فما قدّمت لنفسك
رقية القضاة
هي النفس الامّارة بالسوء ،تظل أبدا مصدر الذنب والمعصية،هي النفس التي تطمع في المزيد ،وتطمح إلى البعيد،هي النفس نزكّيها لو شئنا فنفلح ،وندسّيها لو شئنا فنخيب،وترسلنا نحو مهاوي الهلكة ،حين نطلق لها العنان ونسلّم قيادها للشيطان،فيلهو بنا ويتلاعب ،ويضلّنا ويمنينا، ويعدنا بالمنى الخلّب ،والأماني العذاب،فنصحو،وقد امتلأت جوانحنا وهما وسرابا ،وقد جنينا المعاصي والذنوب ،فأحاطت بنا خطايانا التي اكتسبناها ،وذنوبنا التي اقترفناها،وانتهينا إلى غضب وعنت وعذاب.
وهي النفس حين تسلم قيادها لله العظيم،وحين ترد ورده الرّحيم ،وحين تتطهّر من أدران الجهل والجهالة،فتمتطي أعنّة العطاء والبذل ،وترتاد آفاق الطاعات الرحيبة البديعة ،وهي النفس حين تعلو على قيم التخلف الإنساني ،وترتقي منابر الرقيّ ،وتتعالى على وسوسة الشيطان،وتلقي بعيدا بعيدا ذاك الرداء الخادع من زركشة الوهم ،ولمعان السراب ووعد الغرور ،ذاك الذي يمنيها به الشيطان ويعدها إياه ،وهي في حالة صحو دائم ويقظة ذكية ،تدرك أن الشيطان لا يعدها إلا غرورا،وهي في حالة ذكر دائم ،أن الموت حق،وأنّ البعث حقّ ،وأن الحساب حق،وأن الجنة حق،والنار حق ،وانه ليس بعد الحق إلا الضلال،فتعمل دائبة ألاّ تكون من أهل الضلالة ،وتتبع خطوات النبي،والذين صحبوه واتبعوه،فتهتدي بهديهم وتسير على نهجهم املا في النجاة والرضى ،والعفو يوم اللقاء،والفوز عند الحساب .
وتسترجع القلوب الحية المؤمنة والنفوس المزكّاة أبدا ،قول رسولها الحبيب الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم حين دخل المدينة المنوّرة : (اما بعد ايها الناس فقدموا لأنفسكم ،تعلمن والله ليصعقن أحدكم ،ثم ليدعنّ غنمه ليس لها راعٍ ،ثم يقول له ربه وليس له ترجمان ولا حاجب يحجب دونه :ألم يأتك رسولي فبلغك ؟وآتيتك مالا وأفضلت عليك ؟فما قدمت لنفسك ؟؟فلينظرن يمينا وشمالا فلا يرى شيئا؟ ثم لينظرن قدامه فلا يرى غير جهنم ،فمن استطاع ان يقي وجهه من النار ولو بشق تمره فليفعل ،ومن لم يجد فبكلمة طيبه ،فإنّها تجزي الحسنه عشرة أمثالها، الى سبعمائة ضعف }
إنه العدل والحق،أعطيتك يا عبدي فاشكرني،فعطائي غير محدود،مغدق عليك ممدود،فلم تشكر غيري وتعبد سواي، ؟وقد اتممت عليك النعماء وأرسلت إليك رسلي ،وبلغتك أمري ،وعلّمتك مالم تكن تعلم ؟،واطلعت على ضعفك فرحمتك ،وعلى فقرك فاغنيتك ،وعلى ضلالك ،فهديتك ،وأردت لك اليسر فلم سلكت طريق العسر؟،
يانفس سبعمائة ضعف فلا تضيعيها،واكثريها ولا تمحقيها،وما أحوجنا إليها وإلى أضعافها ، يوم يقوم النّاس لرب العالمين ،فترى تلك النفوس وقد خذلها الشيطان وغرّها بربها،فاكفهرت الوجوه وبسرت ،،وترى النّفوس التي صفت بحب الله ورقت،واستكانت لامره وهديه وانابت،وقد هنئت بالعاقبة،فاشرقت الوجوه ونضرت،وقد وجدت ما وعد ربّها حقا وقد أحلّها دار المقامة.اللّهم لاتخزنا يوم يبعثون {يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم }