طباخ السم يذوقه / م . عبدالكريم ابو زنيمة

يستنفرُ العالمُ اليوم على إرهابِ داعش وأخواتها في أكثرِ من دولةٍ وقارة ، وكأن هذا الإرهاب هو حدثٌ طارئ ، فهذا الإرهاب له جذورهُ وزارعوه وتُجاره وممولوه وحاصدوه ، فأساس الإرهاب هو الغربُ الرأسمالي الاستعماري والصهيونية العالمية ، فأمريكا بَنت حضارتها على مخلفات إرهابها بحق الهنودِ الحُمر السكان الأصليين للقارة الأمريكية ، والمقال لا يتسع لتعداد جرائمها وإرهابها بحق شعوب العالم الأخرى، أما الإرهاب الأوروبي فلا زالت الكثير من الدول والشعوب تعاني منه بعد حقبة عقود استعمارهم واضطهادهم ونهب ثروات الشعوب في الدول المُستعمرة وما خلفته تلك الدول الاستعمارية من تخلف وجهل وعنف واضطراب وفتن لتلك الشعوب.
الغرب الرأسمالي الاستعماري رحل بِبساطيره العسكريةِ عن منطقتنا العربية لكنه نصّبَ أنظمةَ حكمٌ ترعى وتحقق مصالحه ، وهذه الأنظمة بمجملها غير شرعية وغير دستورية وطابعها العام عرفيٌ دكتاتوري لا تؤمن بحرية الشعوب ولم تعمل على تطوير نُظم إدارةِ دولها للوصول إلى معايير أنظمة حكم ديمقراطية شفافة ، وبذلك استشرى الفساد وغابت العدالة ونُهبت الثروات وعمَ الفقرُ والجهل والبطالة وتشكلت البيئة ُ المثالية للتطرف ِ والإرهاب .
هذا الغرب الذي لم يتخلَ يوماً عن عقليته ِالاستعماريةِ وأطماعهِ في المنطقة والذي يتشدق ويتباكى على مدار الساعة على الديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة هو من يحمي ويتحالف مع أكثر أنظمة الحكم قمعاً وتخلفا ًوفساداً ، فهذا الغرب المزدوج المعايير لا يؤمنُ بالحرية وحرية التعبير والعدالة والمقاومة وحقوق الإنسان خارج حدود بلاده ، فهم لا يؤمنون ولا يحترمون القوانين والمواثيق والمعاهدات الدولية وحق الشعوب في تقرير مصيرها عندما يتعارض ُ الأمر مع مصالحهم .
الغربُ الاستعماري ُهو من اقتلع الشعبُ الفلسطيني من أرضه وزرع الكيان الصهيوني بدلا ً منه ، وهو من يدعم ويساند ويغض الطرف عن كل الجرائم الإرهابية التي يرتكبها الكيان الصهيوني ويقر ُ هذه الجرائم مدعيا ً أنها دفاع ٌ عن النفس وينعت المقاومة الفلسطينية المشروعة بكل الشراع والمواثيق والقوانين الدولية بالإرهابيين وبالمنظمات الإرهابية !!!
هذا الغربُ الاستعماري ُهو من اختلق وأطرَ ونظمَ ومولَ وسلحَ الإرهاب ، فمن رحم القاعدة التي أشرفت على تأسيسها وتنميتها المخابرات المركزية الأمريكية وأتباعها في المنطقة ولدت داعش والنصرة وغيرها و التي ارتكبت أبشع الجرائم تحت سمع وبصر ومؤازرة ودعم الغرب ليس بحق سوريا والعراق فقط وإنما بحق الإنسانية جمعاء ، هذه التنظيمات تُدرب وتُمَول وتسلح بإدارة وإشراف ورعاية الغرب الاستعماري وأدواتهم في المنطقة .
ما جرى ويجري في سوريه ليس حرب أهلية كما يصفوه ، وإنما هو مؤامرة دولية جرى الإعدادُ والتحضيرُ لها مُنذُ زَمن بعيد لتحييد سوريه والإجهاز على ما تبقى من حركات المقاومة المناهضة للمشروع الصهيوامريكي ، وباعتراف أجهزة الاستخبارات العالمية ومنها الأمريكية أن (40-60%) من الإرهابيين في سوريه هم من الخارج.
الغرب لم ولن يحارب الإرهاب لأنهم هم من صنعوه ،فهل يعقل أن أقوى دولة في العالم وتقود (60) دولة في تحالفها وهي من تباهت بأن أجهزة رصدها الفضائية تلتقط حتى نمرة السيارة لم تلتقط صوراً لشاحنات داعش النفطية وهي تقطع الصحراء ومروراً عبر دولة في حلف الناتو لاكثر من (500) كم! وهل يعقل ان أجهزة رصدها لم تلتقط طوابير الإرهابيين العسكرية عبر فضاء الصحراء المفتوح ! هذا الحلف وخلال (16) شهراً بأحدث طائراته لم يحقق شيئاً يذكر مقارنة بما حققته روسيا خلال (45) يوماً من محاربتها للإرهاب بطائرات مضى على خدمتها أكثر من (30) سنة !
الغرب اكتوى وسيكتوي بالإرهاب ، وكما يقول المثل “طباخ السم يذوقه” فقبل يومين من تفجيرات باريس كان المندوب الفرنسي في هيئة الأمم المتحدة يحرض المندوب الأمريكي بعدم الإذعان والانجراف نحو التدخل الروسي في سوريا ! وها هي اليوم فرنسا تتحالف مع روسيا لمحاربة الإرهاب عندما اكتوت بتفجيرات الإرهاب !
هذا هو الغرب الذي لم يرف له جفن لمقتل الآلاف من الفلسطينيين والعرب على يد الدولة الإرهابية الصهيونية ،ولم يرف لهم جفن للتفجيرات في بغداد وبيروت والقاهرة والضاحية الجنوبية وتفجير الطائرة الروسية المدنية…الخ ، ولم يؤنبهم عذاب الضمير لمقتل آلاف العراقيين من قبل الاحتلال الأمريكي وآلاف الليبيين الذين وعدوهم بالحرية والحياة الإنسانية الكريمة وتركوهم فريسة للإرهاب والدمار والخراب !!!
بدموع التماسيح تباكوا على الشعب السوري وحشدوا لنصرته كل المجرمين والقتلة وقطاعي الطرق والمأجورين من كل أصقاع الأرض لتدمير سوريه ولقتل عشرات الآلاف من السورين في أرضهم ،لم يستمع الغرب لتحذير القيادة السورية عندما خاطبتهم بأن ما تفعلوه في سوريا سيرتد خطره عليكم ، فها هو الغرب يستنفر اليوم لخطر الإرهاب لان عيون الضحايا زرقاء وبشرتهم بيضاء !!! فاليوم في باريس وغداً حسب ما تقرره داعش أين ستفجر !

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى