في ذكرى تعريب قيادات الجيش الأردني
موسى العدوان
الأول من آذار من كل عام، هو يوم عز وفخار لكل أردني، وهو يوم فارق في تاريخ الأردن الحديث. ففي مثل هذا اليوم عام 1956 أطلق الحسين طيب الله ثراه، قرارا وطنيا إستراتيجيا تردد صداه في مختلف دول العالم، وذلك بتحرير قيادة الجيش الأردني وتشكيلاته وكتائبه من القادة البريطانيين والسيطرة الأجنبية.
لقد أعفى جلالة الحسين في ذلك اليوم، رئيس أركان الجيش الأردني الذي يحمل الجنسية البريطانية، الفريق جون باجت كلوب، وأتبعه بالقادة البريطانيين في مختلف المناصب القيادية في الجيش. والفريق كلوب إضافة لكونه قائدا للجيش الأردني، كان يمثل قاعدة ومستشارا للمستعمر البريطاني في الأردن وفي المنطقة بشكل عام. وقد خاض مع ضباطه العاملين في الوحدات العسكرية حرب عام 1948، ولكنه كان حريصا على أن لا تتجاوز القوات الأردنية في عملياتها، حدود التقسيم التي أقرتها الأمم المتحدة. وهذا ما كان يشكل اصطدامات مستمرة مع الضباط والجنود الأردنيين.
لقد كان كلوب وضباطه كابوسا يجثم على صدر الأردنيين، منذ عشرينات القرن الماضي وحتى أواسط الخمسينات، حين أنهى خدماته جلالة الملك حسين وأزال ذلك الكابوس البغيض عن شعبه. وبهذا القرار العظيم آلت قيادة الجيش إلى ضابط أردني هو العميد راضي عناب، كما آلت قيادة الكتائب إلى ضباط أردنيين أمثال حابس المجالي وعبد الله التل وعلي الحياري وغيرهم، رحمهم الله جميعا.
ثم قام الملك حسين بتوسيع هذا الجيش من مختلف الصنوف، فشكل القوات البرية حيث وصلت لما يعادل خمسة فرق، يسندها سلاح الجو، وبعض القطع البحرية في العقبة. واستمر بتطويرها تسليحا وتزويدا وتدريبا ضمن الإمكانات المتاحة، حتى أصبحت مصدر اعتزاز وطني لكل أردني. لقد خاضت القوات المسلحة الأردنية الحروب مع بعض الجيوش العربية، وقدمت الكثير من الشهداء على أرض فلسطين وغيرها من الأراضي العربية، بغض النظر عن النتائج المؤسفة التي أصابت جميع الجيوش العربية، التي تفوقها حجما وتسليحا.
ولكن بعد أن طردنا القادة والخبراء البريطانيين، واستبدلناهم بقادة وخبراء من الضباط الأردنيين خريجي أرقى المعاهد الأجنبية، فوجئنا بعد ما يزيد على ستة عقود، أننا نعود للاستعانة بضابط بريطاني اسمه ( ماكنتوش ) كي يعيد هيكلة قواتنا المسلحة، متناسين المثل المتداول : ” أهل مكة أدرى بشعابها “.
وهنا لابدّ لي من التذكير بأننا قد أجرينا في أواخر سبعينات القرن الماضي، إعادة هيكلة القوات المسلحة ، حيث جرى دمج وتخفيض تشكيلاتها بعد دراسة وافية استمرت لبضعة أشهر، من خمسة فرق ميدانية إلى أربعة فرق، وجرى تنقلها في مختلف مواقع المملكة خلال أسبوع بكل كفاءة، ودون الاستعانة بأي خبير أجنبي.
على كل حال لا نقول في هذا اليوم، إلاّ رحم الله الملك حسين باني نهضة الأردن الحديث، خلال النصف الثاني من القرن الماضي، وحمى الله الوطن وأهله، وأدام قواته المسلحة رمزا لكرامته وعزته، ورحم الله جميع شهداء الوطن.
التاريخ : 1 / 3 / 2020