سواليف
“أي دكتاتور لا يكون حريصا على أن يحبه شعبه، لكنه حريص على أن يخاف منه الشعب”.. هذه واحدة من الخلاصات التي خرجت بها رواية “القوقعة” لمصطفى خليفة عن سجن تدمر، أحد أشد السجون وحشية في العالم.
هي يوميات شاب ألقي القبض عليه لدى وصوله المطار عائدا إلى وطنه سوريا من فرنسا بعد الانتهاء من دراسة الإخراج السينمائي، ليمضي ما يزيد على 13 عاما في هذا السجن.
مدينة تدمر (وسط) التي اقترن اسمها بالملكة زنوبيا، عادت لتقترن بعهد حافظ الأسد من خلال سجنها، خصوصا بعد مجزرة حماة 1982 التي قتل فيها الآلاف وسيق من بقي حيا إلى سجن تدمر.
إلى القوقعة
قبل ثلاث سنوات من عودته من فرنسا، لم يكن خليفة يعلم أن تقريرا سبقه إلى دمشق، وما إن وصل المطار حتى تلقفته المخابرات ومن بعدها إلى القوقعة.
يقول الكاتب لحلقة (2016/11/27) من برنامج “خارج النص” إنها كانت رحلة في الزمان لثلاثة عشر عاما بعد غياب رحلة المكان، بسبب تقرير ذكر أنه تعرض بعبارات جارحة للرئيس السوري، وهذا يعادل الخيانة الوطنية إن لم تكن أقسى.
كتب خليفة رواية “القوقعة” بعد خروجه من السجن، ويقول إن السجين في القوقعة الصلدة لن يتمكن بسهولة من الكتابة، ولهذا انتظر بعد خروجه وترك مسافة بينه وبين التجربة، ثم كتبها لتكون شهادة وصيحة حرية.
يوميات متلصص
تحت عنوان “القوقعة” ثمة عنوان فرعي “يوميات متلصص”، وبينهما تطرق خليفة إلى يوميات السجناء والانتهاكات التي تعرضوا لها، وهو ما كان يحاول النظام طمسه دوما.
ضيوف الحلقة تحدثوا عن الرواية من عدة زوايا، فهذا الناقد الأدبي هاني إسماعيل يقول إنها تصنف ضمن أدب السجون وضمن الأدب السياسي كذلك، إلا أنها أميل إلى أدب السجون.
أما أستاذ علم النفس إبراهيم بوزيداني فأشار إلى أنها غاصت في المدى الذي بلغه الانتهاك حد منع السجين من الفضفضة البصرية ناهيك عن الكلامية. والبصرية مفادها منع نظر السجين إلى سجين آخر.
بدوره قال المعتقل السياسي السابق غسان النجار إن السجناء القادمين من تدمر إلى سجون مثل صيدنايا وعدرا، كانوا يدلون بشهادات أكثر قسوة مما ذكر في رواية خليفة.
منع وملاحقة
الرواية تجرأت دار نشر عربية على نشرها، ووجهت بالمنع في سوريا، ولوحق كاتبها حتى وهو خارج البلاد بأنه سيلقى القبض عليه وسيحوّل جلده إلى “دربكّة”.
يعرض الكتاب ما يشيب له الصبي، والمؤكد ما يقض مضاجع السلطات. ومن ذلك: كيف طلب القاضي من أب سجين له ثلاثة أبناء سجناء أن يختار واحدا من أبنائه ليعفى من الإعدام، لكن القاضي أخلف وعده وأعدم الثلاثة في يوم واحد.
تفاصيل كثيرة في سجن تدمر، لكن الكاتب يقول إنه ليس مؤرخا وإنما اختار من هذه التفاصيل. وفي هذا السياق يذكر يوسف هور -وهو شاعر وسجين سابق في تدمر- إن الكاتب أغفل ذكر الكوليرا التي اجتاحت السجن عام 1981.
من جانبه قال أستاذ الأدب الروائي في الجامعة اللبنانية ميخائيل مسعود إن الرواية تشتمل على مبالغات، مبديا كذلك اعتراضه على إيراد شتائم السجانين المقذعة.
لكن خليفة يرد بأنه أسقط الشتائم الطائفية حتى لا تثار النعرات في المجتمع، ثم خفف من وقع ما ورد من الشتائم، أما إلغاؤها تماما فسيجعل النص ناقصا.
الجنون أو الانتحار
أمام ذلك الواقع ذكر الكاتب أن “أكثرنا جمالا وحساسية هم من انتحروا إذ لم يستطيعوا التصالح مع هذا الواقع الخاطئ 100%، فكانوا ما بين الجنون أو الانتحار”.
أما السياسي السوري والسجين السابق ميشال كيلو فثمّن عاليا دور الرواية في أنها قاربت بين السجن والوطن والقوقعة، وضرورة كسرها في كل سجون البلاد وفي سوريا الوطن الذي تحول إلى سجن كبير.
يتساءل الكاتب في روايته “هل هذا الشعب هو من يتغنى به السياسيون ويؤلهونه؟ وما هذه اللامبالاة منه تجاه السجن الصحراوي؟ وكيف لا يعلم الشعب العظيم ما يجري في بلده؟”.
الجزيرة