فوضى العالم الافتراضي والأزمة الأخلاقية

#فوضى #العالم #الافتراضي و #الأزمة #الأخلاقية

عبد البصير عيد

ربما الحظ هو الذي يفصل بينك وبين أن تصبح حديث الساعة فالقضايا التي تنتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي كثيرة وهي كفيلة أن تسقط أشخاصاً وترفع آخرين.

من المؤسف أن نرى كل هذا التخبط عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي من المفترض أن تبني ترابطاً بين أفراد المجتمع الواحد إلى الخوض في قضايا بعيدة كل البعد عن الهدف الذي وجدت من أجله فأصبحت تخوض في قضايا يمكن وصفها أنها لا أخلاقية.

فمواقع التواصل التي لم تتداول كثيراً من فضائح الفساد التي تحاصر المجتمع، هي ذاتها التي تخلق جوا من الإرباك بنشر فضائح التحرش أو القتل أو الغش، وقد وصل بها الحد إلى خلق “ترند” كبير عن حشرة في رغيف خبز، أو عن وجبة طعام فاسدة لم تنتشر رائحتها بقدر انتشار صورها في العالم الافتراضي.

ومما شاهدناه شاب ينشر صوراً مركبة “غير صحيحة” لفتاة عفيفة وينشرها عبر حسابه الزائف؛ ليتلقفها الآخرون وينشرونها لتصبح مادتهم التي ينهشون بها لحم وعرض تلك الفتاة العفيفة. ومنها أيضاً معلم يتم اتهامه بهتاناً وزوراً بأنه تحرش بإحدى طالباته بينما تشهد له الطالبات الأخريات بأنهم لم يروا منه إلا العفة والاحترام، فتقوم أم الطالبة بنشر فيديوهات له وهي تهينه عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وما أسهل أن يصبح المرءُ حديث الساعة في مجتمعاتنا العربية، أو كما يقال: “ترند”!

كما أن تداول المادة الإعلامية التي تتعلق بجريمة ما أو سرقة ما وإعطائها أكبر من حجمها لتصبح حديث الساعة على مستوى القطر أو مستوى العالم يسهم بطريقة غير مباشرة لجعل هذه المادة مألوفة وقابلة للتطبيق عند أصحاب القلوب والعقول المريضة.

وهنا يقف الإعلام العربي بين موقفين إما أن يجعل من هذه المادة سبيلاً للشهرة وحشد المشاهدات والتعليقات، فيهبط مستواه إلى مستوى من يتناقل الشائعات.

والجزء الثاني الذي يتعامل مع المواضيع المنتشرة بمهنية عالية ولا يعطيها أكبر من حجمها.

وهنا يجب علينا أن نتأمل حال كثيرٍ من المنصات الإعلامية التي تسيء لهذه المهنة؛ بخوضها في القيل والقال، ونشر الأخبار الزائفة بهدف جمع المشاهدات لا أكثر، فيظهرون أمام الجمهور بصفة المدافع عن حقوق المرأة وحقيقتهم أنهم ساعون وراء نسب المشاهدات.

إن ديننا الإسلامي دين عظيم فقد حرم تناقل المعلومات من غير تثبت وشدد على قبح من ينقل الأخبار المزيفة بهدف التضليل فما بالكم بمعلومات تهتك الأعراض وتنشر الفتن في مجتمعاتنا العربية.

قال تبارك وتعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا على مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6)} سورة الحجرات

وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (19)} سورة النور

لا شك بأن للإعلام دور كبير في الدفاع عن المظلومين وإيصال الحقيقة للعالم، ولكن هذا الدور يجب أن يكون بمهنية عالية فيها حس المسؤولية وإلا فلا فرق بينه وبين منصات التواصل الاجتماعي المختلفة التي تتيح لمن هب ودب أن يدلي بدلوه من غير تثبت. وهنا أشير إلي أنه لا بد أن يتميز الإعلام بأدائه العالي؛ فهناك الكثير من القضايا المجتمعية التي تحتاج أن يسلط الإعلام الضوء عليها، التعليم والصحة والبطالة جزء من هذه الأمور.

من المؤسف جداً أن نرى هجمة شرسة على مجتمعاتنا العربية والإسلامية تدور رحاها في وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل إعلام مختلفة يمكن أن نقول أن أجندتها مشبوهة بمجرد أن نرى ما يتم بثه عبر تلك القنوات وضخها في مجتمعنا العربي والإسلامي.

ما أسرع ما يتم نشره عندما يتعلق الأمر بالجريمة أو الفضائح الأخلاقية، وأما قصص النجاح والكفاح والنماذج الطيبة والأخلاق الحميدة يتم تحييدها عن المشهد وتجاهل تداولها. وهنا يأتي السؤال الذي يعلم الكثيرون جوابه؛ “لماذا كل هذا التجاهل؟” إنهم يريدون أن يحولوا مجتمعاتنا المحافظة إلى مجتمعات منفتحة وإن صح التعبير “مجتمعات منفلته”، هذا الفلتان ليس على الصعيد الأمني فقط بل على الصعيد الأخلاقي والقيمي. وهذا ما نراه ممن يدافعون عن الشذوذ والانحراف الفطري ويريدون أن ينشئوا أجيالنا على مثل هذه الأمور.

وختاماً أعتقد أن الحل الجذري لمثل هذه المحاولات أن يتمسك الإنسان المسلم بالقيم الإسلامية والتمسك بالدين والأخلاق. ومن المهم أيضاً أن يكون الآباء على وعي تام بأهمية مراقبة أجهزة أبنائهم ومتابعة ما يشاهدون عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو حتى في أفلام الكرتون. كما أن وضع خطط مفيدة تملأ أوقات فراغ الأبناء واشغالهم بما هو مفيد يجعل هذه الأجيال تبني درعاً يحميهم من حملات التجهيل والدعوات المنحرفة. والتمسك بالقرآن الكريم حفظاً وتفسيراً وتلاوتاً هو صمام الأمان لهذه الأمة فتمسكوا به. حفظ الله أبنائنا وسائر المسلمين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى