في مهنية #التعليم .. #الإشراف و #التدريب و #المساندة أعمال يجب أن تختفي
د. ذوقان عبيدات
هناك جدل حول مهنية التعليم، فهناك من يرى أنه مهنة كسائر المهن مثل المحاماة والطب والهندسة، وهناك من يرى أنه عمل وظيفي كالجمارك والبريد ودائرة الأراضي، والفيصل في ذلك هو أن المهني هو من يختار مهنته، ويتأمل فيها، ويتقنها قبل ممارسة العمل، فهل المعلم كذلك؟
أعتقد أن من يرون التعليم مهنة يمارسون تفكيرا رغائبيا لا علميا ولا واقعيا ، فالمعلم ما زال لا يمتلك أي شروط للمهنة وهي:
- استناده إلى إطار علمي يوجه ممارساته، وهذا ما لم تقدمه علوم التربية بشكل واضح، فالتعليم ما زال ممارسات متباينة وفق فلسفة المعلم نفسه.
- استناده إلى ميثاق أخلاقي ينظم أداء المعلمين، وهذا ما لم يوجد بعد، فما زالت الأخلاق الفردية للمعلمين تتحكم بأدائهم.
- استناده إلى تأهيل تام قبل ممارسة العمل، وهذا ما زال بعيدا جدا، فالمعلمون يتعلمون في المدرسة من خلال ممارساتهم وأخطائهم، أو من خلال ما يتلقونه من تدريب أو إشراف أو مساندة.
- استناده إلى مفهوم الاختصاص، وهذا ليس متوفرا، فالعامل المختص كالطبيب والمهندس والمحامي، يعمل بمساعدة عدد من الفنيين والمهرة وشبه المهرة من تمريض وأشعة ومختبرات، بينما المعلم ليس له أي فني يساعده.
وهناك مبادئ أخرى تحدثت عنها كثيرا، كالرتب والألقاب، وفقدان أي لقب تربوي بعد التقاعد! فمدير المدرسة المتقاعد لا يحمل لقب مدير، والمشرف التربوي المتقاعد لا يحمل لقب مشرف، ولا المعلم عاد معلما.
لكل ما سبق، نشأت الحاجة إلى وجود مؤسستين داعمتين للمعلم هما: الإشراف والتدريب. وسأتحدث هنا عن هاتين المؤسستين.
1 – الإشراف التربوي
يقولون للمعلم، إن الإشراف يهدف إلى تحسين التعليم من خلال تحسين أداء المعلم وتنظيم العوامل المؤثرة الأخرى من: تدريس وتخطيط وإدارة صفية وتنظيم الواجبات والعقوبات والمكافآت والتغذية الراجعة والامتحانات وأمور غيرها.
طبعا هذا يعني ما يأتي:
- إن المعلم لم يعدّ مسبقا لممارسة هذه الأمور، ولذلك توجبت متابعته، وتوعيته، والعمل معه، وزيارته… الخ
فالمعلم ما زال تحت الوصاية، وهذه حقيقة، فليس هناك برامج لإعداد المعلمين قبل الخدمة!! وقد كان لدينا مؤسسة: تدريب المعلمين وليس إعداد المعلمين. بل إننا تحمسنا في بداية الثمانينيات أو نهاية السبعينيات بالقضاء على معاهد إعداد المعلمين.
وبذلك زودنا المدارس بآلاف المعلمين غير المعدين، أو المعدين بشكل ضعيف جدا. - إن المعلم لا يستطيع وحده أن يتعلم من خلال قراءاته وتجاربه وخبراته وتفاعلاته مع طلبته وزملائه وأولياء أمور الطلبة، وبذلك ما زال محتاجا للإشراف عليه ، فالمعلم ما زال تحت الوصاية، وعلينا حمايته وإخضاعه للتوجيه المستمر ، لذلك لا بد من زيارة المعلم، والدخول معه إلى الصف، ومشاهدته وهو يعمل، ليتمكن المشرف من مساعدته وتحسين أدائه، وهنا أيضا نقول إن المعلم ما زال غير مستقل وغير قادر على النمو والتطور.
- المعلم – وهذه حقيقة – هو العامل الوحيد الذي يعمل تحت الإشراف الفني، فلا وجود لأي عامل في الدنيا يخضع لهيئة إشرافية مباشرة ، تشرف عليه وتتدخل في شؤونه، وتقول له :
اعمل …….
لا تعمل ……….
إن موظف البريد يعمل مستقلا، والشرطي ينطلق إلى عمله مستقلا ، والطبيب يعمل في عيادته مستقلا، ولا يخضع أي عامل إلى توجيه مباشر على طريقة : اعمل ، ولا تعمل .. - وكل مهني، يعمل ذاتيا، فالطبيب يقرر الوقت والعلاج وأسلوب الفحص، وأوقات الجراحة …الخ دون أن يخضع لأي تدخل ! وكذلك المهندس والقاضي وسائر عباد الله من موظفين. أما المعلم : فهناك من يقرر له ماذا يدرس؟ وكم يدرس؟ وكم طالبا؟ ومتى يمتحن؟ وكيف يمتحن؟ ومن ينجح ومن يفشل؟ دون أن يكون للمعلم أدنى تأثير على أي جزئية من عمله. فالمعلم روبوت مبرمج يتحرك بريموت عن بعد، والريموت ليس بيده .
- والمياه الإقليمية للمعلم منتهكة، فلا حماية له إطلاقا، ولا خصوصية لعمله ، فالطبيب يغلق باب غرفة الفحص، ولا يستطيع أحد أن يدخل إلى غرفة فحص المرضى، لأن الطبيب مستقل وحر، ولديه أسرار مهنية لا يمكن لأحد أن يطلع عليها، وكذلك المحامي والمهندس، لكل خصوصيته.
أما المعلم، فبابه مشرع، يستطيع أي مدير، مشرف، ولي أمر طالب زائر، حتى حارس المدرسة أن يدخل إلى الصف، ويقطع عمل المعلم، بل يناقش المعلم، أو قد ينتقد المعلم، وربما يمكنه شتم المعلم إذا أراد. فأي مهنة هذه؟ - والمعلم، وهذا ما يجعله متفردا عن سائر العاملين يخضع لتوجيهات وأوامر وعليه أن ينفذها حتى لو لم يمتلك مهارات تنفيذها!! مثلا:
يقول المشرفون:
- عليك بمراعاة الفروق الفردية.
- عليك باستخدام وسائل تعليمية.
- عليك بإثارة تفاعل الطلبة.
- عليك بإشراك الطلبة في النقاشات …… الخ
- دون أن يكون لدى المعلمين أي إمكانات مادية أو فنية أو مهارية لتنفيذ هذه الطلبات!
- لنتخيل بيت الشعر :
ألقاه في اليم مكتوفا وقال له
إياك إياك أن تبتل بالماء !!
هذه حقائق المعلمين كما يعيشونها، وهذه حقائق الإشراف .
وقد طور التربويون شكل الإشراف واسمه ومظهره وقالوا عنه إنه مساندة وليس إشرافا. وعلى الرغم من اختلاف المسميات :
مفتش، موجه، مشرف، مساند، مرشد مهني، فلم يلحظ المعلمون تغيرات أساسية أسهمت في تحسين أدائهم أو سمعتهم أو مكانتهم.
مارس الموجه دور المفتش ، ومارس المشرف دوريهما، ومارس المساند كل الأدوار بنفس الأدوات ونفس النوايا، والتغيرات الناتجة بسيطة.
وباختصار، لا يخضع مهني إلى إشراف يقرر له ما يفعل أو يراقبه فيما يفعل ، أو يصحح له ما يفعل، أو ما يدعي وصلا بليلى !!
والمعلم وحده : من يخضع لإشراف مباشر يتدخل في كل شؤونه !! ولو كان التعليم مهنة لاختفى الإشراف والمساندة والتوجيه .
2 – التدريب
إن ما قلناه عن الإشراف ينطبق على التدريب ، فالمهني يُعدّ ولا يتدرب، والمتدربون هم : - عمال غير مهرة ندربهم على مهارات بسيطة
- عمال شبه ماهرين ندربهم على إتقان مهارات متوسطة وبسيطة.
- موظفون، ندربهم لإتقان معاملات ذات صلة بعملهم.
أما المهنيون، فلا تدريب لهم، لأنهم معدّون أصلا قبل ممارسة العمل، وما يحتاجونه ليس تدريبا لإتقان العمل، فهم أتقنوا كل متطلبات العمل!!
المهني ينمو مهنيا من خلال : - اختياره لمجلات علمية .
- اشتراكه في جمعيات مهنية.
- مشاركته في مؤتمرات علمية .
- رغبته في ممارسة مهارة جديدة لم يعد لها .
فالنمو المهني خيار للمهني، لا يلزمه به أحد !!
أما المعلم :
فالمشرف يختار له برامج تدريبية، وهذه البرامج تتعلق بأولويات وبديهيات مثل : - التعامل مع الطلبة.
- تخطيط الدروس.
- تقديم الدروس.
- إعداد الدروس.
- إعداد الامتحانات.
- إدارة الصف ….. الخ
وكلها مهارات إعداد وليس تدريبا، ولذلك فإن ما يتلقاه من تدريب هو تغطية لقصورنا وضعفنا، نحن الذين حرمناه من التأهيل والإعداد المسبق.
ولذلك أتمنى زوال “مهنة” مشرف تربوي أو “مدرب تربوي” أو مساند! فالجدار المايل هو من يحتاج إسنادا.
ملاحظة: هل سمعتم بمؤسسة اسمها: مؤسسة تدريب الأطباء؟ أو مؤسسة تدريب المهندسين؟ إذا لماذا تكثر مؤسسات تدريب المعلمين؟