عيد الدّحيات بكى مرتين …حينما أقاله زيد الرفاعي….والثانية حينما طعن الخصاونة في خاصرته

كالعادة سرعان ما تحول الوئام المؤقت ما بين رئيس الوزراء زيد الرفاعي الذي شكل حكومته الرابعة في الرابع من نيسان من العام #1633;#1641;#1640;#1637; الى خصومة ما بينه وبين مدير المخابرات آنذاك طارق علاء الدين بفعل التنازع على الصلاحيات والتدخل المباشر من قبل اللواء آنذاك طارق علاء الدين في توجيه الوزراء وإملاء تعليمات مباشرة لوزراء المواقع السيادية.

بعد مضي اكثر من عام على عمر حكومته أراد الرفاعي ان يغازل الجنرال القوي في “دائرة المخابرات”، ليسلم من تقاريره التي كانت ترسل يوميا الى قصر رغدان محذرة من خواتيم الامور او ما وصفته تلك التقارير بالأسلوب “العنجهي” الذي يدير به الرفاعي شؤون الدولة. فطلب الرفاعي من دائرة المخابرات،وهو يعني مديرها حصرا بتنسيب اسماء لوزراء ترى “الدائرة” اهليتهم في تولي مناصب وزارية في تعديل وزاري ينوي إجراءه على حكومته خلال ايام .

بلع الجنرال الحذر طارق علاء الدين “الطعم” وظن للوهلة الاولى ان طلب الرفاعي هذا هو عبارة عن رفع للراية البيضاء واستسلاما لتوجهات الدائرة، فكانت اولى الترشيحات لاسم أكاديمي مغمور من “قضاء”الشوبك اسمه “عيد الدحيات”، لكنه يحظى بمصداقية عالية لدى الجهاز الذي تعاون معه الدحيات في كل مراحلة التعليمية ، ويحظى أيضاً باحترام جنرال المخابرات القوي، الذي وان كان شركسيا،الا ان لمحافظة معان التي ولد فيها معزة خاصة في قلبه.

في السادس والعشرين من نيسان للعام #1633;#1641;#1640;#1638; تلقى الرئيس زيد الرفاعي اتصالا من مدير مكتبه يعلمه بوصول اثنين من الوزراء المرشحين من قبل دائرة المخابرات وانهما ينتظران في مكتبه،فعاد الرفاعي الحريص على إظهار حسن النوايا للجنرال طارق علاء الدين الى مكتبه الذي غادره منذ قليل، وبدا واضحا من طريقة سلامه السريعة عليهما حينما دلف للمكتب ووجدهما بانتظاره انه لم يعرف أحدا منهما.

خرج الرفاعي من هذا الأحراج حينما طلب من مدير مكتبه ان يدخلهما اليه كل على حده ويضع أمامه ورقة يكتب عليها اسم الوزير المرشح تفاديا للإحراج، وهو ما تم فعليا، حيث حرص الرفاعي ان يسمعها مديحا لا سابق له في جهاز المخابرات ومديره لانه يعرف جيدا ان الرجلين ما ان يغادرا مكتبه حتى يقومان بكتابة تقاريرهما عن تلك المقابلة وما جرى فيها .

في اليوم التالي ،اي في السابع والعشرين من شهر نيسان للعام #1633;#1641;#1640;#1638; صدرت الإرادة الملكية السامية بالموافقة على التعديل الوزاري الذي أجراه الرئيس زيد الرفاعي، وعين بموجب ذلك التعديل الأكاديمي عيد الدحيات وزيرا للشباب وهو موقع تحظى به عادة “محافظة معان” التي يتبع اليها اداريا “قضاء” الشوبك انذاك قبل ان يصبح لواء فيما بعد ضمن المحاصصة الجغرافية للمواقع الحكومية.

