في إسرائيل وإيران وأوروبا.. كيف ساهمت طوائف دينية في تفشي كورونا؟

سواليف
مع استمرار تفشي وباء فيروس كورونا حول العالم وارتفاع الإصابات والوفيات بشكل مخيف، تسببت تصرفات بعض الطوائف الدينية حول العالم بتحويل مدنها إلى بؤر تفشٍّ للمرض القاتل، من خلال رفض تعليمات منظمة الصحة العالمية بوقف الصلوات والتجمعات الدينية. ورغم أن بعضها استجاب بعد وقوع الكارثة وارتفاع الإصابات والوفيات، إلا أن بعضها الآخر ما زال يرفض التعاطي مع أي جهود وقائية للحد من انتشار الوباء.
إسرائيل.. مدن “الحريديم” بيت الداء

أصبح ينظر غالبية الإسرائيليين لمدن طائفة الحريديم اليهودية المتشددة على أنها “بيت الداء” في تفشي فيروس كورونا في البلاد، بناء على معطيات رسمية، إذ أظهرت وثيقة لوزارة الصحة الإسرائيلية نشرت مؤخراً، أن مدن المتدينين هي أكثر البؤر تفشياً للوباء.

في حين، لم يجد الحاخام حاييم كانيفسكي، أحد كبار زعماء التيار الحريدي (المتدين) في إسرائيل، بُدّاً من التراجع عن دعوة سابقة له بمخالفة تدابير مكافحة كورونا، واستدرك ذلك بفتوى جديدة حظر فيها الصلاة العامة وأعلن تطبيق عقاب قد يصل حد القتل ضد مخالفيها.

وسبق أن دعا الحاخام المذكور، إلى مخالفة تعليمات وزارة الصحة، بشأن إغلاق المدارس الدينية والمعابد في إطار مواجهة تفشي الفيروس. والأحد، أفتى “كانيفسكي”، بحظر الصلاة داخل المعابد، أو حتى إقامتها في الأماكن المفتوحة وفق ما تسمح به وزارة الصحة.

وأوضح الحاخام أن من يخالف تعليمات وزارة الصحة ينطبق عليه “دين روديف”، واعتبر إبلاغ السلطات عنه “إلزامياً”، حتى لو عوقب بشدة، دون اعتبار ذلك محظوراً.

و”دين روديف” هو حكم الذي يعرض حياة يهودي للخطر، وهي فتوى قد تقود للقتل، وسبق أن أدت إلى اغتيال رئيس الوزراء الأسبق “إسحاق رابين” قبل ربع قرن من الزمان.


لكن فتوى “كانيفسكي”، لم تنجح في تغيير نظرة غالبية الإسرائيليين لمدن الحريديم، التي تشهد أكبر تجمعات للمتدينين اليهود وهي أكثر البؤر تفشياً للوباء في إسرائيل. وحتى ذلك الوقت، سجلت “القدس الغربية”، 352 حالة إصابة لتتصدر بذلك المدن التي ضربها الفيروس، تليها مدينة “بني براك” بـ267 إصابة. و “القدس الغربية” و “بني براك” هما أكبر مدينتين تضمان أغلبية حريدية.

إلا أن القشة التي قصمت ظهر البعير، كانت معطيات سرية قالت صحيفة “هآرتس”، الجمعة، إنها حصلت عليها من وزارة الصحة، تفيد أن معدل الإصابات في المدينتين قفز عن المتوسط العام بالنسبة لإسرائيل، والذي يتضاعف كل ثلاثة أيام.

في حين، كشف تقرير لمركز المعلومات الوطني (حكومي)، أن 29٪ من المصابين بفيروس كورونا في إسرائيل، انتقلت لهم العدوى داخل المعابد والمدارس الدينية. ويمثل الحريديم نحو 12٪ من إجمالي سكان إسرائيل، البالغ 9.1 مليون نسمة، أي أن عددهم يزيد عن المليون. ومنذ بداية تفشي كورونا في إسرائيل، تشكو السلطات من عدم اتباع الحريديم تعليماتها، لاسيما تلك المتعلقة بتقليل الزحام والتزام المنازل.

ويشير الكثير من الإسرائيليين إلى مفارقة أن وزير الصحة الحاخام يعقوب ليتسمان، ينتمي للتيار الحريدي، ويقود حزب “يهدوت هتوراه” المتشدد. والأسبوع الماضي، دعا “ليتسمان” اليهود إلى الصلاة، على أمل أن يأتي المسيح المنتظر (حسب المعتقدات اليهودية) قبيل عيد الفصح الشهر المقبل لينقذهم من عدوى كورونا، وفق قوله.

وأثار تصريح “ليتسمان” موجة من التندر على مواقع التواصل، دفعت وزير الدفاع الأسبق أفيغدور ليبرمان، لوصفه في حديث للقناة (13) الخاصة بـ “وزير صحة غَيبي شكلاً ومضموناً، ويبدو أنه يعيش في القرن الـ19”.
الشيعة في إيران والعراق

في إيران، شكّلت “قم” الدينية نقطة انطلاق الفيروس، وهي العاصمة الأيديولوجية والمركز الروحي للمسلمين الشيعة في جميع أنحاء العالم ـ بمن فيهم العديد من حاملي المرض المحتملين من الصين، وظلت المدينة بمعالمها الدينية مفتوحة لوقت طويل أمام الزائرين بالرغم من تفاقم الإصابات فيها.

ففي 19 فبراير/شباط، أي قبل يومين من إعلان الحكومة الإيرانية رسمياً عن وصول فيروس كورونا إلى البلاد، توفي رجل أعمال مصاب بالفيروس كان قد عاد مؤخراً من الصين إلى “قم”. ويبيّن مكان وفاته وتوقيتها كيف لعبت المدينة الشيعية المقدسة والزعماء الدينيون والمؤسسات الدينية في الانتشار السريع للمرض بشكل غير متكافئ داخل إيران مقارنة بالدول الأخرى.

ومع استمرار تصاعد الإصابات بكورونا، ظل رجال الدين في مدينة قم يحاولون طمأنة الإيرانيين وزوار “المدينة المقدسة” بأنها محصنة ضد الأوبئة وغيرها من الكوارث، مما جعلت المدينة مركز انتقال العدوى إلى سائر المناطق الإيرانية وسبع دول أخرى على الأقل.

لاحقاً، وعندما أصرّ مسؤولو وزارة الصحة الإيرانية على فرض حجر صحي على المدينة، عارض رجال دين شيعة القرار بالكامل، من بينهم محمد سعيدي ـ متولي “عتبة السيدة فاطمة” وأبرز ممثل ديني لخامنئي في قم ـ مما أدى إلى تأخير كبير في تطبيق التدابير الوقائية الضرورية للغاية.

وقال سعيدي وهو “الوصي” على ضريح “فاطمة المعصومة” إن الناس يرون الضريح كمصدر للتعافي والشفاء ولذلك لا يمكن إغلاقه. ولما خرج الوضع عن السيطرة في إيران، قاد رجال الدين وعلى رأسهم خامنئي، نظريات مؤامرة وحملات دعائية للترويج إلى أن ما حصل في البلاد هو “لعبة من أيادي العدو الخفية”، أو “حرب بيولوجية أمريكية”.

أما في العراق، فكان الحال لا يختلف كثيراً عن إيران فيما يتعلق بالمراكز الدينية الشيعية، فقد ظل رجال الدين الشيعة يدعون أنصارهم بالاستمرار في زيارة المراقد الدينية بحجة أنها معصومة عن الأمراض والأوبئة، وأن هذا المرض لا يصيب المؤمنين.

في الوقت ذاته، وجهت اتهامات لمقتدى الصدر بزيادة تفشي فيروس كورونا في العراق، بعد منحه آلافاً من أنصاره إذناً بزيارة دينية، شمالي بغداد في منتصف مارس/آذار، كما حمّل مسؤولون عراقيون “أي طرف يتبنى خرق حظر التجوال” مسؤولية تفشي كورونا في البلاد.
ومع استمرار ارتفاع الإصابات، ظلت بعض المراقد والمدن الشيعية تستقبل زوارها، فيما أعلنت السلطات في 17 مارس/آذار، بدأ حظر التجوال في بغداد، إذ أمر رئيس حكومة تصريف الأعمال عادل عبدالمهدي، قوات الأمن بفرض حظر التجوال بالقوة، على الزوار الشيعة الذين توافدوا إلى بغداد لأداء زيارة دينية.

