غريب أمر القضية !
د. علي المستريحي
أجزم أن ربط القضية الفلسطينية بالعرب باعتبارها “قضيتهم الأولى”، (وباستثناء الأردن، نتيجة لواقع العلاقة المتشابكة بينهما)، كان خطأ تاريخيا واستراتيجيا فادحا، وكان رهانا خاطئا أضر بالقضية نفسها ولم ينفعها. تماما كرهان الفلسطينيين على أمريكيا واستثمارهم بالعلاقة معها كراع للسلام، دون الإلتفات طيلة عقود للاستثمار بتحالفات أخرى (مثل الاتحاد الأوروبي ومحور شرق الكرة الأرضية)، أو خيارات أخرى (وتحديدا خيار المقاومة).
وبالطرف المقابل أيضا، فإنني أفترض أن ارتباط العرب بالقضية الفلسطينية (وفي ظل ضعفهم ووهنهم منذ بدايتها) ربما أضر بالعرب أنفسهم أيضا، فلولا ذلك الارتباط، لما نصبت قوى الاستعمار الجديدة العداء لهم، وربما تركوا العرب وشأنهم! الأمر يشبه إلى حد كبير أن يتعرض شخص ضعيف لضرب شخص يتمتع بالقوة، ثم يذهب الضعيف للاختباء خلف شخص ضعيف آخر، فيتبعه القوي بضرب الإثنين، فلا دافع الضعيف عن نفسه ولا استطاع الضعيف الآخر أن يجير الأول ويحميه، ولا حتى حمى نفسه من ضربات القوي! وترجمة هذا، أن تتعرض فلسطين لضرب إسرائيل وأمريكا، ثم تطلب فلسطين حماية العرب، فتتبعها إسرائيل وأمريكا إلى حيث العرب، فلا دافعت فلسطين عن نفسها، ولا استطاع العرب حمايتها، ولا حتى حمى العرب أنفسهم من عدوان إسرائيل وأمريكا!
وبنفس السياق، ومن المثير للغرابة أيضا، أن ارتباط العرب بالقضية الفلسطينية قد استغله الحكام أنفسهم كشماعة وسيف مشهر على رقاب شعوبهم، وسوط يجلدونهم به، وحجة لعدم قيامهم بإحداث إصلاحات جذرية مقنعة بدولهم من خلال فرض الأحكام العرفية مرة، وتقييد الحريات وتكميم الأفواه المطالبة بالإصلاح مرات ومرات، باعتبار أن الدول العربية بأزمة (أزمة القضية)، ولا يجب يعلو صوت أو تعلو قضية بالأهمية فوق تلك القضية!
أقول هذا ودليلي هو النتيجة التي انتهت القضية إليها اليوم والواقع المأساوي الذي وصل إليه العرب .. صحيح أنه لو لم يراهن الفلسطينيون بالاعتماد على العرب لحل قضيتهم منذ بدايتها لربما لم يحقق لهم وضعا أفضل، ولكن لن يكون بأسوأ حال مما وصلت اليه القضية بالرهان على العرب ! كما أنه لو لم يستخدم الحكام العرب ورقة القضية ضد شعوبهم المطالبة بالإصلاح لربما لم يتحقق لتلك الشعوب واقعا أفضل، ولكن بكل تأكيد لن يكون بأسوأ حال مما وصلوا إليه تلك الشعوب الآن ..
غريب أمر القضية! حالها كحال خبز الشعير المأكول المذموم .. علينا أن نعترف أنها أكثر قضية بالعصر الحديث تم اللعب والمتاجرة بها، حتى من الكثير من ملاّكها الأصليين أنفسهم واستخدمت أسوأ استخدام من كل من وضع اصبعه على جرحها ..
أقول وأجري على الله، لو لم ترتبط القضية بالعرب، وبقيت شأنا فلسطينيا خالصا، لتحررت منذ زمن .. دليلي أنها قضية الاستعمار الوحيدة التي لا زالت عالقة وعصية عن الحل إلى اليوم ..