سرعان ما اكتشف جنرال المخابرات ان مهادنة زيد الرفاعي لم تكن سوى تكتيكا مؤقتا وان صفاء قلبه ما هو الا مرحلة استفاد منها الرفاعي كثيرا حينما استبعد فيها “الجهاز” من مناكفته والتنسيب للقصر بالموافقة على اجراء التعديل الذي “طير” فيه الرفاعي وزراء كبارا كانو محسوبين على الجهاز في حكومته السابقة واستبدلهم بوزراء ضعاف في وزارات ليست ذات اهميه، مما اشعل الحرب مجددا ما بين الرفاعي المدعوم من القصر بثقة قل نظيرها، وجنرال المخابرات المدعوم بنفوذه وسطوة موقعه.

تعايش الرفاعي لأقل من سنتين بقليل مع وزراء “المخابرات” كما كان يسميهم ، الى ان حصلت واقعة غيرت مجرى الاحداث وجعلت الرفاعي المعروف بهدوئه ودهائه يخرج عن طوره ،…. حادثة “توزيع منشورات” مكتوبة بخط اليد غزت محافظة معان ،وانتشرت في باقي محافظات المملكة كالنار في الهشيم دون ان تتحرك دائرة المخابرات او تبحث عن الفاعل،رغم انها تتعرض بشكل شخصي ومهين لرئيس وزراء الأردن وبمعلومات لا تمتلكها الا اجهزة مخابرات دولة .

اشتكى الرفاعي للملك الراحل الحسين بن طلال الذي بدا واضحا انه غضب غضبا شديدا من تلك المنشورات، واتصل الملك على الفور بمدير المخابرات وأمره بمعرفة الفاعل وتقديم تقرير له بهذا الشأن خلال أيام.

بدأت الوساطات تنهال على الرفاعي للملمة الأمر وتبين للرفاعي ان من كتب المنشورات هو “وزير الرياضة والشباب” في حكومته عيد الدحيات، وأن الدحيات يرفض ان يقر بأن من زوده بتلك المعلومات هو جهاز المخابرات.. قبل الرفاعي الوساطات شريطة ان يأتي الوزير الدحيات لمكتبه معتذرا، وهو الامر الذي حصل فعليا، ومارس فيه الرفاعي اذلالا للرجل ما بعده اذلال إذ تعمد ان يأتي اليه وزيره في نهاية الدوام، وحينما حضر الوزير الى المكتب قال له مدير مكتب الرفاعي ان الرئيس ذهب الى منزله وسيعود بعد قليل وان عليه ان ينتظر. مر الوقت بطيئا جدا والوزير الدحيات ينظر الى ساعته التي شارفت على الخامسة والنصف مساء دون ان يأتي الرئيس.

في السادسة مساء دخل الرفاعي وألقى التحية دون ان ينظر لوزيره ودخل مكتبه لحوالي ربع ساعة قبل ان يأذن للوزير الدحيات بالدخول.

الوزير الدحيات المعروف بهدوئه وأدبه الجم في الحديث، جاء دخوله الى مكتب الرئيس الرفاعي دخولا دراميا فاجأ الرئيسً وفاجأ مدير مكتبه الذي استوقفته قبلات الوزير الدحيات الحاره على وجنتي الرئيس وعلى رأسه معتذرا عما بدر منه ، وما هي الا لحظات حتى انهارت دموع الوزير الذي فقد السيطرة على مشاعره فيما يبدو مرددا عبارة ” حسبي الله ونعم الوكيل على اولاد الحرام” .

الرفاعي الذي تأثر بدموع الرجل سأل سؤالا واحدا: اذا كنت تراني بهذا السوء فلماذا لم تقدم استقالتك؟ . لي الشرف ان اخدم بمعية رجل مثلك لكن حسبي الله ونعم الوكيل على الي كانوا السبب – رد الوزير الدحيات.

“اخرج الرفاعي ورقة بيضاء من درج مكتبه وأعطاها للوزير الدحيات قائلا : أظنك فهمت!؟ فرد الوزير الدحيات انت وعدت” الجماعة” انك لن تقيلني!

انها استقالة ( قال الرفاعي) وانا وعدت ان لا اقيلك فقط لكنني لا استطيع ان امنع وزيرا من الاستقالة..؟!!

كما تريد دولتك … كما تريد ، عبارة ظل يرددها الوزير الدحيات وهو يكتب استقالته. وفي الأثناء قال الرئيس للوزير الدحيات: هل تعرف لماذا أنا مصر على استقالتك؟ . قال الوزير لأنني تطرقت الى مسائل شخصية ، فرد الرفاعي: هذا امر تجاوزته باعتذارك لي ،،لكنني مصمم على استقالتك لاعلمك درسا قد ينفعك في المستقبل، وهو ان لا تكتب يوما بيانا او وثيقة بخط يدك لئلا تدينك، وان لا تبكي يوما “حرصا على موقع “مهما كان نوعه لأن دموع الرجال غالية!!.”

اقيل او استقال الوزير الدحيات من حكومة زيد الرفاعي الرابعة في اليوم التاسع من شهر كانون الثاني للعام #1633;#1641;#1640;#1640;،وتم تعيين عدوه وخصمه التقليدي د. عوض خليفات .

وكانت هذه الحادثة سببا رئيسيا في اقالة جنرال المخابرات الفريق لاحقا طارق علاء الدين، الذي بقي على كرهه لعائلة الرفاعي حتى يومنا هذا، إذ ان أحدا لا ينسى ما قاله الفريق طارق علاء الدين في حضرة ” سيدنا” حينما التقاه مع مجموعة من رجالات الدولة قبل عدة اشهر اثناء تولي دولة سمير الرفاعي الابن رئاسة الوزراء، حيث هاجم مدير المخابرات الاسبق سمير الرفاعي بالاسم، وحمل على سياسات حكومته وممارساتها التي وصفها بانها السبب الاساس في بلاء الناس، وغلاء الاسعار، وتأزيم الاوضاع، وتصغير مقام رئاسة الوزراء·· محذراً من عقابيل اداء هذه الحكومة على الامن الوطني والاستقرار العام، ومستذكراً – في معرض المقارنة – ما سماها باخطاء وبلاوي حكومة زيد الرفاعي الاب التي تسببت في اندلاع اكبر انتفاضة شعبية عام 1989 كادت تحرق الاخضر واليابس لولا حكمة المرحوم الملك حسين·

دارت السنوات واعتزل ” ثعلب” السياسة الاردنية زيد الرفاعي العمل العام وتفرغ الرجل لتربية أحفاده لكنه بقي جزء من النظام، في الوقت ألذي اصبحت فيه السياسة محرقة لخصومه، ومنهم بالقطع وزيره ” الباكي” عيد الدحيات الذي يصر زيد حتى يومنا هذا بذكر اسمه بلغة عربية فصيحة وبالتشكيل أيضاً ، وثبت ان الرجل لم يتعلم بعد من درس الرفاعي قبل اكثر من عشرين عاما، وكرر ذات الغلطة قبل حوالي اسبوع فقط، وبكى مرة ثانية ندما حينما تحول الى شوكة في خاصرة رئيس الوزراء المستقيل القاضي الدولي عون الخصاونة ووقع في غيابه على قرار بالتمديد لمجلس النواب، ظانا انه سيعين رئيساً للوزراء للمرحلة القادمة بعدما تم تمرير عدة تقارير إعلامية تغنت به واشارت الى انه اصبح خيارا وعنوانا مطروحا لتولي ادارة المرحلة القادمة من عمر الوطن، ليكتشف الرجل متأخرا انه تعرض الى خديعة بعدما خذل القاضي الدولي وتآمر عليه ، وأن الوعود ما كانت سوى سراب لهث وراءه ، حتى انهم استبعدوه أيضاً من اي منصب وزاري في حكومة الطراونة ، ليردد الرجل والدموع في عينيه ذات العبارة التي رددها قبل حوالي ربع قرن: حسبي الله ونعم الوكيل على اولاد الحرام!!

لكن دون أن يقول له أحد هذه المرة … “دموع الرجال غالية ” ؟!!

تأبّط وطنا….صحيفة آخر خبر

ف . ع

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى