في الصميم

في الصميم
د. هاشم غرايبه

أعلن رئيس الوزراء الماليزي “مهاتير محمد” عن تشكيل قمة إسلامية مصغرة تضم خمس دول هي ماليزيا وقطر وإندونيسيا وتركيا وباكستان، وأنها ستعقد أول اجتماع لها في “كوالالمبور” 19 كانون الأول المقبل.
وهذه الدول الخمس تشكل نواة لبداية تعاون إسلامي أوسع يشمل مجالات عدة تواجه العالم الإسلامي، مثل التنمية الاقتصادية والدفاع والحفاظ على السيادة وقيم الثقافة والحرية والعدالة إضافة إلى مواكبة التكنولوجيا الحديثة.
كما بين ان قمة كوالالمبور المقبلة سوف تبحث إستراتيجية جديدة لمواجهة القضايا التي تواجه العالم الإسلامي، بما في ذلك أسباب عدم قدرته عل وضع حد للعدوان الإسرائيلي المتواصل على الشعب الفلسطيني.
لا شك أنه خبر مفرح للأمة جميعها، لكنه ممزوج بالغصة لنا كعرب، كون انطلاق هذه المبادرة من أشقاء مسلمين غير عرب، تعني أن الشعور بالمسؤولية تجاه الأمة وقضاياها، والذي يعني مركز قيادتها، لا يكون من مسلمين عرب.
إن لذلك دلالات ربما خطيرة على مستوى العروبة، وأولها شعور الأمة بمدى الخذلان الذي ألحقه العنصر العربي للأمة، مقابل الإنتصار لها من قبل قوميات أخرى منتمية للأمة.
يتفرع من هذه الدلالة التي لا مجال لإنكارها، سؤال القومية العربية الذي طرح بقوة خلال القرن الماضي.
لقد سادت خلال الفترة الماضية توجهات سياسية تتبنى الطرح القومي ، وكان أبرزها تياران: البعثيون والقوميون العرب، الأول قال إن الأمة هي عربية ذات رسالة خالدة، لكن ظل مفكروه يتجنبون الإفصاح عن ماهية هذه الرسالة، أما الثاني فكان اعتماده على شخصية عبد الناصر، لذا تلاشى بعد وفاته.
هل كان الإستغراق في هذا الطرح مخلصاً، ويصب في مصلحة العروبة؟، أم أنه كان مدسوسا ظاهره انتصار للعروبة وباطنه طعن وإضعاف بالمكون (القيادي) للأمة، خاصة أن شعار القومية العربية لم يحقق أي تقدم على صعيد التنافس بين القوميات المتزاحمة، بل أنه لم يقدم أية خطوة على صعيد الوحدة العربية المنشودة، إنما فعليا كانت الأنظمة العربية التي تتبنى الشعار القومي الوحدوي، هي الأكثر إضرارا بالوحدة.
كانت هزيمة 67 صدمة شديدة الوقع على الأمة، فقد كشفت الخداع الذي كانت تعيشه على وعود (أمجاد يا عرب أمجاد)، لتفيق على واقع مرير، ولتكتشف أن كل تلك الشعارات الرنانة عبارة عن منومات لكي لا تفطن الى عملية تجريد الأمة من عقيدتها، فكان ما سمي بالصحوة الإسلامية، والتي تجلى عنفوانها في الثورات العربية، والتي سرعان ما تم الإنقضاض عليها بتحالف الأنظمة الآيلة للسقوط، مدعومة برعاتها من القوى الاستعمارية.
ربما أن هذا الواقع المأساوي للوطن العربي هو الذي حدا بأقطاب العالم الإسلامي من غير العرب، الى تشكيل هذا التحالف، بعد إذ يئسوا من الأنظمة العربية، وأدركوا أنها لن تبادر الى أية صيغة وحدوية على أساس إسلامي، بعد أن تم إفراغ الصيغة البائسة (منظمة المؤتمر الإسلامي) من مضمونها، وأضحت كما الجامعة العربية لا تنتج إلا مؤتمرات قمة هزيلة، تكرس الشرذمة، للإلتفاف على مفهوم وحدة العالم الإسلامي.
هكذا رأينا كيف أن الأمة العربية تم تدجينها لتتخلى عن دورها الذي اختاره الله لها، بإيصال رسالته الى العالمين، فلما رضخت، سلط الله عليها لباس الجوع والخوف، فما أغنى عنها ثرواتها، وهاهي تكاد تستنفد بفسوق مترفيها وابتزاز أعدائها.
هؤلاء المسلمون من غير العرب مختلفون عن الأنظمة العربية، فهم مخلصون لأوطانهم ولعقيدتهم، ولأنهم كذلك نصرهم الله ووفقهم للتخلص من استعمار الغرب، لكن الله لا ينصر الخانعين لأعداء أمتهم المتآمرين على الإسلام، والذين يعملون على نقض عرى العقيدة عروة عروة.
قد يسأل سائل، فما بال دولة قطر انخرطت معهم، أليست عربية؟
الجواب: مُكرهٌ أخاك لا بطل، فهذا التحالف متنفسها الوحيد، بعد أن ظلمت من ذوي القربى وحوصرت بسبب تعاونها مع من يعمل إنسجاما مع عقيدته (حماس والنظام التركي)، لأن هذا الدعم نقيض دور عربان الصهيونية، الموكل إليهم محاربة الداعين لاتباع منهج الإسلام.
العربان الذين يتسمون بالإسلام وراثة وليس إيمانا، ليسوا من خير أمة أخرجت للناس، بل هم الذين توعدهم الله:” وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ” [محمد:38].
لذلك فالعرب الآن في ربع الساعة الأخير..إن بقوا على إعراضهم عن مصدر عزتهم الوحيد (الإسلام) ، واتبعوا الغلمان فدخلوا جحر الضب وارتموا غلى اعتاب الصهاينة يبتغون عندهم العزة..فالويل للعرب من شر قد اقترب.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى