قبل عشرين جُرحاً / خولة مغربي

قبل عشرين جُرحاً …
في مثل هذا اليوم وقبل منتصف الليل بقليل، فارقتْ الروح جسدها، فتوقف الزمن وغرق في الصمت الحزين، كانت ليلة شتائية وقد تحلّقنا حوله، كان مغمض العينين سابحاً في الملكوت، والنَّفسُ يروح ويجيء ما بين شهيق وزفير، أجلس جانبه وقد أمسكت يده اليمنى بيدي الاثنتين، كي لا تسرقه مني اللحظة الغادرة خلسة، أُصلي بين يديه صلاتي الأخيرة، أبكي صامتة وتنحدر الدموع ساخنة ملتهبة تحرقني،عاجزة كنت، وكنا كلنا عاجزين، وما أصعب العجز أمام من تحبّ والموت يزحف إليه أمامك، دون أن تقوى على ردّه، تراه يتسلل إلى قلب من تهوى ليسكته السكوت الأبدي، تنظر مشلول الإرادة فلا تستطيع افتداءه بروحك، ولو كان الموت يشترى لاشتريته وافتديته في تلك الليلة، نادته أمي باسمه، فردّ مستجيباً وسألته عن حاله، فقال أنه بخير!!! وأين الخير منه ومنّا، ولكن قلبه الحنون يطمئننا في وقت عزّ فيه الاطمئنان والخير، جميعنا نحيط به المسافر الذي عاد، والأبناء والبنات إذ طلبهن عندما أحسّ بدنو الأجل، والأعمام والعمّات والخالات، يشعر بنا ولا يرانا، هناك من تقرأ القرآن وهناك من يدعو، وهنا من يغالب دمعه، واثنان فوق رأسه يراقبان بؤبؤ العين وهل يستجيب للضوء أم ليس بعد، تمرّ الثواني طويلة بعمر الشقاء والتعب الذي احترق به في الغربة وكابده من أجلنا.
كم كان صوته رخيماً حنوناً يدغدغ القلب ويأسره إذا غنّى، أجلس أمامه طفلة مفتونة بأبيها، تتأمله تأمل العاشقة، يغني أغنية عن الغربة ووجعها، وأتساءل إذا كانت الغربة قاسية وتحزّ روحه إلى هذه الدرجة، فكيف يتحملها ؟؟ّ!!! قال ذات يوم عند حديثنا عن اقتراب سفره، ان الموت أسهل من سفره بعيداً عنّا!!!
كم أشتاقكَ إذ تقول لي وأنتتحتضنني أهلاً بلحبيبة أهلاً بلعزيزةبلهجتك المغربية المحببة، كم أفتقدك الآن يلعزيزويلحبيب، كم تشتاق الأماكن إليك وترنو، علّها تلقاك فلا تظل هائمة تحترق حنيناً واشتياقاً، يقتلني شوقي إليك ويحرق روحي يذرها رماداً لا تنهض منه عنقاء أبداً ….
أتذكرُ عندما فاجأتني بساعة اليد؟؟!!!! عندما تعمدّتُ ذات يوم العودة من المدرسة بساعة زميلتي في الصف، وادّعيتُ أنني نسيتها في معصمي في نهاية الأسبوع، كي تظل معي أطول وقت ممكن، كان يوم خميس عصراً عندما عدتَ من عملك، وكنتَ تتفقد الأشجار في حاكورة المنزل كعادتك فهي عشقك، ناديتني فأجبتكَ من الشباك ومددتَ يدك لي بساعة يد فضيّة اللون، من هول المفاجأة لم أستطع التفوه بأية كلمة، أما أنتَ فقد أضاء وجهك بابتسامة كبيرة، فركضتُ إليك مسرعة واحتضنتكَ بقوة وضحكتَ من كل قلبكَ.
لم أكن أعلم حينها أن هذه الساعة ستتوقف قبل منتصف الليل بقليل وستنطفئ الشمس معها والقمر، وأن العمر سيوقف هناك في اللحظة نفسها، عندما أخذ نفسُكَ يتباطأ شيئاً فشيئاً، فتأخذ شهيقاً أما الزفير فيلبث ثواني ثم يخرج، وفي كل مرّة تطول الثواني أكثر ويطول عذابي، إلى أن كان النفس الأخير وعجز الشهيق عن زفيره، هنّ ثلاثة أنفاس وكأنهن توأم آذار في العدد، آذار الذي خانني وطعنني في الخاصرة، وتركني في صحراء من جليد لن يذوب ….
لو أنك معي الآن …فلا سند بعدك ولا من يهدهد روحي التعبى ….. لو أنك معي لتنير عتم روحي ودربي العصيّ، لو أنك معي ……
من بعدك على الدنيا ومن فيها السلام …

30/ 3/ 2018

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى