عيد الشكر بين الأمريكان والعربان
في الأسبوع الأول من هذا الشهر احتفلت أمريكا بما يسمى «عيد الشكر»…..ففي عام 1620 وصل بعض الإنكليز إلى مدينة بليموث في ولاية ماساتشوستس، وبعد رحلة طويلة وبسبب قلة خبرة المهاجرين في الزراعة والطقس البارد توفي البعض منهم.
وبعد شهور تدخّل أحد الهنود، وكان رئيس قبيلة مسيطرة في المدينة، فتقرّب من المهاجرين الإنكليز لإنقاذهم من المعاناة والخسائر التي تواجههم، فعلمهم طريقة صيد الديك الرومي، الذي كان متوفرا في الأنحاء بكثرة .
ومن ذلك الوقت والمستوطنون في امريكا يحتفلون بهذا العيد عن طرق طبخ الديك الرومي الذي انقذهم من المجاعة والموت، بعد ان طبخوا وأكلوا جميع هنود امريكا، بسبب طيبة رئيس القبيلة الذي علمهم الصيد.
يعني …أن مستعمرين قادمين من الغرب منحوا انفسهم حق طرد الشعب الأمريكي الأصلي وحلوا محله بكل وقار وسؤدد، وهم يحتفلون بهذا الإحتلال سنويا في عيد الشكر، فهم مستوطنون مستعمرون وهذا وجه التطابق بينهم وبين الصهيونية، فلا داعي لإتهامهم بالكيل بمكيالين، لكأنهم يشتغلون عتّالين على باب بابور الطحين اللي بحارتنا .
الصليبيون الذين غزوا الشرق في القرن الحادي عشر وما تلاه من قرون، تجاوزوا رسالة المحبة المسيحية، و(من ضربك على خدك الأيسر فأدر له الأيمن)، واعتبروا القتال ضد (السراسنة) – كما كانوا يسموننا- رسالة سماوية وهدفا دينيا يبتغي مرضاة الله، ولم ينسوا قبل وصولهم الينا في الحملة الأولى ان ينهبوا (القسطنطينية ) مهد المسيحية الشرقية القويمة، لا بل ان احدى الحملات الصليبية (الرابعة) تناست دورها في تحرير بيت المقدس كما كانوا يدعون، وقامت بغزو القسطنطينية وذبح الالاف من سكانها ثم اسقطت امبرطور بيزنطة الفعلي، ووضعوا مكانه واحدا من جماعتهم.
نعود للكيل بمكيالين، فهذا وضع طبيعي نقوم به نحن ايضا، ولا يمكن اعتبارها تهمة، الا في نظر الذين ينظرون للأمور بشكل مسطح، أو للفلاسفة الأخلاقيين الذين ينسون بشاعة الواقع ويركزون على متانة المنطق الصوري داخل النظرية الأخلاقية التي يعتنقونها.
انت وأنا مثلا ….اذا رأينا ان موقع أخونا، طريد (العدالة الأمريكية) جوليان أسانج مؤسس موقع(ويكيليكس) الإلكتروني، المتخصص بفضح السياسات العالمية ( والأمريكية على الأكثر) بالوثائق، إذا رأينا أن ما نشرها يتناسب مع وجهات نظرنا، فإننا نشيد بشجاعته وعبقريته، أما إذا نشر وثائق تفضح اصدقاءنا أو من نعتبر أنفسنا معهم بذات المعسكر، فإننا بلا شك سنتهمه بالولاء للصهيونية، وبأنه مجرد مؤامرة تستهدفنا، وهي ممولة من الموساد والسي اي ايه، لا بل اننا لا نتورع أن نذكر كمية الأموال المصروفة وأرقام الحسابات السرية . ……!!
لا اطالب احدا منكم أن يكون موضوعيا، لأني أنا شخصيا لا استطيع ان أكون كذلك، لكني (أطالبنا) بأن نعترف بلا موضوعيتنا، لعلنا نفهم العالم أكثر، والأهم، أن نفهم انفسنا أكثر حتى نشتبك مع الواقع بشكل حقيقي، وليس تحت شعارات جوفاء وكليشيهات تافهة مثل قصة الكيل بمكيالين.
وتلولحي يا دالية