أبو سمهدانة 19 عاما، والذي أصيب بشظايا صاروخ إسرائيلي في صيف 2014، ويقول يوسف لمعدي التحقيق “أعاني مشاكل في السمع والإبصار، وهناك شظايا مجهرية تنتشر في وجهي، وقرنيتي عينيّ وقوقعة الأذن، وما زلت أخضع لعلاج مستمر، وأعاني من ارتفاع درجات الحرارة بشكل دائم”.
الدايم في تربة غزة
تؤكد دراسة ماجستير للطالب في جامعة الأزهر بغزة عصام كريم، أشرف عليها الأستاذ المساعد بقسم الجيولوجيا في كلية العلوم عدنان عايش، وجود دلائل على استخدام إسرائيل للقذائف المزودة بمعدن الدايم والتنغستون، إذ تمتلئ تربة غزة بمعدني الكوبال والكبريت، واللذان يعدان عنصرين متلازمين بصفة مستمرة لمعدن الدايم، ويؤكد عايش لـ”العربي الجديد”: “أن العالمة باولا ماندوكا المتخصصة في علم الوراثة، وباحثة في جامعة جنوا الإيطالية، أجرت تحاليل لعينات من تربة غزة سقطت عليها قذائف وصواريخ إسرائيلية في عامي 2008 و2009، بعد نقلها للخارج، وأثبتت احتواءها على معادن ثقيلة منها الدايم والتنغستون، وهو ما يشير إلى الاستخدام المتعمد والمتكرر من قبل الاحتلال لهذه القذائف التي أغرق فيها القطاع”.
ووفق دائرة هندسة المتفجرات فإن الاحتلال أطلق 500 قذيفة محشوة بمعدن الدايم (APAM)، إضافة إلى 400 صاروخ صغير تم إطلاقه من طائرات الاستطلاع يتراوح وزن الواحد منها ما بين 900-1200 غرام، خلال حرب 2014، وتركز إطلاقها في حي الشجاعية، وفي بيت حانون شمالاً، وشرق مدينتي رفح وخان يونس، وكان أعلى نسبة إطلاق في حي الشجاعية ومنطقة خان يونس اللتين تعرضتا لإطلاق أكثر من 500 من مجموع القذائف والصواريخ.
كيف يشخّص الدايم؟
يلجأ أطباء غزة، إلى تشخيص الدايم بالاعتماد على خبرتهم، كما يقول رئيس قسم الاستقبال والطوارئ بمجمع الشفاء الدكتور أيمن السحباني، موضحا أن علامات الإصابة بقذائف الدايم، تبدو في بتر أو حروق شديدة وتهتك في الأنسجة، وكذلك نزيف داخلي حاد، وانتشار عشرات الثقوب الصغيرة بدون تواجد أثر للشظايا، وغالباً يلحقها مضاعفات بعد فترة من الإصابة، مبينا أن شظية من معدني الدايم والتنغستون يبلغ حجمها 2*4*4 مليمترات بوزن 0,49 غرام كفيلة بقتل إنسان أو تصيبه بمضاعفات مرضية أبدية. وأوضح لـ”العربي الجديد”، أن الدايم يؤدي إلى معاناة المصاب من حرارة شديدة، ثم يهاجم المعدن البصمة الوراثية للمصاب.
ويحصي الدكتور صبحي سكيك أستاذ الجراحة في كلية الطب بجامعة الأزهر في غزة، 3150 إصابة بقاذئف محشوة بالدايم خلال عدوان 2014، الأمر الذي أدى إلى بتر أطراف المصابين بسبب ذوبان الشظايا المجهرية في أجسامهم، إذ تحوي على مادة الكربون القابل للذوبان.
وعلى الرغم من أن معظم المصابين بشظايا الدايم تماثلوا مرحليا للشفاء، إلا أن مضاعفات وأعراض لاحقة ظهرت عليهم وما زال 150 منهم يترددون على المستشفيات حتى الآن، من بينهم الشاب يوسف أبو سمهدانة 19 عاما، والذي أصيب بشظايا صاروخ إسرائيلي في صيف 2014، ويقول يوسف لمعدي التحقيق “أعاني مشاكل في السمع والإبصار، وهناك شظايا مجهرية تنتشر في وجهي، وقرنيتي عينيّ وقوقعة الأذن، وما زلت أخضع لعلاج مستمر، وأعاني من ارتفاع درجات الحرارة بشكل دائم”.
ارتفاع نسبة المصابين بالسرطان
عقب حرب 2014 بلغ عدد الإصابات بمرض السرطان في القطاع 1600 حالة إصابة سنوياً، بمعدل زيادة ما بين 20 إلى 25% في العام، وفقا لما يؤكده رئيس قسم الأورام بمستشفى الرنتيسي في غزة الدكتور خالد ثابت، وأوضح ثابت لـ”العربي الجديد” أن “معدن التنغستون المحشو في قنابل الدايم، سام ويؤدي إلى تهتك الأنسجة إذ يهاجم الكلى والكبد، ويحدث خللا في الحمض النووي، ما يؤدي إلى إحداث طفرات سلبية في الخلايا، ويسبب تكوين خلايا سرطانية وهو ما يرفع من نسبة المصابين بالسرطان في القطاع عاماً بعد عام”.
سلاح محرم
بلغ عدد جرحى عدوان 2014 في قطاع غزة، 10,564 إصابة، عدد المعاقين منهم 567 حالة، وشكلت الإعاقة البصرية والحركية نسب 10,6% و 71,4% على التوالي من إجمالي الإعاقات، وكلتاهما من مسببات قنابل الدايم وفقا لدوائر الصحة وهندسة المتفجرات، إذ أن هذا النوع من القنابل ينتج عنه حرارة عالية تؤدي إلى فقدان البصر، بالإضافة إلى شظايا معدنية قاطعة تتسبب في بتر الأقدام.
ويؤكد مركز الأورومتوسطي لحقوق الإنسان في قطاع غزة، أن جسيمات هذا السلاح لا يمكن اكتشافها بأشعة إكس، ما يجعلها محرمة دولياً، بموجب البروتوكول الأول لاتفاقية الأسلحة التقليدية، والمعروف باسم البروتوكول المتعلق بالشظايا التي لا يمكن الكشف عنها (1980)، وكانت إسرائيل قد وقعت عليه؛ وبالتالي فهو ملزم لها.
وأكد الحقوقي إبراهيم معمر، رئيس الجمعية الوطنية للديمقراطية والقانون، لـ”العربي الجديد”، أن استخدام الأسلحة محرمة دولياً من قبل الاحتلال الإسرائيلي يخالف القانون الدولي، وخاصة إعلان “سان بطرسبرغ” لعام 1868، الذي حظر”استعمال أسلحة من شأنها أن تفاقم دون أي داع آلام المعزولين عن القتال أو تؤدي حتما إلى قتلهم”، بالإضافة إلى اتفاقية “لاهاي” لعام 1907، التي نصت في الفقرة “أ” من المادة 23 على حظر استخدام الأسلحة السامة، كما نصت الفقرة “هـ” من نفس المادة على حظر استخدام الأسلحة والقذائف والمواد التي من شأنها إحداث إصابات أو آلام لا مبرر لها. وتضرب إسرائيل عرض الحائط بكل المواثيق السابقة، وهو ما أدى إلى معاناة ضحايا العدوان من جميع الأعمار، ومنهم الطفل إبراهيم أبو حمد “4 أعوام”، والذي يعاني شللا نصفيا وآلاما لا تفارقه، منذ أصيب بشظايا قذيفة إسرائيلية استهدفت مدرسة إيواء تابعة لوكالة الغوث الدولية صيف 2014، واستشهدت والدته التي كانت تحتضنه.
ويقول فايز جد الطفل، “حفيدي خضع لعلاج وسافر إلى تركيا، لكن الشظايا السامة تركت آثارا كارثية في جسده، وتسببت في قتل الأعصاب، ما أدى إلى إصابته بالشلل، وفقا لما ذكره لنا الأطباء”.
العربي الجديد