ولاحقاً، أظهر بعض المرجعيات الدينية في العراق، بعض الجدية في التعامل مع الإجراءات الحكومية للحد من انتشار الوباء، إذ كان المرجع الشيعي الأعلى في العراق، علي السيستاني، أصدر قراراً بضرورة الابتعاد عن إقامة صلاة الجمعة والجماعة وأخذ الأمر على محمل الجد، لكن وبالرغم من هذا الإعلان، فُتحت في النجف المراقد الدينية أمام الزوار بسبب ضغوط شديدة من مقتدى الصدر بعدما تجمع الآلاف من مناصريه لإقامة صلاة الجمعة، وبعد الاتهامات التي وجهت له بزيادة تفشي الوباء، قال الصدر “لم أعترض على حظر التجوال، ولم نخرقه، ولا على الإجراءات الصحية والتنظيمية في مراقد المعصومين، لكن اعتراضنا كان على الغلق فقط للمراقد”.
الطوائف المسيحية في فرنسا واليونان

في فرنسا، التي تجاوزت فيها الإصابات 44 ألف حتى الثلاثاء 31 مارس/آذار، كان أحد أسباب تفشي الفيروس فيها على نطاق واسع، هو مشاركة أكثر من 2000 فرنسي في قداسات بالكنيسة الإنجيلية بمدينة ميلوز (شمال شرق)، وعودتهم بالمرض إلى مناطقهم، على الرغم من تحذيرات منظمة الصحة العالمية من إقامات القداسات.

وقالت إذاعة “فرنس أنفو” الفرنسية (حكومية)، إن القداسات التي جرت خلال الفترة ما بين 17-21 فبراير/شباط الماضي، عرفت مشاركة أكثر من 2000 شخص من مختلف مناطق البلاد. وكان أحد هذه القداسات التي حولت البلاد إلى بؤرة للوباء، قد شارك فيها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في 18 فبراير/شباط بمدينة ميلوز، وقام بمصافحة الكثير من الحاضرين، والتحدث معهم. حتى إن امرأة من الحاضرين ثبتت إصابتها بكورونا، كانت من الذين صافحوا ماكرون، وتبادلت معه أطراف الحديث من مسافة قريبة، في ذلك اليوم.
أما في اليونان، فقد أعلنت السلطات الأسبوع الماضي، اعتقال كاهن يوناني أقام قدّاساً دون الاكتراث للقواعد الصحية التي تلتزم بها أغلب بلدان العالم في هذه الأيام.

وقامت الشرطة اليونانية 21 مارس/آذار باعتقال الكاهن الأرثوذكسي بعد إقامته القداس في الكنيسة، رغم تعليق أغلب النشاطات الدينية بالبلاد في أعقاب تفشي فيروس كورونا الذي حصد آلاف الأرواح داخل أوروبا وخارجها. وتواصلت الشرطة مع الأسقفية يوم السبت وتم إخطارها بقانون الحظر الساري قبل أن تعتقل الكاهن. وأطلقت السلطات سراح الكاهن بعد أن طلبت منه اتباع الإجراءات التي طبقتها الحكومة اليونانية وكنيسة اليونان، في حين تتحقق السلطات من انتشار الفيروس بين من حضروا القداس ذاته.
طائفة شينتشونجي في كوريا الجنوبية

وفي كوريا الجنوبية، تسبب الآلاف من طائفة دينية مسيحية سريّة بانتشار الوباء في البلاد، إذ اعتذر رئيس كنيسة شينتشونجي، لي مان-هي عن الدور الذي لعبه أنصار طائفته في نشر فيروس كورونا في البلاد، وعدم التزامهم بتعليمات الحكومة بوقف الفعاليات الدينية
إذ سجلت البلاد نحو 10 آلاف إصابة حالة إصابة، و162 حالة وفاة حتى 31 مارس/آذار، وتشمل أكثر من نصف مجموع الإصابات أعضاء من كنيسة شينتشونجي، وهي طائفة دينية مسيحية صغيرة، أسسها لي مان هي في 14 مارس/آذار 1984 في كوريا الجنوبية.

لكن الأمر لم يقف عند هذا الحد، إذ تطالب حكومة مدينة سول باستجواب مان لي في تُهمة القتل، لعدم تعاونه كما ينبغي مع السلطات. وطلبت حكومة المدينة من النيابة العامة توجيه اتهام إلى مان لي وأحد عشر آخرين من طائفته. ويواجه هؤلاء اتهاماً بإخفاء أسماء بعض أعضاء الكنيسة أثناء محاولة المسؤولين تعقّب المصابين قبل أن ينتشر الفيروس.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى