فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين

فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين
الدكتور منصور أبوشريعة العبادي\جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية

اكتشف علماء الفلك حديثا أن الأرض قد مرت مرات عديدة وستمر حتما في المستقبل بسحب دخانية من مختلف الأحجام والأنواع والتي تنتشر بكثرة في الفضاء الكوني الفسيح. وتتعرض الأرض أتناء مرورها خلال هذه السحب الدخانية إلى تغييرات مناخية متفاوتة في خطرها على حياة الكائنات الحية. فقد أدى مرور الأرض في سحب جزيئة عالية الكثافة إلى ظهور عصور جليدية جزئية أو كاملة أدت إلى إنقراض أنواع كثيرة من الكائنات الحية. وقد أكتشفوا أيضا أن الأرض قد مرت بتكرار أكثر في ذيول وهالات بعض المذنبات مما أدت إلى كوارث بيئية قاتلة للكائنات الحية كما حدث في أمريكا الشمالية قبل 13 ألف عام. ولقد كشف القرآن الكريم وكذلك الاحاديث النبوية الشريفة هذه الحقيقة قبل ألف وأربعمائة عام من كشف البشر لها. ففي القرآن الكريم سميت سورة باسم هذا الدخان وجاءت آيات فيها تؤكد حتمية مرور الأرض في أحد هذه السحب الدخانية أو ذيول المذنبات وستسبب عذابا أليما للبشر وهي قوله تعالى “فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10) يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (11) رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (12)” الدخان. وهذه الآيات تؤكد استحالة أن يكون هذا القرآن من تأليف بشر فكيف يمكن لشخص عاش قبل أربعة عشر قرنا أن يشطح به الخيال وينذر البشر بإمكانية أن يعذبوا بدخان يأتيهم من السماء وليس من الأرض كدخان حرائق الغابات أو الدخان المنبعث من البراكين أو غير ذلك. ولقد تمكن العلماء من كشف طبيعة العذاب الأليم الذي يمكن أن يتعرض له سكان الأرض إذا ما دخلت في سحابة دخانية كثيفة أهمها هبوط حاد في درجة حرارة الأرض فيهلك البرد الناس ومزروعاتهم وحيواناتهم وكذلك يسود الظلام الأرض في وضح النهار وغير ذلك. ومن رحمة الله عز وجل بعباده أنه سيكشف هذا العذاب عن الناس إلى حين بعد أن أبدوا التوبة من كفرهم وذنوبهم مصداقا لقوله تعالى “إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ (15) يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (16)” الدخان.

وأما الأحاديث النبوية الشريفة فقد أكدت على أن ظهور الدخان هو من علامات الساعة الكبرى فعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أول الآيات الدجال، ونزول عيسى بن مريم، ونار تخرج من قعر عدن أبين تسوق الناس إلى المحشر؛ تقيل معهم إذا قالوا، والدخان. قال حذيفة: يا رسول الله! وما الدخان؟ فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية ( فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ)، يملأ ما بين المشرق والمغرب، يمكث أربعين يوماً وليلة، أما المؤمن؛ فيصيبه منه كهيئة الزكمة، وأما الكافر؛ فيكون بمنزلة السكران؛ يخرج من منخريه وأذنيه ودبره).
رواه ابن جرير. وعن حذيفة بن أسيد الغفاري رضي الله عنه؛ قال: (اطلع النبي صلى الله عليه وسلم علينا ونحن نتذاكر، فقال: ما تذاكرون؟ قالوا: نذكر الساعة. قال: إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات… -فذكر الدخان، والدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها)
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود الطيالسي، ومسلم، وأهل السنن. وعن عبد الله بن أبي مليكة؛ قال: (غدوت على ابن عباس رضي الله عنهما ذات يوم، فقال: ما نمت الليلة حتى أصبحت. قلت: لم؟ قال: قالوا: طلع الكوكب ذو الذنب؛ فخشيت أن يكون الدخان قد طرق فما نمت حتى أصبحت). رواه ابن جرير وابن أبي حاتم. وهذا الحديث الأخير يؤكد على أن هناك أحاديث نبوية لم يتم تدوينها تربط بين ظهور الدخان وظهور أحد المذنبات وعلى هذا فقد يكون الدخان نتيجة لمرور الأرض في ذيل أو هالة هذا المذنب. إن هذا الربط بين ظهور الدخان مع ظهور أحد المذنبات في حديث بن أبي مليكة له ما يبرره بناءا على الاكتشافات العلمية في هذا العصر كما سنبين ذلك بعد قليل.

