فهمان يرى الشيطان باستخدام #الفيزياء_النووية ج9 والأخير
بقلمي: #إبراهيم_أمين_مؤمن
فور أن علم جاك من فهمان الخطوة المفقودة قام وفريقه بعمل خمسة #قنابل، أرسل منها ثلاثة طمرت في أماكن هامة من أرض اليابان، أمّا ذرات الرابيديوم المتصلة بذرات القنابل فقد أرسلها إلى ناسا وأعلمهم بطريقة تفعيل القنابل، كما أرسل إليهم القنبلتين الأخريين واحتفظ َهو بذرات رابيديومهما لشيء في نفسه، تلك التي ترتبط ارتباطًا موجيًا مع الذرات الموجودة في #الثقوب_السوداء.
***
بمجرد دفن الثلاث قنابل أعلنت أمريكا حيازتها للقنابل وأنّ الولايات المتحدة الأمريكيّة قامتْ بزرعها في جميع أنحاء اليابان، وأيّ عدوان يابانيّ عليها سيكون نتيجته فناء الجنس اليابانيّ كلّه من على وجه الأرض.
وقد قالوا فيما قالوا إنّ إعلاننا الأوّل قبل ستة عشر ساعة تقريبًا غير صحيح لأنّ القنابل لم تصل إلى المواقع اليابانيّة بالفعل، أمّا الإعلان الثاني فهو الصحيح، فقد وصلت القنابل إليها.
وقد ردت اليابان على إعلان أمريكا بغطرسة حيث أعلنت أنه لا يزال لديها الكثير، وأن قنابلها مدفونة في جميع ولايات أمريكا؛ وبذلك هدأ تمامًا الصراع اليابانيّ الأمريكيّ.
وما عادت تهتم أمريكا ولا اليابان ولا العالم بالنزاعات وتصفية الحسابات إلّا اليهود وبعض التيارات الإسلاميّة المتطرّفة، كلّ ما يعنيه أن ينجو من الموت منذ إعلان وكالة ناسا خبر الثقب الأسود، وبدأ العالم يتوحّد ضده على اختلاف دياناتهم وألوانهم ومذاهبهم.
***
ومذ أعلنت ناسا خبر الثقب توجّهتْ كلّ مراصد العالم نحوه وما عادوا يهتمون بأمر الحرب، لا المشتركون فيها ولا المتابعون لها، لا المنتصرون ولا المنهزمون، واتّجهتْ كلّ اهتمامات العالم نحو عزرائيل الذي يقف الآن على مقربة من الثقب تأهّبًا لخطف الأرواح.
ولقد عرف الأسيويون أخيرًا لِم كانت ناسا تصنع شراعًا ضوئيًا، ولِمَ ترسل روبوتات وخبراء بكثرة إلى القمر، ولِمَ ترسل ملايين المرايا الخاصة بعمل الليزر، والروس بصفة عامة عباقرة في الرحلات الفضائيّة ولذلك قالتْ وكالتهم الفضائيّة إنّ الأمريكان يريدون دفع الشراع الضوئيّ بمحطات ليزر من على القمر، وقالوا بأنه لابدّ أن يكون لهم دور في هذه الرحلة حتى لا تستأثر أمريكا بهذا المجد وحدها.
***
بعد أن انتهى جاك من المهمة الرئيسة اجتمع بفهمان لاستكمال تجارب العبور إلى الشيطان.
لم يشعر جاك بالخزي في قرارة نفسه إذ راوغ فهمان وأعطاه عهدا لم يوفّ به، لأنه يرى أن فهمان لم يقدر الأمور حق قدرها، فهو لا يعلم شيئا سوى العلم والخلق الرفيع الذي يتربع في زمرة قلبه، بعيدا عن دهاليز السياسة وحياة الأمم وتاريخها المليء بالحروب والغدر والخيانة.
بداية اقترحَ جاك على فهمان بتوليد هذه الثقوب الدائريّة التي تلتف على هيئة دائرة حول فقاعة الرابيديوم وإلقاء طعام لها غير الذي يحوطها من الطاقة السلبيّة التي لا تؤكل.
قال فهمان عندئذٍ: «هكذا الحياة يا جاك، لا تجد خيرا في كل ما هو سلبي.»
قال جاك: «صدقت يا فهمان.»
ثم قال مستدركا: «الشيطان من الطاقة، وهو يحب الطاقة لا المادة، لأنه لا يستطيع أن يحوّل المادة إلى طاقة، لنرصده من خلال إمداد يدنا له بالطاقة، لتكن هي القرابين، قرابين الثقوب السوداء.»
قال فهمان: «لا بأس، كل شيء نريده من الحياة يحتاج إلى قربان نتزلف به من مالكه، سترصده المراصد عندما يمد يده إلى الطاقة، علينا بتقديم قربان آخر، أريد إهداء النور أيضا.»
قال جاك: «تأمل في أن ترى الملائكة يا فهمان من خلف الثقوب، سبحان الله! كل عالم له خصائصه، فقد يكون الشيء البالغ الثمن لدينا ليس له قيمة في عوالم أخرى.»
قال فهمان: «لنبدأ.»
وضعت البروتونات، ووقف فهمان داخل الفقاعة بالتلسكوب ليرى أيّ قربان يُقبل وأيّهما يُرفض، وسُلطتْ الكواشف على مواضع تموضع الثقوب السوداء، وتمّ حساب طاقة البروتونات المستخدمة في التجربة.
وُضِع الطعام من المادة كما وُضِع طعام من الطاقة أمام الثقوب واستعد الحاسوب للعمل.
بعد ثلث ساعة من دوران البروتونات في الأنبوبين وصلتْ إلى سرعة الضوء تقريبًا وحدث الارتطام وتشكّلتْ الثقوب السوداء في هالة دائريّة حول فقاعة فهمان الرابيديوميّة، وظلّتْ تدور حول نفسها وفهمان يرصد بالتلسكوب في وجل وشغف وجاك يدفع بحزم الليزر الخارقة حول الفقاعة وفي مركز الثقوب -بكل قوة وحذر- كي يتحكم في سبيانتها ليتحاشى بلعه أو سحقه من أحد الثقوب.
بدأت الثقوب تقوم بعملها الأساسيّ وهو أكل المواد التي حولها، كل الثقوب التهمت الطعام الذي حولها فيما عدا واحدا أنِفَ من الطين (المادة) واحتقره وأقبل على الطاقة والتهمها في لذة مبتسم الثغر، وبذلك تُقبل قربان فهمان ولم يُتقبل لأي أحد آخر غيره، فعلمه وخلقه مكناه من المكر بأخبث الخلائق ليجهز عليه وتحيى البشرية في سلام بحسب معتقده.
أما النور فظل كما هو، فتعجب جاك وسأله عن ذلك.
قال فهمان: «أرادت الملائكة الحضور لكن الشيطان كان أسبق منها، وهي لا تجتمع مع الشيطان في مكان واحد أبدا.»
رصد فهمانُ الشيطان وهو يتقبل القربان، فعلم أنّ خلف هذا الثقب يسكن الجنّ ويعيش على أرضه حيث إنّ هذا ثقبهم الممتدّ من بُعدهم إلى بُعدنا، ثقب مصنوع فقط من الطاقة ولا تدخله المادة كما أنّ الجنّ ليست مواد بل مخلوقة من نار والنار طاقة، النار لا تتحوّل إلى مادة لأنّ هذا مستحيل.
يتحوّل الفوتون، يتحوّل الجرافيتون، لكن النار لا تتحوّل إلى مادة.
وتقبّل الله قُربانَهما لأنهما صالحان، تقبّله من المسلم والمسيحيّ عندما صدقت القلوب.
خرج فهمان من الفقاعة، قال: «عرفنا الآن بعده، علينا بإجراء آخر خطوة للعبور.»
قال جاك: «ليس النجاح في العبور فحسب، بل أثبتنا صحة نظرية الأوتار الفائقة التي لطالما حيرت العلماء على مدار قرون طوال.»
قال فهمان:«ما وصلنا إليه هو الوتر الناري المهتز، أحد الأوتار الفائقة، وقد طرقنا بوابة الجن، وأكيد رصدونا.»
قال جاك: «المهم أن تتمكن من العبور بأمان، فأنا متأكد أن ملوك الجان رصدونا وهم بانتظار اختراقك، أسأل الله نجاتك يا فهمان.»
***
لقد لحظ مخابرات الجانّ للملوك السبعة محاولة تسلُل أحد البشريين إلي عالمهم من البوابة الرئيسة التي يدخل ويخرج منها بنو جنسهم إلى البشر، فهرعوا جميعا لإخبار ملوكهم.
وكانت مخابرات إبليس الأسرع على الإطلاق في نقل الخبر المدوي الذي لم يحدث منذ موت سليمان ابن داوود -عليهما السلام-.
دخل رئيس المخابرات على إبليس، قال في دهشة: «سيدي الإله، ثمة خبر عجيب.»
رفع إبليس رأسه وقال بصوت خفيض: «ما هو؟»
أجابه: «يحاول أحد بني البشر الحقراء الدخول إلينا.»
هبّ إبليس -من فوق عرشه الذي يطفو على الماء- فزعا: «ماذا تقول؟ هل أرسل الله سليمان آخر إلينا؟»
قال رئيس المخابرات: «لا أدري، لكن في كل الأحوال علينا بتوخي الحذر.»
- «كيف عرفت ذلك؟»
- «يحاول فتح الانطواء المعكوف ليلج بوابتنا من خلال ثقبٍ ناريّ، وقد ألقى طعاما لبعض من بني جنسنا فأكلوه، لكنه لم يفلح في العبور حتى الآن.»
سكت إبليس لحظات يتدبر فيها الأمر، ولما تفحصه جيدا وأمعن التفكير فيه تبين له أن هذا البشري لن يكون نبيا على كل حال، وإنما هو عالم من علماء بني آدم له حظوة من العلم لم يصل إليها أحد من قبل، أو قد يكون له حظوة علم الخضر في زمان موسى.
وقال وهو يهمس بصوت يكاد لا يخرج من فيه: «النبي يعبر بكلمة من الله ولا نبي بعد محمد، أما هذا الآدمي يعبر من خلال علمه، يريد أن يعبر خط التماس المنطوي المعكوف الذي يفصل بيننا وبينه من خلال علمه.»
رفع سبابته في حالة غضب وقال: «من هو هذا الطيني يا رئيس مخابراتنا؟»
أجابه متمتما: «لم أسأل رئيس الحرس، وإنما جئت أخبرك كي تدبر أمرك، فلعل الله أحيا سليمان ليقبض عليك ويسلسلك، أو أنه أرسل نبيا جديدا ليجعل الجن تحت سخرته.»
قال إبليس في حالة غضب وزمجرة: «أيها الأبله، لا نبي بعد محمد بن عبد الله، على الأرجح إنه عالم من علمائهم لا نظير له، أريد أن أعرف من هو، ومن قرينه من الجن؟»
أرسل رئيس المخابرات إلى رئيس الحرس فأتاه في الحال، كلمه بضع ثوان ثم صرفه.
قال رئيس المخابرات: «أخبرني رئيس الحرس أنهم تمكنوا من التواصل مع قرينه، اسمه هادر.»
قال إبليس: «ماذا قال لهم هادر؟»
قال رئيس المخابرات: «أخبرهم هادر بأن قرينه البشري يدعى فهمان فطين المصري، وقد تمكن من ابتكار مختبر رهيب تحت الأرض يبلغ طوله قرابة 100 كيلومتر وقد أسماه مصادم الهادرونات المستقبلي الثاني FFC-2، ومن خلاله تمكن من طرق البوابة، وأنه لا نظير له في العلم.»
فكر إبليس قليلا وقال: «وليكن، لا يمكن أن يخترقنا وحده، ربما أحد الجان يساعده على الاختراق، أريد أن أعرف من هو هذا المرتد المارق العاق الذي ساعد البشريين علينا.»
قال رئيس المخابرات: «هو كذلك بالفعل أيها الإله، يساعده آدمي آخر يدعى جاك، بلغ من علم الفلك ما لم يبلغه غيره.»
قال إبليس: «كيف عرفت؟»
أجابه: «أخبر أحد الجان الذي يحاول إغواء هذا الجاك رئيسَ حرس البوابة بأنه شاب مسيحي، قويّ لا يخاف أحدًا ولا يهاب أحدًا، يكافئ فهمان في العلم، يحمل همّ إنقاذ العالم من الثقب الأسود الذي نصبه كون الآلات لاتخاذه معبرا لحكم كوكب الأرض.»
قال إبليس: «سيتمكن من العبور ما دام اتحد المسيحي مع المسلم للنيل منا.»
وأخذ يفكر إبليس تفكيرا عميقا ورئيس المخابرات يرقبه ويحدث نفسه: تُرى في ماذا يفكر هذا المجنون؟
قال إبليس: هل وصل الخبر إلى محرز ملك الجان الأحمر؟»
قال رئيس المخابرات: «أكيد أيها الإله.»
قال إبليس: «اسمع يا رئيس مخابراتنا، خذ فرقة من جنودنا الخلّص، ومن بينهم ابني سارخ، يتسللون عند مكان البوابة حتى لا تراهم مخابرات الجان الآخرين، فإذا عبر فاقبضوا عليه وأتوني به على الفور، ولا يمسه أحد منكم بسوء.»
سكت برهة ثم قال: «وليكن سارخ على رأس هذه الفرقة.»***
وقد دار حوار بين ملك الجان الأحمر الملك محرز -الذي يدعى الملك الصالح وهو عدو إبليس اللدود- ورئيس مخابراته أشبه بحوار إبليس مع رئيس مخابراته.
وقد أصدر الملك محرز أمرا إلى قادة جيوشه بأن ينتظروا فهمان عند البوابة المعكوفة، ويظفروا بإحضاره قبل أن يظفر به إبليس.
وعلل الملك محرز ذلك بأن فهمان قد بلغ من العلم قدرا قد يحتاجه في حروبه الدائرة بينه وبين إبليس.
وبعد أن أصدر أمره رجع إلى نفسه وقال: الأمر شورى فلم إذن أصدر أمرا دون أن أشاور بطانتي الصالحة.
لذلك التفت إلى شمهروش قاضي القضاة وقال: «أتظنني جانبت الثواب؟»
أجابه: «أصبت ولا ريب أيها الملك العادل، وليوفقك الله في سعيك.»
قال محرز وهو يهز رأسه بصوت غير مسموع: هذا رأي الدين، فما رأي العلم إذن؟
لذلك التفت إلى وزير العلوم والتكنولوجيا وقال: «وما رأيك أنت؟»
فردّ عليه الوزير: «سيدي الملك المعظم، بعد الاطّلاع على ملف الآدميّ فهمان أرى أنّه إذا انضمتْ علومنا إلى علومه فقد نبتكر أسلحة جديدة تكون لها الكلمة العليا في حروبنا الدائرة ضد إبليس الملعون.»
قال محرز: «إذن قُضي الأمر، اذهبوا بالجيش هناك، ولتكن معركة من أجل إحضار ابن الرجل الصالح فطين المصري.»***
ذهب رئيس ناسا إلى المرصد ليتابع تطورات الثقب.
فور أن وصل أرسل في طلب بعض الطعام، ثم جلس يفكر لحظات في شأن القنابل.
قال: لقد هدأ الصراع بين أمريكا واليابان، لكني لن أترك اليابان دون عقاب.
وأحمد الرب أيضا أن الصراع بيننا وبين الكتلة الشرقية انتهى، وأتمنى أن يتحقق حلمي وحلم جاك في إنهاء الصراع على حكم العالم بعد أن لطمهم هذا الرابض في السماء لطمة إفاقة أعلمتهم حجم قدراتهم رغم ترسانات النووي الضخم التي يمتلكونها.
ووصل الطعام، ومد يده ليلتهم أول ساندويتش وهو يقول: والآن لننظر في الثقب.
ومضغ أول لقمة دخلت فمه، وبينما هي في طريقها إلى البلعوم وقفت، ثم لفظها في فزع بالغ وقال: رباه ماذا أرى؟!
وأخذ يسعل سعلا شديدا، فمد يده إلى كوب الماء بيد مرتعشة وهو لا يزال ينظر إلى الثقب، فضربت الكوب فانسكب على الماء فلم يكترث لذلك، حيث إن الفزع أنساه من هو.
قال: أهذا ثقب سحابة أورط أم لا؟ يا للمسيح.
أرسل يستدعي صور الأقمار الصناعيّة الموجّهة عليه لرصده وكذلك المراصد الموجودة على المركبات الفضائيّة.
ثم هاتف بك ليحضر بسرعة.
وجاء بك بصور الأقمار الصناعية.
قال بك: «إنه هو ثقب سحابة أورط.»
قال رئيس ناسا: «لكن حجم الثقب كان أصغر بكثير من قبل.»
نظر بك إلى الصور وقال له: «انظر ماذا رصد القمر الصناعي، إلتهم الثقب جرما كبيرا، جذبه الثقب عندما وقع في أفق حدثه.»
سكت بك لحظة يزفر زفرات ضيق، ثم قال: «وهذا التضخم قد يحدث تغيرا في نسق المجموعة الشمسية.»
قال رئيس ناسا: «حلل بقية صور الأقمار الصناعية.»
نظر بك في أكثر من صورة، قال: «هو بالفعل أحدث خللا في نسق المجموعة الشمسية، كوكب، كوكب بلوتو بدأ يتأثر بجاذبية الثقب نتيجة لتوسع أفق حدثه فقلت سرعته بمقدار واحد من ألف، وبالتالي قل عدد دورانه، ولم يسلم أيضا من جاذبيته كوكب نبتون، ولو تضخم فقد يمزق كلا الكوكبين.»
نكس بك رأسه في الأرض، أما رئيس ناسا فزفر غاضبا وهو يقول: «وأين ابن الكلب الآن؟ تركنا وراح يتنطع مع هذا الفهمان.»
ورفع سماعته وهاتف جاك وطلب منه العودة بالأمر بعد أن أخبره بأمر الثقب.
بعدها قال: «يا بك، لتسلط كل تلسكوباتنا ومراصدنا نحو الثقب والكواكب الشمسية، أريد تقريرا كل ساعة عن التطورات التي أحدثها ذاك الملعون الرابض في السحابة.»
***
حزن جاك حزنا شديدا بعد سماع خبر تضخم الثقب الأسود، وكتم حزنه بداخله وآلى على نفسه أن يتحمل ذلك دون مشاركة فهمان في مشاعره الحزينة حتى لا يؤثر على حالته النفسية فلا يتمكن من العبور.
***
اِستأنفا التجارب بعد مكالمة رئيس ناسا مباشرة، وكرّرا التجربة هي هي لتحديد موضع ثقب البعد الشيطانيّ، وتمّ حساب الطاقة اللازمة لتوليده من خلال خوارزميّات معقّدة جدًا وتبيّن أنّه يحتاج إلى طاقة 411 تيرا إلكترون فولت بالضبط.
تمّ إنجاز التجربة على هذه الطاقة لتوليد ثقب الشيطان.
قام جاك بتوسعته بضرب ذرات الرابيديوم المبرّدة المتمركزة في وسطه بوساطة حزم الليزر، وتقدّم فهمان واجتاز حتى عبر، وقبل العبور مباشرة قال له جاك: «هذه هي رسالة الربّ يا فهمان، هذا هو تفسير الحلم الذي كنتَ تراه في حياتك، هذا هو سمّ الخياط، هذه هي حضارة النار، وسوف تنجّيك لفافة النّور من جآنٍ صالح ، سوف تحيا بعد عشر سنين ،، سوف تموت عشر سنين ، سوف تحيا بعد عشر، تموت وتحيا، تموت وتحيا.»
رفع جاك يده اليمنى، ظهرها في مواجهة وجهه، يحرّكها يمنة ويسرة ببطء شديد كأنّه لا يقوى على تحريكها ويقول والدمع ينهمر من عينيه: وداعًا إلى الأبد يا أغلى الناس، وداعًا إلى حين نلتقي في جنّة الربّ يا أطيب الناس، وداعًا يا فهمان.
وشعر جاك بأنّ نصف جسده قد انسلخ عن النصف الآخر وأنّه واقف على قدم واحدة، انكبّ على وجهه بعد أن وهنت قدماه، ثم انتفض عندما تذكر كارثة الثقب، فخرج في التو متوجها إلى ناسا.
خرج فهمان من الفتحة المقابلة للثقب الدوديّ، وفور أن فتح عينيه أغلقهما على الفور من قبح ما رأى، حتى أصابه دوار وتقيأ، ثم ما لبث أن فتح عينه فوجد نفسه بين كفي رحى عفريت من عفاريت إبليس.
يرى أمامه آلاف من هذه المناظر القبيحة، بينما يرى أيضا تموجات كتموجات الجاذبية، فأدرك عندها أن هذه مجموعة من الجان في تتحرك بسرعة تقارب سرعة الضوء، ولا يكاد يرى لعفريت إلا لحظة سكونه أو يتحرك حركة بطيئة.
وسمع أصوات مختلطة، ما بين اصطكاك السيوف وصوت الذبذبات وتصفير الرياح.
ورغم أنه يعلم أنه قطع ملايين الكيلومترات وهو في كف العفريت إلا أنه لم يشعر بأنه يتحرك، فعلم أن سرعة العفريت فائقة قد تصل إلى سرعة الضوء، وهذا بمنزلة مؤشر له أن مساحة أرض الجان قد تبلغ مساحة المجموعة الشمسية بمئات المرات، وربما آلاف المرات.
الحرب…
أخذه العفريت وطار به في الهواء قاصدًا إبليس، بينما الوالي برقان (أحد ولاة الملك محرز على بعض المناطق) يحاول أن يدركه قبل الفرار، وبالفعل أدركه وبتر يده الممسكة بفهمان ثم تلقفه وطار به هو الآخر قاصدا الملك محرز.
ولم يكن الصراع حول الظفر بفهمان فحسب بل تقاتل الجيشان وسقط منهم الكثير، ما بين قتيل وجريح، لكن غرض القتال هو أيضا الظفر بفهمان.
وظل الوالي برقان يطير بفهمان في جزء من الفيمتوثانية، عندها ظن أنه ظفر بفهما بسبب طول المدة التي لم يدركه فيها أحد فنادى على الوالي ميمون أبانوخ بأن ينادي في الجيش بالرجوع. وفجأة
نادى برقان على الملك ميمون أبانوخ بعد أن حاز فهمانَ أنِ ارجعْ بالجيش كي نذهب إلى حصوننا عند الملك محرز .
رمق ساروخ ابن إبليس الملكَ برقانَ وهو يرحل من المعركة بفهمان ، فترك موقع قتاله وطار خلفه ليدركه ، فتقاتلا ، وكان برقان يقاتله بيدٍ واحدة لأنّ الأخرى ممسكٌ بها فهمان ، طالت المبارزة طويلاً .
سارع الجمعان نحو الملكيْن برقان وساروخ ، أي نحو الهدف ، فدعّم أحدهما برقان والآخر ساروخ من أجل الظفر بفهمان .
استطاع أحد العفاريت العمالقة العتاة خطف الهدف من يد برقان المنشغل بقتال ساروخ وطار به قاصدًا إبليس ، وإبليس يصفق مشجّعًا عفريته ، طار خلفه ميمون أبانوخ وناوره مناورة كبيرة ، فلمّا وجد العفريت العملاق أنّه لن يستطيع مجاراة أبانوخ بيدٍ واحدة ألقاه إلى أخيه العملاق الآخر ، وظلا يتقاتلان ولم يتغلبْ أيّ منهما على الآخر .
سعى خلف العفريت العملاق الآخر كهيال وتبعه هلال وهياكل وأتباعهم فتغلب عليهم جميعًا وقتلهم ، فترحّم عليهم محرز متوجعًا ، بينما نجد إبليس يحتفل بأداء طقوس رقصته الرائعة .
ترك أبانوخ مبارزة العفريت العملاق سعيًا خلف الفتى بعد أن استطاع أخيه قتْل بعض جنوده الكِفَاء، ظلّ يطير خلفه وتبعه بالطبع العفريت العملاق .
أدركه أبانوخ وقتله ، وطار بفهمان ، نظر أخوه العفريت إلى أخيه المقتول فصرخ تفجّعًا عليه ، ثمّ هبّ وقلبه مملوء بغلّ الثأر وسعى خلف أبانوخ لكنّه لم يدركه ، نظر إبليس إلى المشهد وأيقن أنّه خسر المعركة فهبّ منتفضًا وطار قاصدًا ميدانها .
وكاد الجيشان بفضّ الاشتباك لظفر أبانوخ به حتى ظهر في الأفق إبليس ، جاء مسرعًا يحمل سيفًا بتّارًا وهجم على أبانوخ وكاد أن يقتله لولا أن تداركه على الفور بعض ملوك جنّ الأرياح وزميله برقان واجتمعوا على إبليس فأسقط الكثير منهم على الأرض صرعى واستطاع أن يخطف فهمان من يد أبانوخ .
لم يتمالك محرز نفسه ، وآثر المغامرة بحياته قبل أن يقتل إبليسُ خيرة رجاله ، وطار يقاتل مع الجمْع ومن خلفه العجوز شمهروش ، قطع محرز يد إبليس اليسرى وأخذ الفتى وتمْت التغطية عليه من أمامه حتى لا يدركه إبليس أو أتباعه ، وبفضل هذه التغطيّة الكبرى والذي ضاع فيه رقاب كثير من أتباع محرز الملك الأحمر استطاع الفكاك بفهمان والذهاب به إلى معاقلهم .
انفضّ الاشتباك فلا جدوى من القتال لإنّ الهدف ولّى ، ومضى كلاهما إلى معاقله غير العفريت العملاق الذي مات أخوه ، ظلّ يندب ويحثي على وجهه النار متحسرًا على أخيه الهالك ويتوعّد أبانوخ ويقول لن أترك ثأر أخي يا أبانوخ ، سأقتلك .
غرفة التخليق الجنيّة..
أجلسه الملك محرز ودار بينهما حوار طويل يخصّ مسالة الإيمان والكفر والإنس والجان ودوري الجنّ والنفس في إغواء البشر .
وكان النقاش محتدمًا حول قدرات الجنّ الخارقة إزاء قدرة البشر المتواضعة إلَا أنّ فهمان حاول أن يقنعه أنّ العلم أقوى من القوى الجسدية .
لكن الملك محرز كان أكثر منه حكمة وإدراكًا ، وعليه قرّر دخوله في سُبات عشر سنوات بالغرفة الثلجيّة الخاصة بهم لحين إعادة تشكيل خلقه ليكون نصفه الأيسر الرأسيّ جان والنصف الآخر إنسان .
وعلى ذلك يكون باستطاعة فهمان الانضمام إلى جيوش الملك محرز لنصرته ضد إبليس وأعوانه .
فقال له فهمان ..ماذا قلت ؟ سبات عشر سنوات !
ردّ محرز ..ما العجب في ذلك ؟
ردّ فهمان ..تكنولوجياتنا لم تصل إلى ذلك مطلقًا.
ردّ محرز ..يا فتى هذا أحدث ما وصلتْ إليه علومُ الجان منذ بدْء الخليقة.
واعلمْ أنّ البُعد الذي نعيش فيه سيمكنك من اختراع وابتكار أشياء أكثر بكثير مما اخترعتموه على أرضكم ، ثمّ تابع كلامه مؤكدًا ومفسرًا ..
طبيعة أرضنا يا فهمان تختلف عنكم كثيرًا ، فمثلاً يستطيع أحد الجان حمْل أشياء ثقيلة كمنزل مثلاً من منازلكم .
بعد ذهول مشوب باليأس انتاب فهمان سأله..وهل تظنّ أنّني استطيع مساعدتكم ؟
ردّ محرز ..كثيرًا ، كثيرًا جدًا يا فهمان ، لأنّ طبيعة أرضنا ستمكّنك من عمل أشياء أنتم في عالمكم وأرضكم تعتبرونها خوارق ومعجزات .
فسأله فهمان من جديد ..وهل تظنّ أنّني أستطيع أن أكسر تلك الوساوس التي تصل إلى عالمي ؟
ردّ محرز ..بالطبع لو استطعت أنا كسب جولات الحرب ضد إبليس .
لم يجد فهمان بُدّا من الخنوع لرأي الملك محرز لأنّه الأصوب والأفضل .
وهمّ فهمان بالدخول في الغرفة الثلجيّة لأداء السبات امتثالاً للأمر دون أدنى فكر ، فاستنبهه محرز قائلاً ..إلى أين يا فهمان ؟
فردّ إلى الغرفة الثلجيّة .
فردّ ..وحدك !
أجاب ..وهل سيدخل أحد معي ؟
ردّ ..سيدخل معكَ متطوّع ، سنشقّ جسده رأسيّاً فيما بعد كما سنشقّ نصفك أنت أيضًا ، نهبك نصفه وتهبه أنتَ نصفك ، أي تقومون بعملية تبادل .
ردّ فهمان ..وهل يسعفكم علمكم في إتمام عمليتين مثل هاتين ؟ نحن بنو البشر ما وصلنا لهذا التقدم الرائع .
ردّ محرز ..أصارحك يا فهمان أنّ العملية خطيرة جدًا وليس لديك بديل ، حيث أنّ قدراتك ضعيفة وقتلك محتّم .
ردّ فهمان ..ألَا تتمّ هذه العملية في ساعة أو عشرة ، سنة أو سنتين ؟
ردّ محرز ..لا ، إنّها عملية تخليق ، إنّنا نقوم بردّ الروح وحبسه عند خروجه من جسدك ، كما أنّ التحام شقي الجسد عملية صعبة وبالغة الخطورة أيضًا بسبب اختلاف نوع الشقين ، إذ أن أحدهما من نار والآخر من طين ، إنّها يا فهمان عمليّة تكوين في رحم الغرفة الثلجيّة وستستغرق عشر سنوات قد تزيد أو تقل قليلاً .
ودخل فهمان ومعه عفريت من الجِنّ وهو أقوى عفاريت الجنّ على الإطلاق للقيام بأداء العملية .
الجزء الثاني والخمسون
بعد عمل الاستخبارات المطلوبة والتي استغرقت قرابة خمسة عشر ساعة قرّروا الاقتحام .
اقتحمتْ الفرقة المقاتلة الإسرائيليّة المكان ، فوجدوا جاك فيها ولم يجدوا فهمان ، فسألوه عن فهمان .
قال لهم مَن أنتم ؟
قالوا لا شأن لك بهويتنا ، إنّما نسألك عن فهمان .
تفحّصهم جاك ودقّق في لغتهم الإنجليزية المضطربة فعلم أنّهم إسرائيليون ، كما أنّ أشكالهم تنمّ عن هويّتهم ، فراوغهم وقال ..أنتم من جنود إسرائيل الشقيقة ، إن كنتم تريدون فهمان فقد ترك هذا العالم وذهب .
ها هو المصادم ابحثوا عنه كيفما تشاؤون إن لم تصدقونِ .
وبعد البحث صدّقوه بالفعل لأنّهم يعلمون أنّه كان موجودًا منذ قليل ، فهمس أحدهم لكبيرهم أنّنا علينا إرغام جاك بصنْعها .
وقال كبيرهم بالفعل لجاك ..جاك اصنعْ لنا هذه القنابل .
قال أنا رائد فضاء ولست متخصصًا في الفيزياء النوويّة ، لا يعرف سرّ صنعها إلّا الملعون كاجيتا والعابر “يقصد فهمان”.
فقال له يا جاك لا تضطرنا لإجبارك على صنْعها ، اصنعْها فأنت تعلم أن أمريكا وإسرائيل دولة واحدة .
ردّ جاك ..لو أنّي أستطيع لهاتفتُ رئيس الولايات وأخبرته برغبة إسرائيل في الحصول على القنابل لكنّي لا أستطيع صنعها .
سأله .. ومَن صنع القنابل التي تمتلكها دولتك الآن ..ألست أنت ؟
ردّ جاك ..لا ، إنّما صنعها فهمان العابر وأعطانيها فأرسلتها .
صمت كبيرهم لحظات وشعر أنّ الأمر تعقّد إذ إن جاك يأبى طاعتهم ، ولذلك خشي أن يورّط نفسه ودولته في عمل قد يتسبّب في خلْق أزمة بينها وبين أمريكا ، فراسل يعقوب إسحاق على الهاتف يخبره بتفاصيل الأمر كلّه سواءٍ الخاصة بعبور فهمان وتركه العالم البشريّ إلى الأبد أو بسلوك جاك المخادع .
قال له إسحاق ..إذن فالكارت المضمون غوائله هرب وترك العالم ، أمّا جاك فأنا متأكد أنّه هو الذي صنعها وليس العابر ، وحتى لو صنعها العابر فجاك يعلم سرّ صنْعها .
ثمّ استطرد ..لديك في فرقتك بروفيسور في علم النفس ، اِجعلْه يكلّم جاك باللين والتؤدة ونفّذْ ما يقول لك على الفور دون الرجوع إلىّ .
امتثلَ للأمر ، ابتعدَ الجميع وجلسا معًا منفردين ، جلس طبيبُ علم النفس مع جاك وظلّ يحادثه أكثر من ساعة ثمّ نهض وكلّم قائد الفرقة .
قال له ..سيدي القائد ، جاك هذا لن يصنع لكم شيئًا ولو عذبتموه حتى الموت ، هو لا يعطي شيئًا بالإكراه أبدًا .
سيدي القائد جاك يستمدُّ عزيمته وقوّته من عقيدة يتبناها ، تلك العزيمة لا تهون ولا تتزعزع أبدًا ، ولو قال لي أحد أنّه قتل فرقة الساموراي وحده لصدقته .
سيدي القائد ..أيّ عملية إرغام لجاك سوف تُكلف دولة إسرائيل الكثير، فعليكم باتباع أسلوب آخر معه ، خادعوه ولا أظنّ أنّ خداعكم سيجدي نفعًا لأنّه مدرك ومحيط بكلّ ما يدور حوله .
سمع القائد هذه الكلمات ولقد قرّر الانسحاب بعدما يأس تمامًا من جاك ، فنهض وسلّم عليه واحتضنه ثمّ قال له ..إنّ يعقوب إسحاق يسلّم عليك ويدعو لك بالتوفيق .
وانسحبت الفرقة وتركته.
بعد رحيلهم مباشرة كتب جاك خطابًا ووضعه في غرفة مبيت فهمان ، ثمّ أعد حقائب سفره ورحل قاصدًا بلده وبالتحديد جزيرة ماوي جهة المحيط الهادي.