فارس العمر .. أبي / زايد الكركي

فارس العمر .. أبي

اكتب اليوم لفارسي الاول وملهمي الاول وقائدي الاول .. فلا كبرياء ككبريائك ابي ولا هيبة كهيبتك ولا وقار كوقارك , أبي ايها الفارس النبيل الخارج نقياً من زمن النفط الذي غير الكثيرين وابتاعهم,أبي أيها الفلاح الذي لم يشفع له كونه وحيد جدي بان لا يعمل ويفلح ويحرق بشمس ” محنا ” القاسية, أبي ايها العصبي جداً والرقيق جداً وكيف جمعت النقيضين , ابي ايها الرجل القلق حين يتعلق الامر بنا وبأزماتنا , وهنا اريد ان اعترف بان امي تفشي لنا بعض اسرارك وتخبرنا كم من ليلتك تمضي وانت تفكر بنا وبحل مشاكلنا الصغير والكبيرة على حد سواء.

أبي أيها الرجل الغامض البسيط في كل شيء , حتى في تاريخ ميلادك فسجلاتك تقول انك ولدت في الشتاء ومن شهد مولدك في تلك السنة العظيمة وفي ذلك اليوم التاريخي الكبير يقول انك ولدت في موسم العنب وفي موسم الخير والحصاد كسنبلة قمح انبتت مئة حبة من العشق ومئة حبة من الجمال ومئة حبة من الوقار والله يضاعف لمن يشاء , أبي انا سأُصدق سجلاتك وأصدق من شهد مولدك فبكل تأكيد مولدك كان استثنائيا ولعلها كانت سنة استثنائية كلها ربيع وحب وأمنيات محققة ,”فأنت ربيعيُ يا أبي” كزهرة ارجوان تمتع نظرنا.

كبرنا يا أبي وادركنا كم من الصعوبة عشت لتجعلنا كما نحن الان , أصبحت ادرك أهمية قولك لي ” لا ” على بعض مخططاتي , كنت تنزعج جداً ان طلبنا منك المشاركة في رحلة مدرسية , كنت تفاوضنا على البقاء في المنزل والموافقة على بدل نقدي , لقد كنت قلقاً جداً علينا يا أبي كنت تهجس بنا طوال يوم الرحلة ونحن لا نفهم ما السبب حينها, اليوم وقد صرت أبا أدركت خوفك وهاجسك من غيابنا فانا اليوم عاجز عن تدبير الأمور بالطريقة المثلى واعود لاصل الحكاية واطبق ما علمتني صغيراً لعلي اتقن السير على خطاك.

أبي العزيز انا مشتاق جدا لطفولتي ولمدرستي حيث كنت احصل على امتياز اني ابن المشرف التربوي الخاص بالمدرسة, كنت انتشي بوقار دخولك الى الصف لمتابعة الأستاذ وتقيمه , اذكر انه اخطأ يوماً اثناء شرح الجملة المعترضه, كنت تنظر لي نظرة مفادها ان عليك ان تصحح الخطأ , لم افعل ذلك وكذلك انت احتراماً للأستاذ الجليل فعاتبتني على سقطتي وفرحت بي حين بررت لك باني خفت ان اضع استاذي في مأزق كبير, قلت لي يومها “المهم انك ادركت الخطأ” وكيف لي يا أبي ان لا أميز الخبيث من الطيب وانا الخارج من مدرسة اخلاقك ونبلك وكرمك .

أبي , نغيب عنك أيام واسابيع لكنك تعلم اننا نسير طريقاً صحراوياً محفوفاً بالموت بين الكرك وعمان , طريق يتركك وأمي قلقين لساعات ولا تطمئنا حتى نخبركما بوصولنا,ونحن على أمل ان يريحوا اعصابكم و يصلحوا لنا هذا الطريق بعد ان تكتفي جيوب مقاوليهم ومتنفذيهم من اموالنا ودمائنا.

أبي سلام على كل اشيائك, على مجلسك بالبيت كما هو مع فروه الشتاء وشرشف الصيف يزاحم الناموس الذي يريد ان يطهر دمه بدمك .. سلام على نشراتك المتكررة من الاخبار تصدح ببيتنا حتى اصبح العماد عون وسعد الحريري وبيروت التي تعشق جزءا من حياتنا اليوميه .. سلام على غفوتك الرحيمه وانفاسك العطره تملأ البيت انسانيه وعفويه ..سلام على حديقتك الصغيرة المشعة بالحياة.. سلام على زجاجة العطر الموضوعة خارج البيت حتى لا تؤذي أمي وانت تعلم مدى تحسسها من رائحة العطور, سلام على استقبالك الحافل لنا الذي ما تبدل يوماً وعلى وداعك الحزين وما تردد من الشعر بعد ذهابنا ووحشه البيت ” اين الضجيج العذب والشغب ” فنجيبك بصوت خافت مصدره القلب بغناء كركي قديم ” لا تفكر البعد نساني طريق اهلي” ..

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى