في الطريقِ إلى محميةِ ضانا / أ.د. خليل الرفوع

في الطريقِ إلى محميةِ ضانا
محمية ضانا من أشهر المحميات في الأردن ،وهي تمتد على مساحة واسعة تتجاوز 300 كم2 في محافظة الطفيلة لواء بصيرا، وقد ضُمَّتْ إلى الجمعية الملكية لحماية الطبيعة سنة 1989م ، وفي هذه المحمية يتجلَّى الإبداع الإلهي في صنع الطبيعة ؛ ففيها تنوعات في التضاريس والنباتات والحيوانات مما جعلها مهوًى لذوي المغامرات السياحية في المشي والاسترخاء والتأمل بين الغابات والنباتات المحيطة بشعاب ضيقة ، وأودية متعرجة ، وسهول رملية ترتفع ببطاحها إلى جبال مُهَنْدَسَةٍ على شكل قِباب بعضها فوقَ بعضٍ بألوانها البيض والحمر فتعكس أشعة الشمس بألوان قُزَحية زاهية خاصةً حين الشروق والغروب .
كان البحث عن ثمار البلوط وتسلق جبالها سببينِ كافيينِ يغريانِ الشبابَ الذين يسكنون قرب ضانا في التمتع والتخييم والسَّمَر على أنفاسِ الهواء النقي وأوتار أشجار البلوط والعَرْعَر، كنا كذلك نُوْغِلُ في فتنةِ ضانا شجرًا ورمالا وصخورا وسماء وصفاءً، وكأنها إلهامٌ شعريٌّ متدفقٌ بجمالية الطبيعة والخيال ،أو طفولةٌ تسكبُ حنينَ براءتها في طريقنا كيلا ترتويَ قلوبُنا من عشقها الأبدي . منذ ذلك الزمن الجميل وضانا تزداد إغواءً إلى إغوائها وسحرًا إلى سحرها ، لكنَّ الطريقَ إليها قد ازداد وعورةً وتحفيرًا وتخريبًا وأثلاما، وفي ضوء مشهده البائس أقيِّدُ ملحوظاتٍ لعلها تجد حلولا واقعية دائمة :
أولا : في منتصف الطريق الواصل بين بصيرا والقادسية يتفرَّعُ شارعٌ خَرِبٌ يؤدي إلى ضانا المحمية ، وهو طريق غير معبد ، وأكثره ترابي لا ترى حولَك وفوقَك أثناءَ المسيرِ عليه إلا غبارًا مُتَكَاثِفًا وحصًى متطايرًا،وتتحمل شركة الإسمنت المسؤولية في تخريبه بآلياتها الثقيلة ، وتقتضي كذلك المسؤولية الأخلاقية أن تعبده وتزفته باستمرار ليكون طريقا يليق بالمحمية وزوارها الباحثين عن الجمال والهدوء .
ثانيا : لا يوجد أي لوحة إرشادية تشير إلى موقع المحمية ابتداءً من الطفيلة وانتهاء بالشوبك مرورًا بالرَّشادية المحاذية لها، لذا فإن الزائر يتيه قبل الوصول إلى المدخل الرئيسي المؤدي إلى شارعها الترابي الأبيض الوحيد.
ثالثا : كثرة مخلَّفات الأغنام والحيوانات الأخرى المتناثرة على ذلك الطريق ، مما يشوِّهُ جماليةَ الطبيعة ويعطي انطباعا سيئا عن العناية بالبيئة ، ولمَ لا يُرْشَدُ الأهالي برعي أغنامهم بعيدًا عن ذلك الطريق ، فالمسالك هناك كثيرة .
رابعا : من أشهر عيون الماء تاريخيا في الطفيلة (عين لحْظَة)، وهي تقع على زاوية في طريق المحمية ، وقد كانت مصدرًا كثيرَ الزحام طوالَ سنينَ ، لكنها مطمورة الآن وقد كُتِبَ عليها أن ماءها غير صالح للشرب ، فما الذي طرأ على مائها كيلا يصلحَ للشرب البشري والحيواني ، ولم لا تجدُ اهتماما من بلدية بصيرا.
خامسا : الطريق من مدخل المحمية إلى المخيم الروماني شديد الوعورة والانعطافات الخطيرة ولا يصلح لسير المركبات ، والحجة أن إبقاءه على حاله كان خشيةً من دخول المسؤولين بسياراتهم حينما يزورون المخيم ، وهي حجة واهية لأن القرار بمنع نزول المركبات ينبغي أن يطبق على الجميع ، وأشفقُ على سائقي سيارة المخيم – التي يستقلُها الزائرونَ – من أمراض العظام ومفاصلها وهم يقودونها عشرات المرات في اليوم الواحد نزولا وصعودا . هذه ملاحظات تسترعي نظر الزائر، فجماليةُ ضانا تقتضي اهتماما متواصلا خدمةً للسياحة ولكل عاشقي الطبيعة؛ فلمسةُ جمالٍ على طريق مُوْصِلٍ إلى لوحة فنية لا يقل بهاء وسحرًا وفتنةً عن جمالية اللوحة نفسها .
وبعد ، فليس بدٌّ من تسجيل الشكر لكلِّ موظفي محمية ضانا الذين يتقنون فنون استقبال الزائرين بلباقة حديثهم ، ودِفْءِ تعاملهم، ووعيهم التاريخي للمنطقة ،وتماهيهم مع البيئة جمالا واتساقًا والتصاقًا، فكل ما في المحمية يشكل نظاما بيئيا جاذبا يغري بالعَودِ إليها كلما تاهت الروح في ضوضاء المدنية البائسة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى