فن الدعوة بحسن الخلق مع المدعو

فن الدعوة بحسن الخلق مع المدعو
نايف المصاروه

لما جيء بسبايا بني طيئ إلى المدينة المنورة وأدخل السبي على النبي
عليه الصلاة والسلام، أدخلت مع السبايا سفانة بنت حاتم الطائي ،ولم يكن يعرفها احد ،فقالت :يامحمد ،هلك الوالد ،وغاب الوافد ، فأن رأيت أن تخلي عني ولا تشمت بي الأعداء من قبائل العرب ،فأني أبنةُ سيد قومه، وأن أبي كان يُحب مكارم الأخلاق،وكان يُطعم الجائع ،ويفكُ العاني ويكسو العاري ، وما أتاهُ طالب حاجة إلا ورّدهُ بها معززاً مكرّماً .
فقال عليه والسلام”ومن والدك و من وافدك ؟
فقالت: والدي حاتم بن عبدالله الطائي ، ووافدي أخي عدي بن حاتم ،وكان عدي قد فرّ الى الشام بعد هزيمة قبائل بني طي أمام المسلمين في السنة التاسعة من الهجرة ، ثم تنصّر هناك وإلتجأ إلى ملك الروم ، فقال صلى الله عليه وسلم:فأنت أبنة حاتم الطائي ؟
قالت:بلى..
فقال عليه السلام :يا سفانة ،هذه الصفات التي ذكرتيها إنما هي صفات المؤمنين ، ثم قال لأصحابه : أطلقوها كرامة لأبيها لأنه كان يحب مكارم الأخلاق!!
فقالت:أنا ومن معي من قومي من السبايا والأسرى ؟
:فقال عليه السلام:أطلقوا من معها كرامة لها ولأبيها ، ثم قال عليه السلام :أرحموا ثلاثاً ، وحق لهم أن يُرحموا :عزيزاً ذلّ من بعد عزّهِ،وغنياً افتقر من بعد غناه ، وعالماً ضاع ما بين جُهّال.
فلما رأت سفانة هذا الخلق الكريم، ،قالت وهي مطمئنة :
أشهد أن لاإله إلا الله،وأشهد أن محمداً رسول الله، وأسلم معها بقية السبي من قومها ، وأعاد عليه السلام، ماغنمه المسلمون من بني طيئ إلى سفانه، ولما تجهزوا للرحيل طلبت سفانة من النبي عليه السلام ،الأمان لأهلها الذي صعدوا إلى صياصي الجبال خوفاً من المسلمين فأرسل معها علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
ولما وصلوا إلى منازل بني طي في (جبل أجأ)ونادى علي رضي الله عنه،على الناس بأمان رسول الله ، فلما سمعوه،نزلوا جماعات وفرادى ،وكم كانت فرحتهم ،عندما وقعت أبصارهم على نسائهم وأبنائهم وأموالهم وقد ردت إليهم ،ولم يمض ذلك اليوم إلا ودخلت كل قبيلة بني طي في الإسلام .
ثم بعثت سفانة الى أخيها عدي تخبره عن عفو الرسول عليه السلام، وكرمه وأخلاقه،وحثـّتهُ على القدوم إلى المدينة المنورة ،لمقابلة النبي عليه السلام ،والإعتذار منه والدخول في الإسلام ،فتجهز عدي من ساعته وقصد المدينة ودخل على الرسول عليه السلام ،وأعلن إسلامه ،ثم عاد الى قومه معززاً مكرماًً حتى اصبح بعد ذلك من خيار المسلمين .
هذا الخلق النبوي،غير حياة قوم ،بل أمم بأكملها من الكفر إلى الهداية، ومن العداوة والبغضاء، إلى المحبة والمودة،وأعاد للناس ثقتهم بأنفسهم ومنحهم الدافع للإنخراط في المجتمع وحفظ أمنه،والمساهمة في التطور الإنجاز،والتحديث والبناء.
أن الإنسان عندما يشعر بعزته فلا يهان وتحفظ كرامته فلا تمتهن ،وتصان حريته فلا يذل، وتحفظ حقوقه فلا تسلب او تصادر منه ، فأنه تلقائيا سيتحول إلى إنسان صالح في ذاته ،مصلحا لغيره ،منتجا ونافعا لمجتمعه، وأمته التي ينتمي اليها، ويصبح تفكيره دائماً في دائرة الخير والبناء و الإصلاح ، ولا يدع نوازع الشر والتمرد تتسلط عليه.
وهذا كله تم ترجمته واقعا عمليا ،من خلال الموقف اﻹنساني المسؤول للنبي الكريم عليه السلام، والخطوات المسؤولة التي اتخذتها القائد الصالح ليكون نموذجا وقدوة، لتستشعر الرعية كلها مفهوم المسؤولية المشتركة،وفي كل مواقعها وتخصصاتها ابتداء من الفرد والأسرة وحتى الجماعة ثم إلى الامة والعالم كله.
هكذا يجب أن يكون كل قادة اﻷمة وسادتها وساستها وصناع القرار فيها.
وهكذا يجب أن يظهر الإسلام الحقيقي ،لكل من يحمله ويدعي اﻹنتماء اليه ،من خلال حسن السلوك والمعاملة،وكريم الخلق وطيب المعشر، ولكل افراد الأمة ، ومن يتخلق بعكس ذلك، فهو لا يمثل إلا نفسه، ولا يمثل الإسلام في شئ من سوء سلوكه ،ولا يجوز لنا أو لغيرنا ان نأخذه نموذجا او مقياسا للإسلام والمسلمين مهما كان مسماه أو نسبه او مظهره ،او درجة علمه وغناه.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى