
#فلاح_المدادحه رجل المبدأ والكرامة . . !
#موسى_العدوان
اللواء عمر المدني الذي تقليد العديد من المناصب الدبلوماسية والعسكرية في الدولة الأردنية، في عقدي الستينات والسبعينات الماضيين، ألّف كتابا بعنوان ” أوراق مطوية في كتاب الزمن ” وأورد خلاله القصة المعبّرة التالية وأقتبس :
بعد استشهاد هزاع المجالي في تفجير رئاسة الوزراء في أواخر عام في عام 1960، عُين بهجت التلهوني رئيسا للوزراء، وكان من بين الوزراء في حكومته فلاح المدادحة ومحمد أمين الشنقيطي. وهؤلاء كانوا وزراء عندما كان التلهوني قاضيا. وبعد مرور شهرين جاء التلهوني للملك وقال له : يا سيدي أنا لا استطيع أن أقوم بمهام رئيس الوزراء، وعندي الشيخ الشنقيطي وفلاح باشا وكلاهما، كانا وزيرين عندما كنت قاضيا صغيرا. فقال له الملك : قدّم استقالة وزارتك وسأعهد إليك بالتكليف مرة ثانية.
جاء الوزراء مع رئيسهم إلى الديوان الملكي وقدموا استقالاتهم من الوزارة. فنزل فلاح باشا ومعه الشيخ الشنقيطي، وما أن وصلا إلى آخر الدرج التفت وراءه فلاح باشا فلم يجد أحدا من الوزراء. وكان رئيس التشريفات إكليل الساطي على الباب، فقال له فلاح : يا إكليل وين أبو عدنان والجماعة ؟ فأجاب : أن سيدنا استبقاهم لتأليف حكومة جديدة. فعاد فلاح والشنقيطي إلى حيث كان الملك والوزراء. وبعد السلام قال فلاح موجها كلامه للملك :
يا سيدي الله يطول عمرك، أنت تعودت عندما تكون الطريق وعرة ولا يمكن ( لعربايتك ) السير فيها تقول : ( جيبوا هالكدش تجرّ العرباية، وتجيء الكدش وتجرّ العرباية ) اللي أنت فيها. عرقها يتطاير، زبدَها يملأ الجو، نفاخها زي كور الحداد، ولما تصل عربايتك للأرض السهلة تقول : سرّحوا هالكدش، وأنت غير سائل عنها إن ماتت من الجوع أو قتلها العطش أو عدا عليها الذئب أو اعترضها الوحش. ولكن يا سيدي طول الله عمرك ( الكدش اليوم صارت اصايل ولا ترضى الضيم والقهر، والسلام عليكم ). وخرج من الديوان الملكي مع رفيقه الشيخ الشنقيطي.
ومرت الأيام وإذ بالسلطات السورية تعتقل خالد المدادحة – الذي اصبح وزيرا فيما بعد – فعلم الملك بذلك، وقال للذين من حوله : والله هذي فرصة نصلح فيها فلاح باشا. فهاتفه من الديوان وقال جلالته : علمت يا باشا بأن خالد ( ابنك ) معتقل في سوريا فهل هذا صحيح ؟ قال نعم يا سيدي فإنه معتقل منذ اسبوعين. فقال جلالته : لماذا لم تتصل وتخبرنا بذلك ؟ فقال الباشا : والله يا سيدي ( مو ضروري ) أزعج جلالة سيدنا، أنا حبيت أن أجرب شعور الآباء الذين كنا نعتقل أبناءهم ظلما في سبيل مصلحة النظام، فقال جلالته شكرا وأغلق الهاتف.
وبقي فلاح باشا على موقفه فلم يدخل القصر الملكي، لا مسلّما ولا معزّيا ولا في لأي مناسبة كان يُدعى لها حتى توفاه الله. هذا النوع من الرجال الذين عايشتهم، وتعلمت منهم أن الكرامة فوق كل اعتبار، وأن فاقدها لا يغنيه كل ما في الدنيا عنها “. انتهى الاقتباس، وأدعو الله لهم جميعا بالرحمة والغفران.
* * *
التعليق :
هذه هي نوعية رجالات الأردن الشرفاء السابقين، الذين لم يساوموا على كرامتهم، ولم تغْرِهم المناصب والمكاسب المادية على حساب كرامتهم. فهل هناك من يعتبر ممن يُسمّون رجالات هذا الزمان، الذين يلهثون وراء المنصب والمصالح الخاصة، وتحسين رواتبهم الوظيفية والتقاعدية بأي وسيلة كانت . . !
وعندما أكتب عن شرفاء الأردن السابقين مدنيين وعسكريين الذين قدموا أعمالا مجيدة للوطن، أمثال : وصفي التل ، مضر بدران فلاح المدادحه، حابس المجالي، عبد الله التل، فلا أقصد اجترار التاريخ وملء الفراغ، بل لأذكّر المسؤولين الحاليين واللاحقين، الاقتداء بهم واتباع أساليبهم في الحكم، ليكتبوا تاريخا مجيدا يخلّد أسماءهم، على صفحات الوطن بعد غيابهم عن المشهد، تتبعه الأجيال اللاحقة، لا أن يمروا بمواقعهم كسحابة صيف غير ممطرة.
رحم الله الملك حسين وكل من ورد ذكرهم بأعلاه وأسكنهم فسيح جناته.
التاريخ : 23 / 2 / 2025