عَيني الثالِثة
لَا شَك أَنَّ هُناكَ صَوتٌ بِداخِلكَ يأمرُكَ وَينهِيكَ ، يُناديكَ ويُوقفُكَ كُلَّما هممتَ لِمُواجههِ الحياةَ ، يُرشِدُكَ قبلَ الخوضِ في ميدايِنْ التجارِبِ ، يفرُّ بكَ بعيداً قبلَ الاقترابِ ، يجعلُكَ تصمُتُ قبلَ الحديثِ وتتحدَّثُ قبلَ الصَّمتِ ، لِيُزِيلَ الصُّخورَ العمْلاقَةَ الَّتي تُجابِهُكَ ، يفرُّ بكَ عنْ صِدَامٍ العالَمِ وَيُساعِدُكَ عنْ الخَوضِ بِجَحيمٍ مُوحِشٍ ، لَهُ عَينانِ عَمِيقتَانِ مِثلَ زَرقاءِ اليمَامِةِ وَ عَصَا سِحرِية تَجعَلُكَ تَرى طرُقًا قَبلَ الْمَسيرِ .
الْحَدْسُ هو تِلكَ القِلادُهُ المُهْدَاهُ إلي مِنَ السمَاءِ فلا انْتَزَعَهَا مِنْ عُنُقِي إنَّهُ شَبِيهٌ بِأُمِّي التي تَرَى بِبَصِيرَتِهَا ما لا أَراهُ بِبصرِي فَيحنُوا عَلَيَّ قبلَ أَنْ اتَّقدمَ بِضعَ خُطُواتٍ ، فَفي كُلِّ المرَّاتِ الَّتي تَجاهلَتْ نِدَاءاتِ حَدسِي غيرَ مُكترِثِةٍ اعترَانِي شُعُورٌ بالتَّأْنيبِ ، تجرَّعْتُ كأْساً مُراً كَالعلقمِ ، اشتَعلَت بِقلبي نِيرانٌ كانَ اسوِدَادُهَا عالِقًاً كالحَرَائِقِ ، وَذَرَفَتْ دُمُوعًاً أَشْغلَتْ فُؤَادِي ، وَزَرعْتُ بِحَنجرَتِي غَصَّة لِمْ أستَطِعْ انتِزَاعَهَا ،إِنَّهُ كالُحُبِّ يَنصَهِرُ فيكَ رَافِضاً جِرَاحَكَ وَانتِحَابَ رُوحِكَ وَشَرخَ شُعُوركَ ،فَيُنقِذُكَ مِن عُبُورِكَ لِشوارِعِ الْمَوتِ بَعِيداً عَنْ ضَمائِرِ بَعْضِهِم اللامبالِية وكُهوفِهِم المظلِمُةِ وَصَفعاتِ خناجِرِهِمُ السَّامِةِ فَيَنْتَشِلُ وِجدانُكَ قَبلَ أَنْ يَهوِيَ مِن جِدارِ صَدرِكَ..
فَلِماذا لا تستمِعْ لِرفِيقِكَ الذي يأخذُ بيدِكَ للصوَابِ ؟
لِمَاذَا لَا تُقرُّ بِالحقيقَةِ ؟
لِماذَا تجعلُ مِنْ نفسِكَ طفلهُ أَمامَ هواجسكَ وَظُنونِكَ؟
لِمَاذَا تُطلِق تَنهِيدَهُ الندمَ كُلَّما أَدرتْ لهُ ظَهركَ؟
انصِتْ لِحَدسِكَ بِآذانِ صَاغِيهِ أَنهُ ككِتَابٍ مَفتوحٍ ، يُجنِّبُكَ العيشُ مع هذَا العَبئِ ، وَانْ كانتْ نَبرتُهُ حادَّهُ كَسكينٍ فَانهُ يقطعُ لكَ شَكْكَ بِاليقِينِ .