
د. #هاشم_غرايبه
لدى متابعة سياسات أنظمتنا العربية، نكتشف أنها ليست مصادفة أبدا أن يتلازم تسارع التطبيع مع العدو الصهيوني مع الإبتعاد التدريجي عن الإسلام، والمتمثل بالتحولات الإنحلالية ونشر دور اللهو وأماكن الترفيه المحرم.
للجزيرة العربية خصوصية، ففيها قبلة المسلمين وبيت الله الحرام، فيها أشرقت شمس الهدى للعالمين أجمع، ومنها انطلقت الدعوة، لذلك أرادها الله أن يبقى فيها الدين خالصا لله، فأمر نبيه ومن معه بأن لا يبقى فيها كافر أو مشرك: “وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّه” [الأنفال:39]، لذلك أخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود من المدينة، وأوصى المسلمين بإكمال تطهير الجزيرة بكاملها من المشركين والكفار، فقد صح عن أبي عبيدة بن الجرَّاح رضي الله عنه قال: آخرُ ما تكلَّم به النبيُّ صلى الله عليه وسلم: “أخرجوا يهودَ أهل الحجاز، وأهل نجران من جزيرة العرب، واعلموا أن شرار الناس الذين اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد” [رواه أحمد (3/221) وصححه ابن عبد البر في “التمهيد”(1/169)، والألباني في “السلسلة الصحيحة” 1132 ].
حافظ كل الخلفاء والولاة على هذا، فلم يسمحوا طوال الأربعة عشر قرنا المنصرمة، بإقامة بيوت عبادة في الجزيرة العربية غير المساجد التي يذكر فيها اسم الله وحده.
في السنوات العشر الماضية، واستكمالا للحرب الأمريكية على الإسلام المسماة (الحرب على الإرهاب)، والتي تبين أنها رغم نجاحها في تدمير المجتمعات المسلمة وأعاقة تقدمها، إلا أنها فشلت في الهدف الأول وهو صدها عن منهج الله، بل اصبحت اكثر تمسكا به ومطالبة باتباعه، فجرى الايعاز للأنظمة بشن الحرب الفكرية، والتركيز على الأنظمة الخليجية باختراق الدين تحت مسمى التسامح الديني، وكانت الخطوة الأولى هي إنشاء معبد بوذي، فكان ذلك أول إعادة للأصنام الى جزيرة العرب منذ يوم فتح مكة، ولما سكت الناس عن ذلك جاءوا بفكرة إنشاء (البيت الإبراهيمي) في أبوظبي أيضا، وهو تجميع مسجد وكنيسة وكنيس معا، لتجسيد الفكرة التي قال بها “السيسي” أن الأديان واحدة، والهدف كسر الأمر النبوي بمنع وجود أية معابد غير المساجد لقوله صلى الله عليه وسلم “لا يجتمع في الجزيرة دينان”.
وقد خرج بعض شيوخ السلاطين وأتباعهم بالقول أن هذا الأمر يقتصر على مكة والمدينة، لكن فتوى الشيخ بن باز كذبتهم وكان نصها قاطعا: “ولا يجوز أن يبنى في الجزيرة معابد للكفرة لا النصارى ولا غيرهم، وما بني فيها يجب أن يهدم مع القدرة. وعلى ولي الأمر أن يهدمها ويزيلها ولا يبقي في الجزيرة مبادئ أو معاقل للشرك ولا كنائس ولا معابد، بل يجب أن تزال من الجزيرة، حتى لا يبقى فيها إلا المساجد والمسلمون” [فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز” (3/282 )] .
القول أن الأديان واحدة والمعابد كلها سواء، هو شرك بالله جلي، لأنه تعالى قال: “وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا” [الجن:18]، والأديان ليست عند الله واحدة:” إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ” [آل عمران:19]، فكل الرسالات من بعد نوح نزلت بالدعوة إليه، ولم يدعُ أي نبي لغيره، وجاء التأكيد على كل نبي بلا استثناء قد دعا الى الاسلام في ستة عشر آية، وهي لمن أراد المحاججة: البقرة: 131 و124 و135 ، والنساء: 163 و165 و125، وآل عمران: 19 و65 و 68 و52 و67، ويونس: 72 و84 ، والنحل: 123 والحج: 77 و78.
هكذا نرى أن هوان العرب وذلهم هو نتيجة حتمية لإعراضهم عن مصدر عزتهم وهوالدين، ومخالفة أمر الله بموالاة أعدائه من دون المسلمين: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ”.