فارس ونجود ذاكرة / نبيل عماري

فارس ونجود ذاكرة
في بدايات سبعينات القرن الماضي وأيام تلفزيون الأبيض والأسود ظهر أول مسلسل عربي باللهجة البدوية هو مسلسل «فارس ونجود»، وربما كان أول مسلسل بدوي تنتجه الدراما العربية، وقد ارتبط بالذاكرة المحلية، وكان حينما يعرض تخلو الشوارع من المارة ، فكان مشاهدة المسلسل اشبه بمناسبة اجتماعية، مثل سهرة تعاليل أو عرس بالحارة يجتمع الناس يحملقون بالشاشة وبصمت وبشغف يتابعون الحلقة ويتفاعلون ويتخلل المسلسل بعض الدعايات والتي تعطي مجال لشرب كاسة شاي ولألتهام عروسة لبنة ، فما أن ينتهي المسلسل ينفض الجمع، ليتاح المجال للحديث عن المسلسل وأحداثه.. أما جدودنا وختيارة الحارة فكانت طلة سميرة توفيق تكفيهم ” نجود ” فطلتها البهية تعطي جاذبية للكبار قبل الصغار . فقد مر وقت على مجتمعنا ما أن يعلن عن موعد أغنية لسميرة توفيق حتى يتسمّر الجميع لمشاهدتها وهي تغني أسمر خفيف الروح أو يا خيال الزرقا والغير ، أما مسلسل فارس ونجود وقصة المسلسل تدور وباختصار تتحدث عن قبيلتين متصارعتين، هما «قبيلة الشيخ متعب، وقبيلة الشيخ طراد»، وكانت الأولى تملك فارسا مغوارا يحب الفروسية، يميل الى المغامرة، شجاعا لا يخشى المصاعب.. والثانية تملك بنتا ساحرة فاقت شهرتها كل القبائل، شاعرة وذات قدرة على الغناء، وهي مقصد الكل، والكل يريد أن يتشرف بالزواج منها..اما الفارس المغوار فهو «فارس ولد متعب»، والبنت الساحرة «نجود بنت طراد»، شاءت الأقدار أن يدخل حب هذه الفاتنة قلب ذلك الفارس، وذلك بعد أن دعت عليه إمرأة عجوز من قبيلته تدعى «ام عفين» بأن «يبليه الله ببلاء لا دواء له، وأن يبليه بحب نجود بنت طراد»، وهذا الدعاء جاء لأنها تعتقد أن «ولد متعب» كان سببا في وفاة ولدها الوحيد، إذ طلب منه ان يثبت رجولته بالصعود الى الجبل والنزول منه بالخيل ففعل فكان في ذلك حتفه، ومن هذا الدعاء علق إسم «نجود بنت طراد» في ذهن وقلب «فارس»، فسأل عنها فقرر أن تكون هذه البنت زوجة له، ومن أجل ذلك أصرّ بأن يذهب لخطبتها من والدها، فواجه عدة عقبات:
العقبة الأولى الثأر والدم بين القبيلتين حينها قرر التنكر بلباس تاجر يبيع القماش والحرير وسمى نفسه شدهان ولبس ملابس بالية وذلك ليراها ويتحدث معها .
العقبة الثانية إن الشيخ طراد وضع شروطاً تعجيزية أمام كل من يرغب في الزواج من «نجود»، فالمهر هو جلب نبتة «زهر العيون»، لعلاج عين أم نجود، من وادي المنايا والذي كل من ذهب أليه لا يعود حياً وأذكر أننا أنتظرنا ذهاب فارس لوادي المنايا بشغف ولكنه لم تقنعنا الهوايل التي واجهها فارس فكان نزول وادي وطلوع وادي وصورة ضبع من برنامج علمي وثقافي .
العقبة الثالثة: إن هناك منافسة حادة من أكثر من طرف، للوصول الى قلب «نجود»، فالبعض جاءها شاعرا، وآخر تاجرا، عدا أن اكبر منافسيه في هذا السبيل هو أحد أبناء القبيلة ويدعى «شدّاد» وهو شخص ثري، يصرّح بحبه وعشقه وهيامه بــ «نجود»، فيرى أن «نجود» دائرة لا يسمح لأي أحد القرب منها، ولذلك حينما رأى ميلها صوب «أو فارس ولد متعب» قام بأكثر من محاولة لاغتياله ولم ينجح.
لقد كان الصراع بين «فارس» و«شدّاد» شخصيا «فردا لفرد» في البداية، فجاءه يريد قتله والتخلص منه، فلم ينجح، حتى أنه سخر منه سخرية قاتلة حينما قال له: «سيفك من خشب يا شدّاد»، تطوّر هذا الصراع إلى دائرة أوسع، إذ حاك «شداد» مؤامرة مع «سطوف الراعي»، وابن عمه قاطع الطرق «غضبان»، لاغتيال فارس والاعتداء على حلال القبيلة، وبعدها الإيحاء للكل بأن شدادا هو الذي استرد الحلال ليظهر امام القبيلة بصورة الفارس البطل، واستغل فرصة سفر الشيخ طراد، الذي أعطى الراية لإبنته «نجود»، وطلب منها أن إذا حدث شيء للقبيلة أن تعطي الراية لمن ترى فيه الشجاعة والقدرة.. أما عملية الاغتيال فلم يتمكن «شدّاد» ولا عصابة «غضبان» من ذلك إذ تمكن منهم «فارس»، واستطاع ان يقتل ثلاثة منهم، امام مرأى «نجود» وخادمها «جوهر» ومن ذلك تأكدت لديها «فروسية» هذا الفقير وشجاعته، وحتى أنها سألته عن الدم الذي في ثوبه، فقال لها بأنه دم حيوان رآه يتلوى فذبحه وأراحه.. وأما سرقة حلال القبيلة فقد عرفت نجود أنها تمثيلية صاغها شداد .
وحينما عاد الشيخ طراد من سفره، قام «شدّاد» بخطوة أخرى في حربه لتصفية «فارس ولد متعب» فقام بتشويه سمعة «نجود» أمام والدها، على أن لديها علاقة غير شرعية مع فارس «أو عفين»، فغضب الوالد وجاء يريد أن يفتك بهما معا، وما أن تمت تهدئته حتى جاء صوب فارس المسمى بـ «عفين» طالبا منه التعريف بنفسه، فوافق على أن يتم ذلك أمام كافة أفراد القبيلة، وبعد أن يتم الاطلاع على غنائم المعركة التي وضعها تحت الصخرة، فتم ذلك، وتبين للجميع أن هذا الفقير شخص فارس قوي، فألح الشيخ طراد على التعرف على شخصه، فطلب فارس منه الأمان، وما أن تم ذلك حتى أعلن أنه «فارس ولد متعب»، وأنه جاء لخطبة نجود بنت الشيخ، ويريد الإصلاح بين القبيلتين، فوضع الشيخ طراد جملة من شروط الصلح وافق «فارس» عليها ونقلها إلى والده، الذي رحّب هو بدوره بذلك.

وبعد أن وقف «فارس» على شروط الزواج من «نجود» شد راحلته للسفر إلى وادي المنايا، وواجه الأخطار والصعوبات، الغير مقنعة تمثيلياً واستطاع أن يصل الى الوادي ويقطف نبتة «زهر العيون»، ويخرج من الوادي سالما، وقفل راجعا الى مقر القبيلة، لكنه لم ينج من عبث ومؤامرات «شدّاد» و«سطوف» و«غضبان» إذ قطعوا عليه طريقه بوادي الثعالب، وبعد معركة حامية استطاع «فارس» أن يقتل منهم أربعة تمكّن أحدهم من طعنه بالسيف في ظهره، فوقع جريحا، وهربوا عنه، ظانّين بأنه قد مات، ولكن تم إنقاذه ومعالجته من قبل الحكيم حسين، وأصدر الشيخ طراد قرارا بطرد «شدّاد» وهدر دمه، وتمت عملية الصلح، وتم الزواج بين «فارس» و«نجود». فيكون بذلك قد انتصر على كل غرمائه، ولم تجد كل المؤامرات لاغتياله، أو لمنع زواجه من «نجود».
هذا موجز عن مسلسل فارس ونجود والذي ترك بصمة في تاريخ المسلسلات رغم بساطة التمثيل والأخراج وحبكة المسلسل وبعض شغلات غير مقنعة واللهجة البدوية الغير مقنعة ببعض الحالات إلا أنه أخذ حيز في وجدان الشارع الأردني خاصة والشارع العربي عموماً ولكن بعد ذلك أبدعت الدراما الأردنية وراحت تقدم مسلسلات بدوية أكثر أقناعاً وبلهجة بدوية قوية وبقوة تمثيل تفوقت على مسلسل فارس ونجود مثل وضحا وبن عجلان، وصقور الصحراء، وراس غليص، ونمر العدوان ،والسيف، ومتعب الشقاوي، والكنز، والغدير…. وهبوب الريح ألخ

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى