قاسم سليماني في الميزان

قاسم سليماني في الميزان
محمد نغوي

في 3 نيسان 2015 ألقت أجهزة الأمن الأردنية القبض على المدعو خالد كاظم جاسم الربيعي، وهو عراقي يحمل الجنسية النرويجية بتهمة تخطيطه للقيام بعمل إرهابي باستخدام 45كغ من مادة الـ (RDX)شديدة الانفجار كانت مخبأة في منطقة ثغرة عصفور في محافظة جرش شمال المملكة، وتبين بعد التحقيق معه أنه مجند من قبل المخابرات الإيرانية وأنه قد عمل في محطات التنصت التابعة للحرس الثوري الإيراني بهدف التنصت على الوحدات العسكرية الأردنية كونه يجيد اللغتين العربية والفارسية، ولم يعلن الأردن عن تلك العملية إلا بعد ثلاثة أشهر من إحباطها، أما وزارة الخارجية الإيرانية فقد تجنبت هي الأخرى التحدث كطرف متهم، وأصدرت تصريحاً نقلته وكالة أنباء فارس الرسمية ينفي جملة وتفصيلاً ما وصفته بأنه خبر في “صحيفة أردنية” بخصوص القضية.
في شهر اذار 2016 صرح قاسم سليماني قائلاً (إن إيران أضافت الأردن إلى قائمة الدول التي تتحكم فيها، وإن الأردن تتوفر فيه إمكانية اندلاع ثورة إسلامية تستطيع إيران أن تتحكم فيها) وتبع ذلك التصريح بتاريخ 6 حزيران من نفس العام الهجوم عل مكتب المخابرات الاردنية في البقعة الذي أوقع خمسة شهداء من أبنائنا،
في حزيران 2017 وصل الحرس الثوري الايراني إلى الحدود الاردنية-السورية من جهة الشمال والحدود الأردنية-العراقية من جهة الشرق وأصبحت القوات المسلحة الأردنية “الجيش العربي” وجهاً لوجه معه ومع ميليشيا الحشد الشعبي، وقد وقف قاسم سليماني على الحدود الأردنية-السورية وقام بالاشارة لمرافقيه باصبعه إلى مواقع نقاط المراقبة التابعة لقوات حرس الحدود الأردنية، وكأنه يقول لهم بأن هذا هو هدفنا التالي، وقد تبع ذلك زيادة كبيرة في محاولات تهريب السلاح والمخدرات الى الداخل الاردني عن طريق الحدود السورية مما اثار الشك لدى الاجهزة الامنية حول الجهة التي تسعى الى زعزعة استقرار الأردن، وعلى اثرها استدعى الاردن سفيره لدى ايران للتشاور.
إن الأردن الحبيب الذي يتبع سياسة الاعتدال والوسطية والتسامح، لم يكن بمنأى عن أطماع وتطلعات قاسم سليماني والنظام الايراني الذي يتبع له، وأنه لمن دواعي الاستغراب والاستهجان أن تجد أن بعض العرب يأسفون لمقتل قاسم سليماني الذي تلطخت يداه بدماء أبناء الامة العربية منذ 40 عاماً وما زالت حتى مقتله، فقد حارب في صفوف جيش الخميني لتصدير الثورة الايرانية ضد العراق الشقيق في الثمانينات من القرن الماضي، تلك الثورة التي لم تكن لتقف لو انتصرت ايران حينها عند حدود العراق، بل كان دمارها وخرابها سيشمل على كل دول المشرق العربي دون استثناء، واستطاع العراق العظيم بقيادة الشهيد صدام حسين وبدعم ومؤازرة الشرفاء من أبناء الأمة العربية وفي مقدمتهم أبناء الأردن العظيم بقيادة الملك الحسين رحمه الله، من حماية “البوابة الشرقية للوطن العربي” والتصدي لذلك الغزو الايراني وقهره وهزيمته واجباره على وقف اطلاق النار سنة 1988.
إن إيران التي جربت الحرب المباشرة خلال الثمانينات وبلغت خسائرها البشرية مئات الآلاف واقتصادها تدمر بشكل كبير، بقيت مصرة على شعار تصدير الثورة، ولكن هذه المرة غيرت استراتيجتها ولجأت إلى اسلوب آخر لا يسبب لها خسارة بشرية أو اقتصادية، حيث اعتمدت استراتيجتها الجديدة على خوض الحروب بدماء عربية لا ايرانية وباستنزاف ثروات عربية لا ايرانية، فاستغلت الاقليات الشيعية في الدول العربية لتحقيق هذه الغاية، فأصبح أبناء الوطن الواحد يتقاتلون فيما بينهم لكي تنتصر ايران وتحكم اوطانهم، فالميليشيات الشيعية المؤتمرة بأوامر إيران في العراق تشن منذ سنوات حرباً ضد أبناء وطنهم من السنة والاكراد، وقادة تلك الميليشيات الذين جعلوا من أنفسهم عملاء لايران يحولون المليارات من ثروات وطنهم النفطية إلى الخزينة الايرانية، كل هذا لا لإنشاء وطن عراقي مستقل وذا سيادة وكرامة، بل لكي يقيموا دولة مسلوبة الارادة تأتمر بأوامر الولي الفقيه الايراني، والحوثي اليمني يشن حرباً أهلية ضد أبناء وطنه لا لكي ينشأ يمناً موحداً مستقلاً ، بل لكي يقدم يمناً تابعاً مرنبطاً بذيول الايرانيين.
وبالعودة إلى العملية العسكرية الامريكية التي تسببت في مقتل سليماني، فإنها على الرغم من أنها لم تأتي نصرة لدماء مئات آلاف الشهداء الأبرياء من أبناء الأمة العربية التي قتلوا على يد سليماني، بل جاءت رداً على نشاطات سليماني التي تسبب في مقتل متعهد أمريكي، إلا أن مقتل سليماني هو في مصلحة العرب جميعهم، وإيران التي تهدد وتتوعد أصبحت كل أوراق ردها مشكوفة ولن تستطيع أن تأتي بمفاجأة، وهي في الواقع كمن بلع السيف حتى منتصفه، فلا هي قادرة على بلعه للكامل ولا هي قادرة على اخراجه، ومهما كان الرد الايراني المتوقع فإنه لن يرد للنظام الايراني مياه وجهه التي أهرقت، لا بل أن هذه العملية أثبتت أن إيران وأذرعها الارهابية في المنطقة ليسوا كما كان يشاع عن قدرتهم على احداث “زلزال” أو “بركان” مدمر كما كانت وسائل الاعلام الموالية لها تردد في حال تعرض ايران للهجوم.
وفي الختام ندعوا الله عز وجل أن يستفيق بعض أبناء أمتنا الذين خدرهم الافيون الايراني الطائفي، وأن يزنوا بميزان الحق والعدالة ما ارتكبه سليماني بحق أوطانهم، وأن يسعوا إلى لفظ الوجود الايراني وعملائه في بلدانهم ليعيدوا بناء وحدتهم الوطنية بكافة مكوناتها، وبخلاف ذلك، فسيبقون إلى أبد الدهر ساحة مستباحة لايران وطموحاتها وسيظلون ينزفون من دمائهم وثرواتهم، ولن يكون لابنائهم مستقبل ولا لحاضرهم كرامة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى