فوضى في واشنطن لـــ ماهر ابو طير

اثارت تصريحات «دونالد ترامب»  المرشح للرئاسة الاميركية اذا ثبت ترشيحه حزبيا امام خصمه داخل الحزب الجمهوري « بن كارسون « ردود فعل عاصفة، وهذا هو ترامب يطالب بمنع دخول المسلمين الى الولايات المتحدة. ليس وحيدا في حملة الكراهية،اذ  معه منافسه عن ذات الحزب «بن كارسون» الذي يصف اللاجئين السوريين بالكلاب المسعورة، وبينهما يشتد التنافس على ترشيح الحزب الجمهوري، لموقع رئاسة الولايات المتحدة. كل هذا يجري في الوقت الذي يبدو فيه مؤكدا فوز «هيلاري كلنتون» عن الحزب الديموقراطي لرئاسة الولايات المتحدة، ومانراه الان تكرار لذات المشهد الاميركي قبيل كل انتخابات. برغم حملة التنديد ازاء تصريحات «ترامب»  التي دخل على خطها البيت الابيض والفرنسيون والازهر وجهات عربية واجنبية، وأسماء اعتبارية، الا ان القصة ابسط بكثير، ترامب يبحث فقط عن مزيد من الشهرة، وعن اصوات الناخبين في حال حصوله على ترشيح حزبه، وهو يعرف ان هناك بضعة ملايين من الاميركيين المجانين على شاكلته. حال المسلمين ليس مثاليا، فلماذا يغضب المسلمون من مرشح يريد منعهم من دخول بلاده، اذا كان اغلب المسلمين، لايستطيعون دخول اغلب الدول الاسلامية، الا بتأشيرات، وبشروط صعبة جدا، لايحققها كثيرون. علينا هنا بكل امانة ان نقارن بين تصريحاته الوضيعة من جهة، وماتفعله الدول الاسلامية تجاه الشعوب الاسلامية ذاتها، من دول اخرى، لان المسلمين ذاتهم يعانون من القدرة على دخول «بلاد الاسلام». على شاكلة « ترامب»  لدينا اسماء كثيرة في كل العالم، اوروبا وغيرها، ايضا، يقومون باطلاق النار على المسلمين، ولدينا في العالم العربي والاسلامي  ايضا رموز وأسماء وعوام، يكتبون كلاما مزريا ضد الغرب، وضد المسيحيين. بماذا يختلف «ترامب « في تطرفه، عن المسلم الذي يدعو الله ان يهلك المسيحيين وذرياتهم، عبر مكبرات صوت مآذن المساجد في المدن العربية حيث نصف جوار المسجد من المسيحيين العرب، مثلا، والنصف الاخر ينتظر تأشيرة شنغن او تأشيرة الى الولايات المتحدة او كندا او استراليا؟!. بماذا يختلف «ترامب» عن كل من يعتبر التفجير وقتل المدنيين في بريطانيا او اميركا او فرنسا عملا بطوليا، ويستدعي صورا لجرائم الاحتلال الفرنسي في الجزائر مثلا، لتبرير مايفعله متشددون ضد الفرنسيين، في متتالية لاتريد ان تتوقف، وتعبر فقط عن انحدار الانسان في الانسان؟!. التشدد يستمطر التشدد، وعلينا ان نعترف ايضا ان التشدد الاسلامي لم يظهر  اساسا الا جراء سياسات العالم الجائرة ضد المسلمين، واضطهاد شعوبهم والاحتلالات، فظهر الغضب ، بأسماء مختلفة، وعناوين متعددة. هذا لايمنح الجرائم اي شرعية،على اية حال، لكنه يوضح جذر البدايات في هذا التشدد، واذا كان الرد على تشدد المسلمين بتصريحات وضيعة مثل تصريحات ترامب، فقد فات الرجل ومن على شاكلته، ان هكذا تصريحات ستؤدي الى حوادث اضافية من باب الانتقام،وهكذا يشتبك المتشددون مع بعضهم البعض، ويضيع العالم تحت اقدامهم. معنى الكلام، ان المتشددين يكادون ان يرضعوا من ثدي واحد، هو التطرف، فترامب ليس وحيدا هنا، وكل المتشددين من كل الملل والجنسيات والاديان، يعملون معا، لذبح الحياة. ثم من قال لترامب ان المسلمين عالة على هذا العالم، فأغلب المسلمين في الولايات المتحدة اصحاب رؤوس اموال واكاديميون ويمثلون طبقة وسطى محترمة في المجتمع الاميركي، والامر ذاته ينطبق على اغلب المسلمين في العالم الذي يجهدون اليوم، للوقوف في وجه حملات تشويه السمعة التي تريد حشرهم في بيوتهم بحيث لايدخلون بلدا في العالم. رئيس الوزراء الفرنسي ذكي اذ يندد بتصريحات «ترامب» فلا ينقصه في فرنسا، ان يخرج غاضب من «ترامب» الاميركي فينتقم من فرنسا، باعتبار ان «ملة الكفر» واحدة، وبريطانيا تعبر عن نقدها لتصريحاته، وفيها يوقع ربع مليون شخص مذكرة يطالبون فيها بمنع دخول ترامب الى بريطانيا، وغير ذلك من اجراءات. اذا كنا نقول ان «ترامب»  لايمثل  شعبا اميركيا ودودا، ولايجوز الحنق على الاميركيين بسبب تصريحات شخص، نقول ايضا للاميركيين والعالم، ان عليكم ايضا ان لا تحنقوا على المسلمين بجريرة شخص ارتكب جريمة، فالتعميم هنا هو الجريمة المشتركة بين الجميع، وقد آن الاوان ان يتخلى الجميع عن التعميم. علينا اذن ان نقول بصراحة ان المتطرفين في كل العالم ينتمون الى سلالة واحدة، وبقية العالم يريد ان يعيش آمنا، وقد تعب من الحروب والعداوات والكراهية  وتغذية الاحقاد، وفوضى التصريحات في واشنطن، يجب ان تنبه العالم الى ماهو اهم، فالكلام مثل السياسات وقود للانتقام في حالات كثيرة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى