
عالمية رمضان الدينية وعولمية الممارسات الدنيوية؟
الاستاذ الدكتور حسين محادين
يمثل شهر رمضان المبارك منذ مايقارب خمسة عشر قرنا تقريبا تنظيما دينيا روحيا وسلوكيات عالمية بالنسبة للمسلمين باختلاف اعراقهم وأماكن تواجدهم على هذه الأرض…بدليل أن المسلمين وهم جزء من دول” الهامش” في هذا العالم وهذا هو التقسيم العولمي للعالم الجديد يصلون ويصومون ويفطرون فيه بنفس التوقيت شرقا وفي الغرب كمواطنين مسلمين فقط.
أما العولمة الراهنة كتعبير حداثي عن دول” المركز” القائدة للكون فقد افصحت الرأسمالية العالمية عن ذروتها الاستهلاكية وغير الدينية عموما منذ تسعنيات القرن الماضي في سيادة القطب الواحد و عبر اطلاقها للعولمات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والاستهلاكية والابرز في ما يبقى هو التكنولوجيا.. وتكمن المقاربة الراهنة بين رمضان كأحد الأشهر الحرم اي التي يحرم المحاربة فيها والعولمة الدنيوية فكرا وواقعا معيشا وممارسات في الآتي:-
1- شهر رمضان الديني المقدس الذي احترم كقيمه روحية تتصف بأنها فوق العادي أو اليومي للباحث عن الثواب والآخرة لدى المؤمنين فقط ،وبين السلوك العولمي الدنيوي/ التكنولوجي الاستهلاكي الذي يعيشه المواطن الكوني الاشمل منا كمسلمين ونحن أبناء دين من بين اديان ومعتقدات بشرية أخرى كثيرة على سطح هذه الارض ايضا فلماذا نعزو ضعفنا وخصوماتنا لتأنر الآخرين علينا فقط دون للتشخيص العلمي الدقيق لضعفنا وتخلفنا عن قيم ومتطلبات هذا العصر الرقمي المعولم.
2 – ثمة استهلاك مظهري آخذ في الصعود غالبا لدى كل من المسلمين وأبناء البشرية الآخرين معا خصوصا أن قطاع الشباب هو المستهدف في هذا السلوك الاستهلاكي المعولم ،ولعل المستفيد من هذا الاستهلاك المشترك لدى المتدينين وغيرهم هي الشركات المصنعة للأغذية والأدوية العابرة للحدود والجنسيات، لاسيما الشركات المشهورة في الوجبات السريعة كجزء من سيادة قيم الحداثة المعلومة مجسدة هنا في حجم ونوعيات العروض والاقبال الاستثنائيين لشركات مواد الأغذية والمطاعم المشهورة أثناء شهر رمضان كمثال الأمر الذي يآسر الإنسان المؤمن ونقيضه.
3 – علاقة المسلمين كجزء من هذا العالم مع التكنولوجيا التفاعلية المباشرة كمستهلك شره وقتا”مغلوب حضاريا” وتأثرت النماذج الغربية المعولم “غالب حضاري” عموما سواء عبر ادوات التواصل الاجتماعي أو عبر ثقافة الصورة” متابعة المواقيت والمسلسلات المختلفة..الخ” مقارنة بحجم توظيفنا التكنولوجيا لغايات التحاور بالتي هي أحسن كما يفترض وانا لنا ذلك ، ونحن نعيش في عالم “اسلامي/شرق اوسطي” تلتهمه الحروب والانقسامات وضعف قيم التكافل بيننا دولا وأفراد وهذه قيمة حداثية إضافة الى ظهور الحركات الإرهابية والمتطرفة الحديثة نسبيا منذ عقد ، أي أن لدينا عموما نموذجا ايدلوجيا معاصرا باسم الإسلام المختطف من خوارج العصر الملونين سواء من دواخلنا أو تحريض من آخرين للإساءة لسماحة الإسلام، فهذه الممارسات الدموية المدانة والتي انتشرت منذ سنوات قد ساهمت ضمنا في إيجاد ونشر ما يعرب بالرهاب الاجتماعي أو فوبيا الاسلام لدى آخرين نحو العرب المسلمين في هذا العالم المعولم وغير الديني اصلا، ما عمق اغترابنا وتخلفنا عربا مسلمين عن الشعوب والثقافات الانسانية المختلفة كمشترك يفترض أن يقوم عوضا عن النموذج السيء الذي سبق ذكره على أساس اننا خلقنا..شعوبا وقبائل لنتعارف لا أن نختلف على هذه الأسئلة و هذا الكون الواسع “الارض الفضاء” وهذا ما لم ننجح في تجسيده للاسف منذ عقود .
*اخيرا…سيبقى المسلم في هذا الشهر الفضيل رغم ارتفاع منسوب التعبد ومظاهره، ضعيف الإنتاج والبحث العلمي انحيازيا لقيم الحياة وعوامل إعمارها كمتطلب للتطور الديني والدنيوي بحجة الصيام بدليل تفشي عادة تغيير ساعات الدوام والإنتاج وتقلصهما الضعيف اصلا في وزاراتنا ومؤسساتنا مقارنة مع جوهر الإسلام الادق الذي يشير التاريخ بأن المعاناة والفتوحات والمعارك كلها قد حدثت ونجحت في أيامهم الماضية، دون أن ننسى ممارساتها اللافته بتحويل ليل شهر رمضان الى سهر صباحي وأنفاق باذخ عبر المخيمات الرمضانية لدى العموم خصوصا في المدن الكبرى..ترافقا مع ارتفاع نسب وإعداد المتسولين من جهة ومن الجهة الثانية ارتفاع وتنوع في أشكال الصدقات والزكاة..
لعلها من الوقائع الازدواجية المحيرة للباحث المنصف ،انها تجاذبات موجعة بحاجة ماسة للبحث العلمي الصارم كي يجيبنا، هل نحن في مجتمعات عربية إسلامية متدينة ام مجتمعات اجتاحتها قيم وممارسات ثقافية معولمة ، فغدا سلوكياتنا أفرادا وجماعات هجينة الفكر والممارسات وبالتالي مليئة بالازدواجيات السلوكية، وهل الصراع بين اللغة العربية والإنجليزية في يومياتنا “العربيزيه” ببعيدة عنا ايضا…أسئلة برسم الحوار وبالتي هي أحسن..فهل نحن فاعلون يا ترى ؟
*قسم علم الاجتماع-جامعة مؤتة.
