فلسطين يا وجع العروبة والاسلام
اشلاؤهم، قبورهم، شتاتهم، برودة المنافي، والمخيمات… الاسرى، والمعتقلات ، وقع اقدامهم على ابواب الحزن منذ نحو قرن، والرحيل الذي ادمن صحبتهم… صور تحتل الذاكرة، وتدمع عين الزمان، وتفجع قلب العالم الحقيقي، وتطيح بالأدمية، وتهوي بالإنسانية من فضاء عرشها السامي الى حيث يمارس العالم المزيف وحشيته وشروره المطلقة، وهو الحليف الاكبر للصهيونية والاستعمار والاستبداد.
في مكان مقدس قريب الى القلب حيث فلسطين الرابضة في الوجدان العربي صور تتجلى ولا تغادر ذاكرة المكان، وتبقى تحاصر القلب، ولا تنأى بنفسها عن الشعب الذي نصبته الجراح منذ نحو قرن معلماً في الحزن، وهو الذي لا يكاد يبرح عيون العرب.
وتقلقنا الذكرى يا مسرى الرسول ويا القبلة الاولى ، وتوجع ضمائرنا ، وتنتحب انسانيتنا ، وفي دواخلنا تهيم مشاعرنا المقتولة، وقد غادر اعز ابنائنا وقادتنا الابرار الدنيا يطلبون عدالة الاخرة، ولم يغادرنا الوجع على آثرهم، وسنبقى مطاردين بالألم الى نهايات الحزن.
لن تقفل الايام قصص الشهداء، والشعب المقتول من اجل وطنه، وهو يحيا في كبرياءه الوطني، وانى لنا بطائف من النسيان، وان نشلح ذاكرتنا للمرة الاخيرة، وننسى وجع عروبتنا، واسلامنا يا فلسطين…
وكيف وقد جاءت الخطيبة الى موعد مع خطيبها في ثلاجة الموتى، والتقطت كميرا الزمان صورة نادرة للقاء حبيبين في ثلاجة الموتى، وهو الموعد الاخير الذي ضربه الموت في غزة.
وذلك الطفل الذي يسترق النظر الى جثمان اخيه المسجى خلسة من خلف ظهور المصلين الساجدين، وكأنه يستجدي الموت بنظرة اخيرة.
والاب الذي يري العالم الغادر وجه طفله بعد ان سحبه من تحت الانقاض، وقد رأينا في وجهه الدامي الصغير وجوه اطفالنا جميعا، وعرفنا طعم الطفولة المقتولة.
والطفل الذي جلس قبالة وجه ابيه الشهيد منتحباً، وتبلل دموعه وجه العالم، ويشهد الله على ما في حزنه، ويرمي بوجوهنا اخوتنا وعروبتنا المزعومة، وفي لحظة مأساوية يضطرب فيها قلبه الصغير راح يسأل عن امته ..
وطفلة بحجم دمعة فقدت عائلتها وراحت تنتحب على رمال غزة، وكانت تختصر قضية الامة المطاردة في اصقاع الارض، والتي تبحث عن وطن يكفيها كي تعيش فيه بسلام.
كان الشهيد يغفو ممددا على الارض المباركة للابد كهرم ماثل في الكبرياء ، وستظل الدنيا تعزف لحن موته في لحن جنائزي تردده فصول الدنيا الاربعة.
وحيث صار الكون طفلاً فلسطينياً وادعاً على وقع الطفولة المقتولة..
هي لقطة تنوء بها الايام في غزة، وقد رسمتها يد الزمان بدقة كي تؤرخ لنا، وهي تطلق صفارة الحزن كي يغرق وجه الحياة.
ولقد صفعتنا الاحداث اذ اظهرت لنا حقيقتنا كأمة ضالعة في الهوان، وقابلة للتقسيم والاستعباد، وباننا فقدنا شعورنا الوطني، وبتنا نعاني من فقدان الاخوة. وان قبور الشهداء قدر ماثل لنا ، وتحدد لنا مسارنا الى المجهول العربي
فيا ايها الفلسطيني الذي يدق ابواب الزمان ينشد الحرية، وتحقق احلامه الوطنية، وسيادته ، واحتضان ترابه الوطني.
الى اين تطلق صرختك، وهل ظل في الدنيا عدالة… ايهذا الفلسطيني الذي ما وسعتك الحياة ، وراحت تتقاذفك الاهوال وانت تبحث عن وطن وهوية .. تعيش على ذكرى عودتك. وما اتسعت لك الدنيا بعد فلسطين، فاحتضنك الموت بخشوع في المنافي لينتهي الحزن.
والعرب الرسميون يثرثرون في الاخبار عن اخوتهم، وعن مصيرهم المشترك، ولا يملكون ما يواجهون العالم به سوى الاكاذيب.
فلله درك يا فلسطين..
فلقد علمتنا ان الشهادة اخت فلسطين، وان الحزن يكاد ان يكون اخو العرب، وان البشرية تنكر قلبها عندما تحضر قضيتنا.
وان صورهم، واشلائهم رصيد للأيام القادمة، وهي حاضرة في فضاء المكان العربي، وان اجيالا عربية ستعيش من اجل ان تنتقم، وان قيادة عظيمة توشك ان تولد محملة بالثأر والكرامة.