في العيد ،إناث في انتظار / ماجدة بني هاني

في العيد ،إناث في انتظار ….


أسفرت الأيام عن عيد جديد ،جديدٌ في زمنه ،عتيقٌ في عبقه،ملونٌ بالخضاب،معطرٌ بسحر الغادين……
ها هي قلوب العباد تتراقص طرباً ،وتستظل شوقاً في واحة الله الظليلة ،وفي متعة الطاعة ،قلوبهم معلقة بأستار البيت العتيق ،وتهليل الحجيح ،وتلبيتهم ودموع التائبين الأوابين لربهم طائعين…

وفي ظل هذا الفرح تتسلل دمعاتّ تجول في الأجفان ،وتتفجر غصة عميقة ،وتشرئب ذكرى من بين اللحظات، وأزوال غوال تسبح في ظلال الجلال والبهاء، فثمة أحباب صنعوا لنا فرحة العيد،وقولبوها كقطع الحلوى ثم غابوا، وغابت معهم كثير من البشائر…..
عند الفجر وبعد انتظار يتنفس الصبح ، ينشر الضياء ذراعيه ، يغمر الآفاق بجلال العيد و طلته البهية ، للعصافير فيه تغريد ،وللنسائم تمجيد ، وللمآذن تكبير وتحميد ، وللعباد مشي حثيث للصلاة ،تتعالى بعده صيحات الصغار ،وألعابهم ومفرقعاتهم ، وتمتلئ الطرقات ، بخطى المارين صغاراً وكباراً ، الجديد من اللباس ، والجديد من الأيام ،وحدهن لا جديد ، ولا صخب الأطفال ، ولا اجتماع الرجال على عتبات المساجد ، وحدهن القوارير يجلسن على العتبات في انتظار .
في القرية يختلف العيد عن أي مكان ، تجلس الغريبات عند النوافذ ، ترقب على استحياء، بيوت الجيران ، لا أحد يكترث بهن ، بينما يزدحم الأقارب في اجتماعاتهم تبقى عيناها ترقبان أباها أو أخاها ،على العتبات تنتظر الأحباب ، تلملم بمقدهم شعث غربتها ، تنتصر بحضرتهم على شماتةإحداهن ، وغمزة هنا ولمزة هناك ، كم تجبر الخاطر طلة الأحباب بعد طول غياب !!
ويبقى العيد …وتبقى النساء يقدمن الفرح والعطاء بلا حدود …وتبقى صور من الفقد ، تبرز هنا أو هناك.، كم تفتقد الأم ولدها ! كم تتمنى تكحيل عينيها بمرآة ! صحيح أن البر لا يرتبط بمناسبة، ولكن الفقد في العيد يكون مراً …مراً وللغاية ،وللأسف تقسى قلوب الأبناء ،وتبقى بعض الأمهات عند العتبات …طوال الوقت في انتظار .
عند عتبة ما تجثم أنثى ، ترقب المشهد ، تقتات على فتات من فرح قد تأتي ،في انتظار حبيب يعايدها ويغازلها ويحضر لها هدية العيد ، ومرت أعياد ومازالت تجلس في نفس الركن ، فقد فاتها القطار ، ومازالت صباح كل عيد تكتحل و تحمر وجنتيها ، في انتظار .

أمام مرآتها جلست ،تهيئ الهدايا ، تعد المال ، تحضره لمن يهمه أمورهن ، العنايا …
بعد قليل سينطلق الزوج لتوزيعها بضيق ، بوسع ، لا يهم …سيزيل الحمل عن كاهله ،وسيضطر اليوم للتسليم على نسيبه الكريه ، يوم في السنة والله المستعان.
يخرج الزوج بوجهه المقلوب ،وسحنته الحاقدة، وقد نسي أن ينظر في وجه امرأته ، ومن أوسعته حبا وعناية ، تسلمه بأغراضه عند الباب ، ثم تجلس عند العتبة ، تختلج في قلبها الخواطر ،يا الله يا جابر الخواطر …. وتستمر المسكينة في ابتهال وثبات …تقتات الأمل ، وتبقى القوارير عند العتبات ، ينتظرن قلوبا ماسية ، وترنو لرجالهن القادمين ، فالعيد لا يكون عيد حتى يحضرون ….

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى