فلسطينيون يروون تفاصيل أبشع عملية إعدام ميداني إسرائيلية في جنين / فيديو

#سواليف

يقرّ مواطنون #فلسطينيون أن عملية #الاغتيال للشبان الأربعة في مدينة #جنين، اول أمس الخميس، والتي نفذتها #قوات_خاصة_إسرائيلية بطريقة تشبه سلوك #المافيا المتحفزة دوما للقتل والتوحش بغض النظر عمّن يقتل في الهجوم، يقرون أن هذه العملية تحديدا تكاد تكون مختلفة عن معظم العمليات والاقتحامات والإعدامات التي نفذتها قوات #الاحتلال خلال الأعوام الماضية.

اختلاف جريمة الإعدام عن سابقاتها تمثّلَ في مظاهر كثيرة، منها مكان تنفيذ عملية الإعدام وساعتها، وأيضا طريقة التنفيذ، وطبقا لذلك اختلف تأثيرها على آلاف المواطنين البسطاء الذين كانوا في أبسط لحظاتهم الإنسانية، حيث يشترون أغراضهم وحاجياتهم في آخر ساعات نهاية الأسبوع، ليشعروا فجأة أنهم أصبحوا في قلب الحرب تماما.

وكانت سيارتان من الوحدات الخاصة الإسرائيلية قد اقتحمت مركز مدينة #جنين التجاري في أوج اكتظاظ المتسوقين، ونفذ “المستعربون” على مرأى من جميع المتواجدين في السوق واحدة من أكثر #عمليات #الاغتيال توحشا، حيث تم إعدام مقاتلين من مجموعات المقاومة في المدينة، واحدٌ منهم قُتل برصاصة من مسافة صفر، والثاني بعد مطاردة قصيرة. وتبعا لذلك، قتلت ذات القوات التي وجدت نفسها محاصرة بالمواطنين الغاضبين، شخصين آخرين أحدهما طفل صغير، إلى جانب إصابة ما لا يقل 15 مواطنا بعضهم في حال الخطر.

وكل من يعرف مدينة جنين، يدرك تماما أنها في يوم الخميس كما هي في يوم السبت، حيث الاكتظاظ من آلاف المواطنين في عموم مناطق المدينة، وتحديدا ساعات ما بعد الظهر.

الغريب عن جنين ربما لا يكون عارفا بحال المدينة في هذا التوقيت ودلالاته على وجه الدقة في حال دخلت وحدة خاصة إسرائيلية لتنفيذ عملية إعدام ميداني. غير أن المؤكد أن القوات الخاصة الإسرائيلية تدرك ذلك جيدا وتدربت عليه كثيرا، وهو الأمر الذي ينقل المواجهة الفلسطينية الإسرائيلية إلى مرحلة جديدة، اكتشف فيها المواطن البسيط أنه جزء من المعركة، وهدف مباشر فيها.

وبحسب الإعلامي الفلسطيني معاذ مشعل، فإن “زيادة التوحش، وتلك الطريقة الاستعراضية التي دخل بها الاحتلال إلى جنين، تهدف لتحقيق صدمة وردع للفلسطينيين في المدينة ومخيمها المجاور، حيث يشكلان العمق الجماهيري والثوري لمجموعات المقاومة”.

ويضيف مشعل: “غير أن المهم معرفة أنه كلما ارتفع معدل التوحش، يرتفع مستوى العنف الثوري الشعبي المسلح في المقابل. لكن المفارقة هي أن هذه قاعدة لا يمكن للغرور الإسرائيلي أن يقبلها أو يستوعبها”.

شهادات من قلب المعركة

جمعت “القدس العربي” قصصا وشهادات لمواطنين كانوا في وسط المدينة لحظة العدوان وتنفيذ عملية الاغتيال. فالمدينة التي اعتادت على مشهد سقوط الشهداء وتشييعهم، أصبحت هي وناسُها وسكانها ومتسوقوها جزءا من المعركة بل في القلب منها.

وبحسب المدرس والناشط المجتمعي محمد جرادات، فإنه ولأول مرة، يشعر هو والمواطنون في المدينة أنهم في وسط المعركة، وجزء منها ويرونها مباشرة أمام أعينهم.

وتابع جرادات الذي يسكن في بلدة السيلة الحارثية غربي المدينة، أنه كان شاهدا على إعدام الشهيد الأول نضال خازم وملاحقة الشهيد الثاني يوسف شريم، لقد كان يتسوق لشراء الحاجيات لعطلة نهاية الأسبوع، لكنه فجأة، شهد جريمة الإعدام للشهداء أمامه مباشرة.

لقد نزل المستعربون الإسرائيليون من السيارة ذات لوحة التسجيل الفلسطينية، وأطلقوا النار على شابين كانا يركبان دراجة نارية، تمكن أحدهما من الهرب، فلاحقه مسلحون آخرون.

يضيف جرادات: “هذا مشهد غريب على المدينة، أن ينزل مسلحون من مركبة ويطلقوا النار على شبان بهذا الوضوح كان أمرا غير معتاد، توقعت أن يكون للأمر مسألة ثارات عائلية وخلافات وقضايا قتل داخلية، لكن الصوت جاء من بعيد قوات خاصة قوات خاصة”.

ويصف المشهد بعد أصوات إطلاق الرصاص: “ما هي إلا لحظة حتى كان الكل يركض، ويبتعد عن المكان باتجاه منطقة دوار السينما وشارع أبو بكر القريبين”.

ويشدد أنه وبلا وعي، دخل إلى محل تجاري، ومن هناك شاهد الفوضى العارمة وعودة الراكضين لاكتشاف ما جرى في المكان، حيث كانت جثتان على الأرض، وبقع الدم الكبيرة وسيارة إسعاف تحاول نقل الشهيدين. لحظتها سمع أن المواجهة انتقلت إلى الجزء المقابل في المدينة لمكان سقوط الشهداء، حيث منطقة المسجد الكبير القريب من البلدة القديمة “السيباط” وهناك المنطقة الأكثر اكتظاظا أيضا.

يقول جرادات وهو زائر يومي للمدينة، إن هذا أول موقف في حياته يشهد فيه على عملية قتل، كان صعبا. وفعل القوات الخاصة ضاعف من صعوبته، “بقيت 40 دقيقة شارد الذهن، أحاول تحليل ما جرى، وأندب حظنا وواقعنا وحياتنا الصعبة”.

وعن إثر ذلك، يشير جرادات إلى أن الجريمة جعلته يدرك أن الاحتلال يعيش بيننا، فالاحتلال والموت لصيقان، في البيت والشارع والسوق. يقول: “قبل هذه الجريمة، كان الموت مقتصرا على المخيم الذي يحاصَر ويقوم الجنود بالقتل داخله ثم يخرجون.. اليوم المسألة مختلفة، لا مكان آمن، ولا حتى في بيتك، قد تُقتل بعد التهام صحن من الكنافة الحلوة، مفارقة مؤلمة”.

هنا لا يرى جرادات تلخيصا لما عاشته جنين مساء الخميس إلا أنها نهاية انفراط عقد وهم السيادة الفلسطينية، وهم الدولة والأجهزة والمقرات الأمنية، “إنها حالة كبيرة من الكذب نعيش فيها، مسرحية طويلة، لكن الأهم أن ننتهي منها، هذا فيلم رعب يمتد إلى حياة الجميع” بحسب رأيه.

يضيف فيما يشبه نهاية الحديث: “هناك صورة ستبقى خالدة في ذهني، وهي أن شباب المدينة وعندما اكتشفوا القوات الخاصة، هجموا عليها بصدورهم العارية بدون أن يمتلكوا أي قوة، مئات الشبان أمام الموت يشنون هجوما على الوحدات الخاصة بكل شيء وقع في أيديهم، كم لدينا من شجاعة غير مستثمرة، ولو حصل العكس، لكانت النتيجة مختلفة حتما، هذه الروح هي الدرع الذي يحمي جنين كما غيرها، هذه الروح التي يعبر عنها بالحمية والنخوة والشجاعة القاتلة.. لم أر مثيلا لها في حياتي، ولو تمكنوا من الوصول للوحدات الخاصة لكانت النتيجة أكبر مشهد بطولي وعظيم في التاريخ”.

تحولات يوم عادي

الأمر بالنسبة للباحثة والإعلامية سرى أبو الرب التي تعيش في رام الله، وتعود كل خميس إلى جنين، كان عبارة عن يوم عادي، فالسوق مليء بالحركة، وتقول: “التقيت بصديقاتي، وكنت ذاهبة لعيادة دكتور قريبة من مكان الحدث، فجأة تتعالى أصوات في الشارع، صراخ، وركض وأنباء مفادها بأن قوات خاصة اقتحمت مدينة جنين وتحديدا شارع أبو بكر”.

تتابع: “الناس في العيادة فزعوا، اقتربت من النافذة لأشاهد ما يجري في الأسفل، طلب مني رجل كبير بأن أبتعد، شعرت بأنني عاجزة، حرفيا لا شيء بيدي لأفعله، لكنني أصررت على الخروج، فوجدت الناس تتدافع بقوة، في منتصف الشارع نساء وأطفال وكبار بالسن يركضون بفزع، خوف، وذعر، شبان يركضون باتجاه إطلاق النار، يزداد إطلاق النار باتجاههم فيركضون في الاتجاه المعاكس.. في هذه اللحظة يقع شاب من على “فسبا” (دراجة نارية صغيرة) فيما شاب آخر ينزف من رأسه، وأنباء عن إصابات وشهيد.

تضيف أبو الرب: “كان المشهد صادما، مخيفا ومرعبا، لأنه في وسط السوق، وفي منطقة حيوية بالمدينة.. للحظة لا بتكون قادر على التفكير في شيء، كل إشي بمرّ بسرعة مذهلة، تذكرت إنه صديقاتي تركتهم بالسوق، وما بعرف وين راحوا، بتشعر بدك تنهار، صرت أرنلهم وأطلب منهم يدخلوا على أي مكان… ممكن تفقد أي شخص بأي لحظة، وبدون ذنب، وبدون ولا حتى إشارة، بلمح البصر تحولت المدينة من مكان مليء بالأزمة وصوت الباعة في السوق والتحضيرات لاستقبال شهر رمضان، لصوت رصاص وصراخ وتكبير واستنجاد”.

وتتابع في رصد المشهد: “كيف بلحظة وحدة المدينة انقلبت رأسا على عقب، نساء حاملات أطفالهم وبركضوا وببكوا”.

وتكمل في توثيق لحظات الزمن الأصعب من العملية التي أراد الاحتلال لها أن تكون خاطفة، فيما تجاوزت الساعة والنصف: “الشباب طلبوا منا نطلع أو نتخبى في المحلات وصاروا يسكروا الأبواب، وأنا طلعت على عيادة الدكتور، وقتها كنا في غرفة قبال الشارع، وصوت الرصاص كثير قريب وكثيف وقوي، فطلبوا منا نروح للغرفة في الجهة الثانية ونبعد عن النوافذ. في الغرفة الثانية ومقابلنا مباشرة كان يظهر من الشباك شباب مقاومين على سطح العمارة المقابلة، يحتمون في خزانات الماء، لقد صار صوت الرصاص أقرب والتهديد أخطر، فكان الحل الوحيد إنه نجلس كلنا على الأرض في الممر، وبعيد عن اي مكان فيه زجاج أو نوافذ”.

تكمل مشهدا واحدا داخل شقة في بناية قريبة عن المكان وهو حال آلاف المواطنين: “كل الناس كانت قريبة من بعض حتى لو لم تكن تعرف بعض، الكل يدعي ربنا يحمي الشباب والناس في البلد، بقرأوا قرآن، وللحظات بتشهدّوا، في صبية كانت حاطة سجادة صلاة وتصلي عالأرض وتبكي، ما كنت بعرفها بس حضنتها وطلبت منها ما تخاف وتقعد عالأرض، فيما هناك امرأة كبيرة بالعمر بتحكيلي حبيبتي تعالي اقعدي عالأرض بالممر ما تخلي قلبي يوقع وإنت واقفة قبال الشباك هيك وصارت تبكي، فجلست بجانبها على الأرض، فيما قالت امرأة ثالثة برفقة ابنها: الموت مع الجماعة رحمة”.

تخلص سرى وهي التي تعمل في المتحف الفلسطيني بمدينة رام الله: “وبالآخر نستغرب كيف يمكن أن تعود ترجع الحياة لطبيعتها، كيف يمكن خفض التصعيد كما يقولون بعد لحظات اقترب فيها الموت من الجميع، حيث كان كل واحد بالبلد عرضة للموت”.

وتضيف على ذات الفكرة: “كل هذا المشهد المليء بالتناقض غير المفهوم، يجعلك تفقد ثقتك بكل المنظومة السياسية التي تدّعي حماية البلد، وتفقد شعورك بالأمان بكل لحظة تمشي فيها بالشارع”.

وتفكر بصوت عال وتقول: “بفكر كل شخص اليوم كان بالمدينة، وعاش المشهد، لا يمكن له أن يغفر، لا يمكن أن ينسى، أو يصالح”.

صحيح أن عدد الشهداء منذ بداية العام الجاري بلغ 88 شهيدا، من بينهم 35 شهيدا من محافظة جنين وحدها، وهذا يعني بحسب الإعلامي عميد شحادة أن دماء كثيرة سالت في هذه المدينة على شكل أنهار، لكن من المهم أن ندرك أنه ولا مرة كان الناس في هذه المدينة في مثل هذا الحزن الذي عاشته مساء الخميس الدامي والوحشي، إنه قهر ممتد تعمد الاحتلال أن يصل إلى جميع من كانوا في المدينة، وللمفارقة فقد كانوا كثرا، لم يشربوا الحسرة والخطر والصدمة وقرب الموت وإمكانيته المفرطة عبر وسائل الإعلام، بل عاشوها أيضا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى