[review]
في عمر تسع سنوات تمكّنت من حفظ "جزء عمّ" كاملاً بوقت قياسي ، كما استطعت اجتياز الامتحان التحريري في المسجد بدون أخطاء، فلم يضع جهد الشيخ محمود سُدىً، خلال المدة التي قضاها معنا يدرسنا ويعلمنا التلاوة واحكام التجويد بين صلاتي العصر والمغرب..يومها قرأ ورقة اجابتي ، هزّ رأسه مفتخراً ربت على كتفي ثم اعطاني حبة "سكّر فضّي" و قال: في الغد لكم تكريم..
في اليوم التالي وبعد صلاة العصر ايضاَ كرم الثلاثة الأوائل وكنت على رأسهم ..كانت حصتي كتّيب" حصن المسلم" بدون "جلدة"..و"ساعة يد" وضعها في باكيت نظارة..تبين فيما بعد انها "ساعة مستعملة" لأن "الكستك" مهترىء قليلاً وثقوبه موسّعة ناهيك على ان رائحتها"حُلبة"..صحيح اني فرحت بها أيما فرح..لكن بقي منظرها المهلهل يذكرني ان هديتي ناقصة..
في السنة الأخيرة من الدراسة ..أقامت جامعتنا يوماً تكريمياً للمتميزين..وقد ابلغني مشرف النشاط ان اسمي قد ادرج من بين المكرمين تقديراً لتفوقي في كتابة القصة..وبالفعل يوم الاحتفال نودي على اسمي ، توجهت الى المنصة حيث يقف رئيس الجامعة صافحته فسلمني درعاً صغيراً وساعة"اوميكس"..في الكاريدور فتحت الباكيت لأكتشف أنها ساعة "ستّاتي"!!!… بالصدفة مرت من جانبي زميلة وقد كانت تتذمّر شاكية لصديقتها ان نصيبها من التكريم لم يكن سوى ساعة "رجالي"..تردّدتُ كثيراً وقتها، فانا بين خيارين : إما ان أجري عملية تحويل "جنس" حتى أستطيع ارتداء الساعة بكل فخر وأريحية..أو ان اقترح على الزميلة المبدالة !!..ولأنني خجول وجبان وكسول.. رضيت بالساعة "الستاتي " التي فرحت فيها ايما فرح..لكن منظرها "الناعم" كان يذكرني ايضاَ أن هديتي ناقصة..
قبل سنة تقريباً دعينا أنا وصديقي العزيز موسى حجازين الى احدى الجامعات الخاصة لتكريمنا ، وبالفعل استقبلنا استقبال الفاتحين ولم يبق احد من اعضاء مجلس الادارة او المدرسين او طلاب الجامعة الا وتصوّر معنا أو بادلنا المحبة بالمحبة ..في نهاية الفعالية قام رئيس الجامعة بتسليمنا الدروع وشهادات التقدير و الهدايا التذكارية وسط بريق فلاشات العلاقات العامة وتصفيق وتصفير الحضور.وقبل ان نجلس على كراسينا ،تبرّع احد شباب "الأشرز" ان يحمل عنا الهدايا ليريحنا ، فشكرناه على لطفه… حتى لحظة كتابة هذا المقال لا أثر للشاب ولا للدروع التكريمية التي تبرع بحملها..
أمضيت عمري وانا أبتهج للهدية المغلفة ..لكن ما ان أفتحها حتى اكتشف أنها اما ناقصة او مسروقة..
**
اذا كانت تحويلات "الرؤوس الكبيرة" للقضاء ..هي هدية وتكريم لهذا لشعب العظيم لحكمته وصبره عليهم ودفعه فاتورة فسادهم لسنوات طويلة ..فالهدية ما زالت ناقصة بنقصان "رؤوس أخرى" يجب تحويلها قبل غيرها..
في نفس الوقت لا نريد "ادخالهم السجن" باليد اليمنى وسط فلاشات التصوير الاعلامي وتصفيق وتصفير الشعب.. وفور جلوس الناس على كرسي الطمأنينة والرضا يتم إخراجهم باليد اليسرى؟!..
نريد "هدية الاصلاح" كاملة و على مقاسنا هذه المرة ، هدية جديدة لا مستعملة ولا "مستعارة" ولا مسروقة…هدية تليق بعظمة هذا الشعب واصطباره على السنين العجاف الطوال..
احمد حسن الزعي
ahmedalzoubi@hotmail.com