إن السحب الدخانية في داخل فضاء المجموعة الشمسية قليلة جدا حيث أن الدرع الشمسي الذي يحيط بالغلاف الشمسي يحد من ترسب الغبار الكوني والرياح النجمية من الفضاء الكوني. فالسحابة الوحيدة التي تنتشر بين كواكب المجموعة الشمسية هي ما تسمى بسحابة غبار ما بين الكواكب (interplanetary dust cloud) أو سحابة البروج (zodiacal cloud). وتتكون هذه السحابة من الغبار الناتج عن تحلل المذنبات والكويكبات والنيازك عند تصادمها مع الكواكب وكذلك من الغبار الكوني المتسرب من خلال الدرع الشمسي. وهذه السحابة هي المسؤولة عن ضوء البروج (zodiacal light) والذي يمكن مشاهدته في الليالي المعتمة حيث يقوم غبار السحابة بعكس ضوء الشمس نحو الأرض. إن مرورالأرض في داخل هذه السحابة لا يشكل أي خطر يذكر ولذلك فإن الاحتمال الأكبر لظهور الدخان في جو الأرض هو دخول الأرض في ذيل (tail) أو هالة (coma) أحد المذنبات العملاقة (giant comet) وهذا ما حصل في التاريخ الماضي للأرض. فقد ورد في مجلة البيولوجيا الفلكية (Astrobiology Magazine) مقالة بعنوان اللسعة المميتة لذيل مذنب (The deadly sting of a comet tail) لخصت بحثا لأحد علماء الفلك في المجلة الفلكية الملكية بعنوان (هل كان مذنب عملاق هو المسؤول عن كارثة شمال أميركا الشمالية (Was a giant comet responsible for a North American catastrophe in 11,000 BC?). فقد أشار العالم في بحثه إلى أنه قبل 13 ألف عام مرت الأرض في ذيل أحد المذنبات وأدى الدخان الذي عم الأرض وحجب الشمس عنها إلى هبوط درجة حرارة الأرض بثمان درجات وزحف الجليد على أميركا الشمالية وأدى إلى هلاك وانقراض أنواع كثيرة من الكائنات الحية (According to his model, the Earth ran into a dense trail of material from a large disintegrating comet). والمذنبات هي أجسام جليدية لا يتجاوز قطر نواة معظمها 50 كيلومتر تدور في مدارات بيضاوية حول الشمس وينطلق معظمها من حزام كوبير (kuiper) الذي يقع بعد مدار كوكب نبيتون. وعندما يقترب المذنب من الشمس فإن الجليد المكون من الماء والأمونيا والميثان والغبار يبدأ بالتبخر مكونا هالة ضخمة من البخار قد تصل إلى حجم الشمس وينبعث منه كذلك ذيل طويل قد يصل طوله مائتي مليون كيلومتر وبسمك آلاف الكيلومترات. وبما أن مدار عدد لا بأس به من المذنبات يتقاطع مع مدار الأرض فإنه من المحتمل مرور الأرض في هالة أو ذيل أحد المذنبات كل حين من الزمن.

مقالات ذات صلة

إن الفضاء الواقع بين المجرات وما بين النجوم وكذلك ما بين الكواكب والمسمى بوسط ما بين النجوم (interstellar medium (ISM)) ليس فراغا تاما ولكنه يحتوي على كميات ضخمة من المادة والإشعاعات ولكن بكثافة متدنية إذا ما قورنت مع كثافة الهواء في الغلاف الجوي. وتتكون مادة هذا الوسط في أغلبه من الغاز (gas) بنسبة 99 في المائة ومن الغبار (dust) بنسبة واحد بالمائة ويشكل الهيدروجين تسعين بالمائة من الغازات يليه الهيليوم بنسبة 9 بالمائة وبنسب متدنية من الأوكسجين والنيتروجين وغيرها. أما الغبار فيتكون فهو على شكل حبيبات بالغة الصغر لا يتجاوز قطر أغلبه عشر الميكرومتر وهو بذلك أقرب للدخان منه إلى الغبار الذي نشاهده على الأرض. ويتكون أغلب انواع الغبار من السيلكيت والجرافيت وغالبا ما تكون حبيبة الغبار مغلفة بجليد الماء والأمونيا والميثان. إن مصادر مادة وسط ما بين النجوم هو بقايا الانفجار العظيم من الهيدروجين والهيليوم ومخلفات النجوم المنفجرة في آخر عمرها أو ما يسمى بالمستعرات العظمى (supernova) والمواد المتطايرة من تصادم المجرات والنجوم والكواكب والكويكبات ببعضها البعض.

إن مادة وسط ما بين النجوم ليست موزعة بانتظام في الفضاء بل تتوزع على شكل سحب كونية (cosmic clouds) أو ما يطلق عليها السدم (nebulae) بأحجام وكثافات ودرجات حرارة ومكونات مختلفة وذلك حسب موقعها في الفضاء الكوني. فمن حيث الكثافة فإنها تتراوح من جسيم واحد أو أقل إلى عدة ملايين جسيم في السنتيمتر المكعب ومن حيث درجة الحرارة فإنها تتراوح بين 10 إلى عشرة ملايين درجة كلفن. وتصنف السحب الكونية تبعا لمكوناتها فهناك السحب الجزيئية (molecular cloud) والتي تتكون من جزيئات الهيدروجين والهيليوم وهي متعادلة كهربائيا والوسط المتعادل البارد (cold neutral medium) والوسط المتعادل الحار (hot neutral medium) وكليهما تتكونان من ذرات الهيدروجين والهيليوم المتعادلة كهربائيا والوسط المتأين الحار (hot ionized medium) والذي يتكون من أيونات الهيدروجين والهيليوم. وتصنف أيضا لكثافتها وتفاعلها مع الضوء فهناك السدم السوداء (Dark Nebulae) الكثيفة التي لا تسمح بمرور الضوء من خلفها وتلك التي تبعثر الضوء أو تعكسه كالسدم المبعثرة (diffuse nebulae) والسدم العاكسة (Reflection Nebulae) وغيرها.

تسبح الشمس مع كواكبها في الوسط ما بين نجمي بسرعة 720 ألف كيلومتر في الساعة وذلك أثناء دورانها حول مركز مجرة درب التبانة. ويلزم في هذا الحال حماية المجموعة الشمسية وخاصة الأرض المأهولة بالحياة من خطر دخول الغبار الكوني والرياح النجمية () المحملة بمختلف أنواع الجسيمات الذرية والإشعاعات القاتلة. وقد أبدع الله عز وجل آلية حمايةعجيبة لهذا الغرض وهي ما يسمى بالغلاف الشمسي (heliosphere) والذي يحيط بالمجموعة الشمسية ككرة متطاولة يتراوح نصف قطرها بين 80 و 100 وحدة فلكية (الوحدة الفلكية هي المسافة بين الأرض والشمس وتساوي 150 مليون كيلومتر تقريبا). ويتكون الغلاف الشمسي من المجال المغناطيسي للشمس والرياح الشمسية (solar winds) التي تنطلق من الشمس وكذلك من المجالات المغناطيسية التي تنشأ حول تيارات الجسيمات المشحونة التي تنطلق بسرعات عالية. يتكون عند وصول الرياح الشمسية إلى الوسط ما بين نجمي ما يسمى بحد صدمة الانتهاء (termination shock) حيث تهبط سرعتها من ما يقرب من ثلاثة ملايين كيلومتر في الساعة إلى أقل من ألف كيلومتر في الساعة. وبعد هذا الحد تتكون منطقة من الرياح الشمسية المضغوطة عالية الكثافة تسمى الدرع الشمسي (helioshealth) وهو الذي يحد من دخول مكونات الوسط ما بين نجمي وخاصة الرياح النجمية إلى داخل المجموعة الشمسية. وتوجد بعد الدرع الشمسي منطقة تسمى التوقف الشمسي (heliopause) يتساوى فيها ضغط الرياح الشمسية مع ضغط الرياح النجمية. ويعمل الغلاف الشمسي كفقاعة (bubble) تحيط بالمجموعة الشمسية وتقوم بحمايتها من مخاطر مكونات السحب الكونية ويتغير حجم هذه الفقاعة تبعا لضغط الوسط ما بيني نجمي الذي تمر به المجموعة الشمسية وصدق الله العظيم القائل “وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ (32)” الأنبياء.

إن أجرام الكون كالمجرات والنجوم والكواكب تسير في مسارات ومدارات محددة تمنعها من الاصطدام ببعضها البعض إلا في حالات نادرة أما السدم أو السحب الكونية فإنها تسبح في الفضاء بطريقة غير مستقرة حيث تعمل الرياح النجمية (stellar winds) بدفعها بعيدا عن النجوم كما تسوق الرياح سحب الغيوم في جو الأرض. وتمر المجموعة الشمسية أثناء دورانها حول مركز المجرة بأنواع مختلفة من السدم والسحب الكونية وقد يتسبب مرورها ببعض السحب عالية الكثافة من دخول مكونات هذه السحب إلى داخل الغلاف الشمسي وقد يصطدم بكواكبها خاصة الأرض فيهدد الحياة عليها. فقد اكتشف علماء الفلك أن الأرض قد تمر في سحابة جزيئية ضخمة (giant molecular cloud (GMC)) متوسطة الكثافة (≥330 H atoms cm−3) كل مائة مليون سنة وعالية الكثافة (∼2 × 103 H atoms cm−3) كل بليون سنة. ولقد قام عدد من علماء الجيوفيزياء بدراسة الآثار المترتبة لمرور الأرض في مثل هذه السحب الجزيئية على الحياة على الأرض. ففي أحد هذه الأبحاث تبين للباحثين أن مرورها في سحابة متوسطة الكثافة (330–103 H atoms/cm3) قد تتسبب في تغير مناخي (significant climate impact) أهم أحد أشكاله تجلد (glaciations) المناطق المحيطة بقطبي الأرض (ice‐line at 50–60° latitude). وأما إذا ما مرت في سحابة عالية الكثافة فقد تتسبب في تغير مناخي مثير (dramatic climate change) كظهور عصر جليدي (ice ages) أو (global snowball glaciations). وفي هذه الدراسة توصل الباحثون إلى أن الأرض من المحتمل أنها قد مرت على الأقل مرتين في سحب جزيئية عالية الكثافة وتعرضت بسبب ذلك لعصور جليدية إتنين منهما حدثا قبل 600 و 750 مليون سنة (∼600 Myr ago and ∼750 Myr ago).

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى