فن الحياة / احمد المثاني‏

.. في مقارنة موضوعيّة ، و بشيء من التأمل ، في أنماط الحياة التي يعيشها الناس في الشعوب و الثقافات المختلفة – ندرك كم نحن نحيا حياة أشبه ما تكون أنها نقيض الموت ! فنحن و إن ولدنا غير مخيّرين ، إلا أننا ، و على الأغلب ، نعيش حياتنا بما وجدنا عليه آباءنا .. من حيث نظرتنا للحياة و الاستمتاع بمباهجها و التمتّع بأوجه الجمال فيها .. أقصد أن حياتنا في مختلف مراحل أعمارنا ، هي تقليد و روتين و خضوع للعادة ، حتى لتبدو الأيام و كأنها مستنسخة .. فيومنا مثل أمسنا .. و سنوات أعمارنا مجدبة الا من بعض المحطّات القليلة .. ننشأ على مقولات و أمثال و أنماط تربية لا تبعث على الاكتشاف أو المغامرة .. أو الابداع أو التميّز .. فنحن نخضع لعملية تنميط ، تسهم الأسرة و المدرسة و المجتمع فيها . نتعلم بطريقة واحدة .. و نحفظ معلومات واحدة ..و نأكل و نشرب طعاما متشابها .. و نتزوج وفق تقاليد مشتركة .. بدءاً من الاختيار الى الحفلات و الأفراح .. و كذلك نصبح آباء نربي أبناءنا بمثل تربيتنا من الجمود و أحياناً بفرض رغباتنا التي فشلنا في تحقيقها . فالمعظم منّا يريد أن يرى ابنه مهندساً أوطبيباً .. و نحن نختار له ما يلبس و ما يأكل .. و من يتزوج !! أنظر ، فأرى شعوباً ، تتربّى على التغيير و التنويع في وسائل العيش و أنماط التفكير .. و فن الحياة .. فالأبناء لهم حرية الاختيار ، بما يعزّز فيهم روح الاستقلاليّة عن حضانة الوالدين ..التي تمتد لدينا إلى سنّ الزواج ! و نجد أساليب تربية تشجّع على المغامرة و الرحلات و الاستكشاف .. فأبنأوهم يتنقلون من بلد إلى بلد .. و من قارّة إلى قارّة .. و يجتازون الغابات و الأدغال و الصحارى .. و يعايشون أهل تلك المناطق .. أنظر ، الى أولئك القوم ، فأجدهم يستمتعون بعيشهم ، فلديهم مختلف الهوايات .. فيتسلّقون الجبال و يقتحمون المحيطات و يزورون المتاحف .. و يرتادون المكتبات العامّة .. و يلعبون و يلهون .. لكنهم في العمل ، ينتجون و يحترمون الوقت و يغارون على مصلحة بلادهم .. و يمتثلون للقوانين .. و يحافظون على جمال البيئة و نظافة الشارع و الميدان .. أنظر ، فأرى أناساً يتعاملون باحترام و دون تدخّل في الخصوصية .. أرى أناساً يقدّرون الجمال ، و يتبادلون الهدايا بالورود و الأزهار و بيوتهم تطوّقها الأشجار و الأزهار و ميادينهم يستوطنها الحمام .. هذه الصور ، يحدّثك عنها كل من سافر و رأى تلك البلاد .. و قد يقول قائل هذا اعجاب مبالغ فيه .. و الصورة في بلادنا ليست بالقتامة التي تبعث على اليأس ، لا سمح الله . صحيح .. و لكن أجد الغالبية منّا لا تجيد فن الحياة .. و نظرة الى مفهوم التقاعد من الوظيفة أو العمل .. لتريك .. كيف نحن نستسلم .. و ننتظر الموت .. و غيرنا ، تبدأ عندهم حياة جديدة ، بعد التقاعد . زوروا البتراء .. و انظروا كيف يستمتع السيّاح و حتى العجائز منهم .. بركوب حصان أو تسلق ربوة .. و مشاهدة تلك المعالم .. بروح الفرح و الدهشة .. إنّهم يتقنون فن الحياة .. – أحمد المثاني – مع الشكر للفاضلة غادة المعايطة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى