في ذكرى اغتيال ناهض حتر / ليث الشبيلات

في ذكرى اغتيال ناهض حتر

يفترض بعد أن طاشت العقول قبل سنة وركب التعصب العاطفي للرأي أعلى مراتبه بحيث ما كان أي كلام عاقل يستمع له إلا بجوقة جنون أن تكون العقول قد عادت إلى عُقُلِها الآن وأصبحت في حالة تسمح لها أن تستمع القول فتتبع أحسنه وتهمل ما لا تراه حسنا دون تشاتم ولاتباغض ، يفترض بي أن أكتب شهادتي في صديقي ناهض حتر تلك الشخصية الأردنية المتميزة ذات الحضور العميق والجدلية بكل ما تعنيه كلمة جدلية من معنى . من حق ناهض الذي اغتيل في أجواء من الكراهية الفوضوية التي سببها الاستقطاب اللامحدود بشأن المصيبة التي حلت بسورية ، ذلك الاستقطاب الذي كان هو السبب الحقيقي للاغتيال وليست الإساءة إلى الذات العلية. فالتجديف يحتاج إلى إصرار المجدف لكي يثبت عليه بينما أكد ناهض أنه لم يقصد من الكاريكاتير (والذي هو ليس من رسمه أصلاً ) توجيه الإهانة إلى الذات الإلهية ، وهو أمر لو عقد له مجلس شرعي في دولة تحكم بالشرع الشريف لأبعده من فعل يستوجب الحد إلى فعل يدخل في دائرة عقوبة التعزير إن رأى القاضي وليس أي شخص ذلك. هذا من زاوية القانون الشرعي أما في القانون الوضعي فإن الإساءة إلى الذات الإلهية تعتبر جنحة اقل بكثير للأسف من إطالة اللسان على الذات الملكية وهو موضوع آخر . وإني أخاطب كل من ما زال يعتقد أن اغتيال ناهض عمل فيه مرضاة الله مبيناً أن العكس هو الصحيح . ففضلاً عن أن مصادرة حق السلطان في التقصي والمحاكمة وتنفيذ العقوبة جريمة بحد ذاتها فإن من الواضح أن المستهدف بالعقوبة الذي لا يصر على ما نسب إليه من قصد الإهانة قد عصم دمه من الحد بكل تأكيد ونقل الأمر إلى جنح التعزير بحسب ما يقضيه القاضي.
وقبل أن أسترسل في الحديث عن صديقي اللدود أو خصمي العزيز ناهض ولكي تقطع جهيزة قول كل خطيب أعرف القارئ على مواقف حقيقية له دفاعا عن أعظم رموزالإسلام الدينية : رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم. ومن أهمها موقفه مما صدر في الغرب من فيلم مسيئ لذاته الشريفة صلى الله عليه وسلم وذلك لكي يعطي العقلاء المنصفون ناهضاً حقه دون غمطه في هذا الشأن ويطبقوا أمرالله لنا بقوله:
( ولا يجرمنكم شننآن قوم على ألا تعدلوا إعدلوا هو أقرب للتقوى):

كتب ناهض حتر في مقالة له بتلك المناسبة:
(كان محمد بن عبدالله نبيا بالمعنى الديني. وكان نبيا بالمعنى القومي، فبدعوته تأسست الأمة العربية. وكان نبيا في ثورة، مناضلا، وكان “خاتم النبيين”، فلا ادعاء بعده لولي أو شيخ أو حزب، او ادعاء احتكار تمثيل الإسلام بعد قفل باب النبوة وبدء عصر الأمة في التاريخ الاجتماعي.
بذلك،فإن الرسول العربي (ص) رمز مربع الأركان: رمز ديني للمسلمين، ورمز قومي للعرب، ورمز ثوري للمناضلين من أجل التغيير، ورمز مدني للقائلين بالدولة المدنية. وإذا كانت التجربة المحمدية والعربية الإسلامية كتابا مفتوحا، وينبغي أن يظل مفتوحا للقراءات الحرة، من المسلمين وغير المسلمين، فليس في باب الحرية، بل في باب العدوان، تقع الإساءة لدرة التاج في رموز الأمة.
ولدتُ في عائلة عربية مسيحية، وأنا ماركسي في الفكر، وقومي وعلماني في السياسة. وبسبب كل ذلك ـ لا برغمه ـ تجرحني الإساءة للرسول، وأشعر بالتحدي إزاء تلك العصابات العنصرية الإمبريالية المعادية للإسلام والعروبة والعالم الثالث وحركات التحرر الوطني.
ليس قسا أمريكيا صهيونيا أو مجرد جمع متطرف مَن يرتكب ذلك العدوان على رمز أمتنا، بل هو تيار عريض في الغرب عامة، وفي الولايات المتحدة خاصة، يعبّر عن انحطاط الإمبريالية الأمريكية الروحي والثقافي والفكري، ذلك الانحطاط الذي تولدُ، على عفنه، آلاف الجماعات التي لا يتحقق إيمانها إلا بالعدوان على الآخر، وهو ما يقتضي تصويره على مثال يختصر كل الشرور، أي شيطنته. وفي المقلب الآخر، تغذي الإمبريالية الأمريكية نفسها المشيطنين من الجماعات التكفيرية والإرهابية التي لا يتحقق إيمانها إلا بذبح الآخر الديني أو الطائفي أو المذهبي. وهكذا، تكتمل الحلقة؛ مشهد شيطاني للإسلام والعرب ينتجه العنصريون في الولايات المتحدة ويمثّله كومبارس الجهاديين في الشرق العربي! وبين المشهد وتحقيقه على الخشبة ….يُساء لرمز أمتنا ويسيل دم الأبرياء وتتحطم دولة عربية أخرى.) ويختم ناهض بعد ذلك
(بدعوة الرفاق اليساريين والقوميين إلى فعاليات خاصة بهم للانتصار لكرامة رمزنا القومي؛ نحن ورثة الرسالة وورثة النضال وورثة تراث العروبة ونحن أحق الناس بالدفاع عن الرسول العربي.
إذا كانت حكومتنا أعجز من أن تقاطع اليوتيوب (المسيئ للنبي ) كروسيا، فلنقاطعه نحن، ولنبدأ حملة واسعة منظمة لمقاطعة السفارة الأمريكية ونشاطاتها ومقاطعة السلع والمنتجات الثقافية الأمريكية، وإعداد سلسلة من المقالات، بالعربية والانكليزية، ونشرها في يوم واحد، وغير ذلك من النشاطات التي يمكن أن تقوم بها “الحملة القومية اليسارية للدفاع عن الرسول العربي.
التوقيع ناهض_حتر ) انتهى الاقتباس

ثم من منكم يعرف ( أويخفي معرفته) بأن ناهضاً حضر عزاء أبو مصعب الزرقاوي ليعزي بني حسن رغم أن الصحفي الذي ذهب معه قال له أنا أذهب كواجب صحفي فأجابه ناهض أما أنا فرغم استنكاري لجريمة تفجيرات الفنادق إلا أني ذاهب لأعزي بأردني قاتل عدونا الأمريكي المشترك الغازي للعراق واغتاله عدونا الامريكي من أجل ذلك أذهب. وهذه الحادثة موثقة فلا يخطر ببال أحد أن ينكرها.
وأما انحياز ناهض الكبير إلى حماس قبل أن تفرق احداث سورية بين الناس فهو أمر لا يمكن أن يغفله أحد.

مقالات ذات صلة

لم يكن الكاريكاتير هو “الرمانة ” كما يقول المثل بل كانت “القلوب ورمانة” والغضب على ناهض إنما سببه آالصراع الدائرفي سورية ،ولكن التجديف إنما استخدم حجة لتبرير الاغتيال.
علاقتي مع ناهض ترجع إلى عقود أربع ولا أتمالك نفسي من الابتسام كلما مر شريطها أمامي فقد كان ناهض فريداً في طبيعة علاقاته ينتقل المرء عنده من الإعجاب الكبيرمع مدح يناطح السحاب إلى النقد الشديد مع التقريع وهكذا دورة بعد أخرى . ربما في حالتي حدثت معي الدورة ثلاث أو أربع مرات . عندما كان ينافرني ويقاطعني لا أطيع فيه المغرضين الذين يحرضونني عليه فلم أكتب ولو مرة مجيباً إياه على نقده بل أصبر مبتسماً لأني كنت متأكدا بأنه نظيف القلب ثم يعود فيطرز في شأني ما كتبه المتنبي في سيف الدولة . بدأها معي بنفور كبير عن بعد لأنني إسلامي “رجعي” لا يعرف عني شيئاً ، ثم انتقل الأمر مع الأيام بعد أن أعجبته مواقفي إلى محبة كبيرة منحني إياها كانت إحدى قممها عندما ابتليت بتلفيق تهم انقلابية لي في قضية تنظيم النفير المزعوم التي حكم علي فيها بالإعدام تلاها عفو عام عفي فيه عني وعن كل الفاسدين الذين كنت أحاكمهم في لجنتي النيابية ومنهم من أصبحوا رؤساء وزارات بعد ذلك. أهم ما كان يعجبني فيه جرأته إذ ما كان يتردد ولو للحظة في أي موقف أدعو له يتساقط الناس فيه من حولي . بعد خروجي من ابتلاء النفير بشهرين قصف الأمريكيون بغداد فالتف الذين دعموني في النفير حولي يطالبونني بإصدار بيان يوقعون عليه فرفضت بشدة قأئلاً لا أقبل ببيان استنكاري كالعادة فقيل لي إذا فصعد فقلت : سيكون بياناً من فقرة واحدة ولكنها فقرة فاضحة فقالوا هات ! قلت الشعار هو : إرفعواالحصار الرسمي الأردني عن العراق وهو شعار غير متجني إنما هو جريء جداً لأن المعارضة (التي لم تتغير حتى اليوم) تختار المجاملة وتبتعد عن المصارحة. فكان ناهض من أوائل من نهض للمهمة وقد أيدنا كل من حضروا في ديواننا، فقامت الدنيا ولم تقعد وجمعنا أكثر من ألفي توقيع ( لم يوقع أي حزب على البيان وبقوا من 1993 وبقوا من 1993 إلى 2003 غير قادرين على رفع ذلك الشعار وهو حال مخز للأحزاب والنقابات الوطنية) واستنفرت الأجهزة ليلاً نهارا لإيقاف البيان فكانت الرياسة تتصل بالبعض والمخابرات بالبعض الآخر والديوان الملكي بالبعض الآخر لثنيهم عن التوقيع وأرسل لي الشريف زيد نائبه الصديق علي سحيمات الذي جاءنا والمكتب ممتليء بالنشطاء وجعل يناقشني قائلاً إنكم بهذا تتهمون الحكومة ! فأجبته طبعا لأن الشعار السابق واللاحق للأحزاب والنقابات والآخرين “ارفعواالحصار عن العراق” لا يزعج الحكومة.
عندما حضرت أجواء المعاهدة المشؤومة فكرت الحكومة بزيادة تقزيم مجلس النواب بقانون الصوت الواحد وكان هناك إجماع شعبي موالاة ومعارضة على أن القانون سيدمر التلاحم الاجتماعي الأردني ويهبط بالمجلس إلى ما دون مجلس قروي ولكن الملك تدخل وخطب معلنا حل مجلس النواب وأنه غير قانون الإنتخاب وهددنا بأنكم ستشاركون وكل من لا يشارك يغضبني فقلت هذا خطاب لا تحتمله ركب الإخوان وفعلا وبعد صمت أربعة أيام خرج علينا المراقب العام الأسبق محمد عبد الرحمن خليفة رحمه الله ببيان يقول : ” الحسين نادى ونحن نلبي” فأعلنت :بئست المعارضة هذه المعارضة التي لا تجروء على الصمود في وجه معاهدة الأستسلام. وفي اليوم التالي أصدرت بياناً بأنني اعتزلت العمل في المؤسسات السياسية وأكتفي بالعمل النقابي والثقافي ( نقابة المهندسين و جمعية مناهضة الصهيونية والعنصرية ) فكتب ناهض مقالا بلغته االنثرية الرائعة مناشدة بجانب صورة لي من ربع صفحة ( ماذا تفعل بحب الأردنيين لك يا ليث الشبيلات)
وفي الاعتراض على إرسال جنود أردنيين إلى العراق انفرد ناهض معي باستنكار معلن سبب لنا استدعاء من المحافظ. ومن أهم المواقف يوم غزو أمريكا للعراق وانحياز الموقف الرسمي الأردني للأمريكان، فقد فكرت بضرورة عمل رسالة حازمة للملك وبحثت عمن يقف معي فتوجهت إلى زميل لي في الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي فخاف وقال أنا لا أواجه الملك فخرجت غاضباً من عنده وفكرت في ناهض الذي كنت عنده في منخفض إحدى دورات التأييد والتخاصم فهكذا كان حاله معي وقلت لنفسي ما لك غير ناهض فاتصلت به في “العرب اليوم” وقلت له دع الخلاف جانباً وتعال نعمل على رسالة للملك نحشد لها كبار المسؤولين السابقين في الدولة ولا نعرضها على أي معارض فوافق وبدأنا الكتابة وبدأنا بأحمد عبيدات فوافق على أن يحرر الرسالة وثنينا بطاهر المصري ثم طلبت من علي سحيمات أن يحضر لي موافقة مضر بدران ففعل ثم ذهبنا إلى عبد الرؤوف فتردد ولكن عندما شاهد من وقع قبله وقع وحشدنا تواقيع أعلى قضاة سابقين على رأسهم الشهم نجيب الرشدان وعشرات الوزراء السابقين وأسميناها مذكرة ال99 وعرضناها على طاهر العدوان رئيس تحرير ” العرب اليوم” فكتمها حتى منتصف الليل ثم دفع بها إلى المطبعة فأصبح الصباح على حدث هز المملكة ودفع بالملك إلى استدعاء جميع رؤساء الوزارات إلى اجتماع سمع فيه من بعضهم ( مضر وأحمد ) كلاما شديد الصراحة فمما قاله مضر : نحن رؤساء وزارات عند أبيك ونحن حمينا هذا النظام ! شو هاذ ؟ لم يبق علينا إلا أن نخاطبك عن طريق عرائض؟؟؟ ( قال لي طاهر أن الملك همس في هزء الآن عرفنا من حمى النظام!! وقال لي طاهر الحمد لله أن مضر لم يسمعها) . ومن ظرائف ما حدث أن عبد الهادي المجالي قال لي أنهم عاتبوه في الديوان على توقيع عريضة مع ليث الشبيلات فأجابهم والله ظننت أنكم ستشكرونني فليث الشبيلات عنده برنامج من عشرين نقطة وأنا وقعت معه على نقطة واحدة فقط !! وحادثة أخرى عندما طلبنا توقيع سميح بينو فقال لنا “أنتو غلطانين” في العنوان ! أكيد أنك تريد أخي سعيد يا أبو فرحان ! فقلت له لا أريدك أنت فقال ليش؟ فسالته : كم شخص عذبت في المخابرات دفاعا عن النظام ؟ فسكت فأكملت : هل النظام اليوم في خطر بسبب موقفنا من غزو العراق ؟ فسكت ! فمددت له الورقة وقلت له وقع ! فوقع. وصف شيخ المجاهدين بهجت أبو غربية المذكرة بأنها أعظم عمل سياسي تم في الوطن العربي فيما يخص العدوان على العراق ولو لم تسقط بغداد لكانت نموذجاً يقلد في ساحات عربية أخرى.كان ناهض شريكي فيها.
وحتى في سورية كان موقف ناهض موقفا حراً وليس موقفاً ذيلياً لذلك فقد أعلن خلافه مع موقف إيران من سورية خصوصاُ في مشروع الدستور الذي تبنته إيران مما اضطره للتوقف عن الكتابة في جريدة الأخبار قبل مدة قصيرة من اغتياله.
ليس من حق ناهض فقط علي أن أكتب عنه وإنما من حق الأردنيين كافة علي أن أبين أموراً تساهم في إخراج المجتمع من غيوم الفتن التي تتراقص في أفقه وإن أعظم الجهاد عند الله كلمة حق عند سلطان جائر وهل أشد جوراً من رأي عام لا يريد أن يحتكم إلى العقل بل إلى الغرائز؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى