#في_الصميم
د. هاشم غرايبه
درجنا في مناهجنا التعليمية الابتدائية القديمة على تعريف أن مقومات تشكل الأمة هي التماثل في القومية والتاريخ والجغرافيا والثقافة واللغة والدين، ثم تدخل المتدخلون ذاتهم دائما، وأزالوا شرط الدين.
لا أحد يجادل أن ميلاد أمتنا المجيدة مرتبط بنجاح الدعوة الإسلامية في جمع العرب تحت لوائها، قبلها لم تكن شيئا مذكورا، بل مجرد قبائل متنازعة، لم تنفع اللغة ولا الجغرافيا ولا باقي العوامل الأخرى في توحيدها في أية مرحلة تاريخية.
لذلك اتُّفِق على مقولة أن هذه الأمة جسدها العروبة وروحها الإسلام، وهذا الامتزاج كان تفاعلا كيميائيا أنتج هذه الأمة الجليلة، وهي عنصر جديد لم تعرفه البشرية قبلا، أصبح جاذبا لكل القوميات والأعراق والأجناس الأخرى، لتنصهر فيها وتصبح جزءا منها وليس عنصرا مضافا، بدليل أن كل الأقوام غير العربية لم يعد أي منها الى انتمائه السابق قط، بل محافظا على هذا الانتماء الإسلامي السائد على أي انتماء آخر.
إذاً فالانصهار هو أهم عنصر لتكوّن الأمم، وأهم كثيرا من التوافق في اللغة أو القومية أو الجغرافيا أو المصالح.
فالولايات المتحدة ستبقى خليطا من الأمم، ولن تنخرط في أمة واحدة، رغم تقارب شعوبها في المفاهيم والثقافة والمصالح والجغرافيا.
وكذلك الأمر مع شعوب إنجلترا واسكوتلاندا وإيرلاندا، فهي لا تعتبر أنفسها منتمية الى أمة واحدة، بل كل منها ينتمي الى أمة منفصلة، رغم أن جذورها القومية والجغرافية واللغوية واحدة، وأما وحدتها فهي سياسية مصلحية تحت عنوان المملكة المتحدة.
إذاً فأمتنا العربية الإسلامية واحدة، وهي جزء لا يتجزأ من الأمة الأعظم وهي الإسلامية الأممية التي انصهرت فيها كافة القوميات والأعراق.
هذا التقديم ليس لإقناع المتعصبين تاريخيا ضد الإسلام، ولا المستأجرين من قبل أعداء الأمة، ويعملون على إحداث شرخ عمودي، في الأساس التي انبنت عليه الأمة، فهؤلاء أغلقت غاياتهم عقولهم، وألغت ولاءهم للأمة أصلا.
إنما هو للرد على من يحاولون العودة بالعرب الى ما قبل الاسلام، إما عن جهل وقلة دين، أو بسبب انتمائهم الى مناهج فكرية زائغة، يعتقدون أنها ستنجح أكثر من الإسلام بإخراج الأمة من مأزقها الراهن.
ندخل الآن في صلب الموضوع، وهو أن مشكلة أمتنا العربية الإسلامية، تتمثل في أن قوى الشر والبغي المتفوقة عليها عسكريا، تكالبت عليها فمزقتها لإضعافها، وفرضت عليها التخلي عن الإسلام لأنه هو فقط من سيوحدها.
ولأنها قائدة العالم الإسلامي فقد فرضت هذه القوى عليها الفقر والتأخر، حتى تفقد قياديتها، ولا يعود للإسلام دولة كالتي سادت العالم قرونا.
هذه الحقيقة لا شك ليست غائبة عن فهم متبعي المناهج البديلة للإسلام، إلا أنهم عمليا ساهموا طوال المائة عام الماضية من حيث لا يعلمون في تحقيق مرامي وأهداف قوى الشر والبغي العالمية.
وألخص تاليا ما حققه هؤلاء من إعاقة لمشروع الأمة الوحدوي – النهضوي، وهم يعتقدون أنهم يحسنون صنعا:
1 – الطبقة السياسية الحاكمة، تلقفوا تقسيمة (سايكس – بيكو) بلهفة فثبتوها كواقع، رغم أنهم يعلمون أنها لشرذمة الأمة ومنع توحدها لإضعافها، وتحمسوا لمحاربة الإسلام أكثر مما طالبهم به الغرب، وذلك لأن هذه التقسيمة حققت أطماعهم بتولي الحكم، والوحدة تعني تضحيتهم بكراسيهم، فاستعادوا خطيئة أمراء الطوائف في الأندلس مرة أخرى.
2 – فئة ضئيلة يتبعون مناهج بديلة قومية أو ماركسية، ورغم أنهم يعلمون فساد الطبقة الحاكمة وفشلها، إلا أنهم فعليا أهم الداعمين لها بسبب ممانعتها للإسلام، لأن ذلك إضعاف لمنافسيهم الإخوان المسلمين، وخوفا من تؤدي المطالبة بتطبيق منهج الله الى زيادة فرصهم في الفوز بالسلطة..لذلك يدعمون كل مسعى لمحاربة الدعاة لتطبيق منهج الله (الإسلام السياسي)، ويؤيدون البطش بهم ولو كان ذلك على يد الطغاة المستبدين، أو الدول المعادية تاريخيا للأمة، كالحملة الصليبية المسماة الحرب على الإرهاب.
خارج هؤلاء وهؤلاء، تبقى الأمة منقسمة بين غالبية ممن وجدوا أنهم مسلمون بالوراثة، هم مقتنعون به كعقيدة صحيحة يجب أن تتبع، لكنهم غير مستعدين لتقديم تضحيات يتطلبها النضال لإلزام الأنظمة الحاكمة بتطبيقه سياسيا.
وأقلية محاصرة تتمسك بضرورة تطبيق منهج الله، وصابرة على أمرها، واثقة بأن الله ناصر من ينصره، وما قدّر هذه الظروف الصعبة إلا للتمحيص.
فسنته الجارية في هذه الأمة دائما: الابتلاء فالتمحيص.. وبعدها التمكين.