فنجان قهوة وقضية!

مقال الخميس 12-10-2017
النص الأصلي
فنجان قهوة وقضية!
كانت المرة الأولى التي أطلب بها إلى محكمة في قضية “تخاصم” أو شهادة ، وهي المرة الأولى التي أقف بها أمام قاضٍ يقرأ فيها اسمي الرباعي من ملفٍ داكن فيه أوراق كثيرة؛ وكالة ، ،بينات خطية ورسوم توكيل ، على يمين القاضي سيدة وقورة بمهنة طابعة تنقل البيانات من هويتي الشخصية وتكتب كل ما يقوله حضرة القاضي لها ، لم يكن خصمي شخصاً عادياً في القضية الأولى..كان رئيس وزراء سابق له حضوره ونفوذه ينوي بمقاضاتي “تربية” وإرهاب باقي الصحفيين الذين يفكّرون أن يأتوا على سيرته السياسية بسوء..
**
وصلتُ قصر العدل في تمام الساعة الثامنة من صباح ذلك اليوم نظرت الى القبة العالية ،الثياب السوداء للأساتذة المحاميين تطوف حول كشك خدمة الجمهور، دفاتر أجنده محشوة بالمواعيد، وملفات على أذرعهم ، ومتدربون مستعجلون نحو الطابق الأول يقبضون بجدية على التزام المهنة، بقيت أقرأ المكان الواسع الكبير لأتوجه الى غرفة التقاضي التي أجهلها ..فجأة ظهر أمامي الزميل نضال منصور رئيس مركز حماية وحرية الصحفيين يرافقه محاميان من المركز آنذاك أ.أكرم الزعبي و أ.مروان سالم، ثم حضر الأصدقاء يوسف غيشان محمد أبو رمان وجمال الدويري وزميلات وزملاء آخرين يصعب حصرهم الان ،حضروا جميعاً في تمام الثامنة للوقوف إلى جانبي ..قلت في نفسي مهما كانت النتيجة فقد ربحت القضية…يكفي أن هؤلاء جاؤوا ليقولوا نحن مع حرية الصحفيين!..
نضال منصور قال لي كلمتين : “تخافش معلم هظول الشباب رح يظلوا معك” الأساتذة من محاميين المركز..ثم ذهبنا أنا ونضال لنشرب القهوة في غرفة أحد المدّعين العامين، كان رئيس مركز حماية وحرية الصحفيين يريد من خلال فنجان القهوة ان يوصل رسالة بغرفة المدعين العامين أن “توقيف” هذا الشخص يعني “توقيف” حرية التعبير في الأردن..وللأمانة كان التجاوب مريحاً ومحترماً من الحضور ..
هذا موقف شخصي حدث معي ، لكن ما أريد قوله أن مركز حماية وحرية الصحفيين تحمّل عشرات القضايا ودافع عن عشرات الصحفيين ، منذ 18 عاماً كان يقف في صف حرية الرأي والتعبير في الوقت الذي كانت المؤسسات الصحفية والنقابة تتخلى وتتراجع حسب قوة وضعف إداراتها ، المركز عقد عشرات الدورات التدريبية للحماية القانونية للصحفيين المتمرسين والصحفيين الجدد وحتى للراغبين في دخول هذه المهنة ، استفاد العشرات وربما المئات خلال السنوات ال18 الماضية ،ولم يفدم نفسه كمنافس لأحد او بديل شرعي لأحد على العكس غالباً ما كان يبحث عن أداور تكميلية تخدم من يعملون في هذا القطاع الحساس…
**
الاسبوع الماضي جاءتني رسالة نصية من المركز تطلب مني بأسف شديد واعتذار مؤدب عن الاستمرار بمتابعة قضاياي التي كان يتولون مسؤولية الدفاع عني أمام المحكمة ، لأن المركز يتعرض لتضييق حكومي شديد يمنعه من مزاولة عمله ،وقد “أوقف” فعلياً عن متابعة أعماله بقرار مراقب الشركات لغايات التصويب..فتيّقنت ان هناك إرادة لتذويب كل ما هو مستقل وفاعل وصوته مرتفع في هذا البلد ..بحجج مخالفة نشاط الترخيص والتمويل والصالح العام ..
أتمنى أن يعود المركز إلى سابق نشاطه ، والى حيويته ،والى مكانه الطبيعي..أعرف أن كلامي هذا لن يعجب البعض ، واعرف أيضاَ أن الخصوم كثر ، لكن الحلفاء كثر أيضاَ…ولا بد من إنصاف من عمل وقدّم حتى وان كان هناك اختلاف في التوجه والاجتهاد ، شكراً للمركز على كل ما قدّم للجسم الصحفي خلال مسيرته الطويلة المحفوفة بالشوك والشكوك والتحدي..شكراً لأن ثمة خطى كانت ترافق خطانا الى قاعة المحكمة..ولم نكن يوماً وحدنا…

شكراً على فنجان القهوة وسلام على ذاكرة القضية!

احمد حسن الزعبي
ahmedalzoubi@hotmail.com

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى