والطاحونة مسكّرة / يوسف غيشان

والطاحونة مسكّرة

في كتاب (الإقتصاد السياسي للبطالة ) الصادر عن سلسلة عالم المعرفة في تشرين الأول عام 1997 ، يضع مؤلفه، الدكتور رمزي زكي، هذه الحكاية المعبرة تماما عن حالات الكساد والبطالة، في مقدمة كتابه، تقول الحكاية:
” وقف طفل صغير أمام والدته وهو يرتعش من قسوة البرد في أحد أيام شتاء 1929، وسألها ببراءة:
– لماذا لا تدفئين المنزل يا امي؟
– لأنه لا يوجد لدينا فحم بالمنزل يا ولدي !
– ولماذا لا يوجد فحم بالمنزل يا أمي
– لأن والدك -عامل مناجم الفحم- متعطل عن العمل
– ولماذا يتعطل ابي عن العمل يا أمي؟
– لأنه يوجد فحم كثير في الأسواق يا ولدي
أسوق هذه الحكاية للحديث حول البرلمان، والممارسات الديمقراطية بشكل عام، وبدون محاولة اعادة انتاج الحكاية بشكل سياسي، اقول بأن السبب في عدم وجود برلمان جيد وممتاز يمثل الشعب، هو عدم وجود ديمقراطية حقيقية في منزلنا، لأن العمل فيها متعطل، وأحد اسباب عدم وجود ديمقراطية في منزلنا لأنه توجد احزاب كثيرة في الأسواق …. متناحرة وغير متجمعة في تكتلات حقيقية فتعلة ومؤثرة.
طبعا لا نخلط هنا بين السبب والنتيجة، ونعرف ان انهيار الحياة الحزبية هو تقييدها بالتعليمات والأنظمة التي تجعل من اعتصام عادي او مظاهرة مفرطة في العادية تحتاج الى العديد من الأوراق والموافقات الأمنية، ونادرا ما تحصل على الموافقة وبدون اعلان الأسباب الموجبة للمنع (حسب القانون) ولا ننسى ان اي ندوة تحتاج ايضا الى موافقة امنية ويتم حجز الصف الأخير لطاقم حسن الخط من الشباب المتنوعين الانتماءات، طبعا أعرف أن القانون ينص على ان يقوم القائمون على النشاط بالتبليغ…مجرد التبليغ وعدم انتظار الموافقة…لكن هذا كله سواليف حصيدة، ولم تلتزم به الحكومة قط.
وبدون ذكر التفاصيل الأخرى فان الحكومات غير معنية بتاتا بالتنمية السياسية، لذلك يعود الناس الى تجمعاتهم البدائية ويلتجئون اليها، لا محبة فيها، بل لأنهم يحتاجون الى جاموع ما. في هذه الحالة – ومع تدخل واضح من الحكومات ينجح غير الأكفياء الذين ينصرفون الى امورهم الشخصية، لأنها هي الشئ الوحيد المعروف لديهم.
والسؤال الذي سيتكرر الى اِلأبد في دائرة مفرغة سوى من الوجع هو :
– كيف نحصل على بيضة الديمقراطية ؟؟؟
– بيضة الديمقراطية عند الجاجة ، والجاجة بدها ميه ، والميه عند الطحان ، والطحان بده بيضة والبيضة عند الجاجة………………………………والطاحونة مسكرة ……فيها ميه معكرة ………………!!

ghishan@gmail.com

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى