عن الخيبات والأمنيات والوطن

[review]

أمتطي صهوة حافلة السادسة والنصف صباحا بنشاط محارب مؤمن بعدالة قضيته ،يجول وجهي في الأبعاد الثلاثة بحثا عن مكان أجلس فيه، تهتز الحافلة معلنة الانطلاق وأنا لا أزال واقفة قريباً من الباب، يتحرك شاب بكسل متعمد ليشعرني بضيقه، فيصرخ قلبي رافضاً أن أُحمِّل غيري عبئي منذ الصباح لكني أجلس بصمت، تنطلق الحافلة مسرعه ويتبادر وجهك إلى خاطري بنفس السرعة، نبدأ يومنا معاً على صوت فيروز المتأرجح بين ارتفاعٍ وانخفاض، يعجبنا أن نتمتع بمنظر الصباح من نافذة الحافلة ,نمُرُّ معا بعينيّ على أراضٍ واسعة يحتضنها هذا الوطن كما نمر على الهموم !! وحدنا تسرقنا أوجاع الوطن باكرا في أول الطريق، تنساب أفكارنا لأسفل الوادي المفروش على جانب الشارع المتعب، وتطير مع الريح إلى آخر فيءٍ يستظل فيه الوطن، دفيءٌ غريب يحتوي جسدي وروحينا رغم أن قطرات المطرعلى الشباك تجمدت بردا .. يغيب صوت فيروز فجأة كما تغيب الأحلام في مدينه ..ويصدح المذياع بصوت أحد الببغاوات الذين أصبحوا عادة صباحية مؤذيه تنعق بالخراب ، لماذا عليهم ان يتواجدوا في صباحاتنا ؟ يسأل قلبي …أنظر إليك ..يحزنني قطعُ تراتيلنا الحبيبة..أنت وأنا والوطن …ثلاثتنا نشبه بعضنا، نختبئ يبعضنا، وثلاثتنا يملؤنا الصباح بالحزن والحب معاً

.

أبتسم للفكرة التي وصلنا إليها متجاهلين صوت الركاب ونعيق المذياع ولعنات السائق المنهالة على السيارات التي عن يمينه وعن شماله، وتأخذنا موسيقى الأحلام من جديد.

مقالات ذات صلة

كم هي الساعةُ الآن ؟؟؟ لا بد أنها جاوزت السابعة، فنحن قريبون من إربد، على مسافة لا تزيد عن تلك التي تفصل بين قلبينا، تختلط أصوات الركاب بأصوات المارة إذا ما احتضنتنا إربد، تأخذنا قدماي لأقرب كشك لنبتاع القهوة ,أشربها كما تحبها أنت ولأني لا أعرف أيها تفضل أعيد اختياري كل مرة علّني أٌصيب ..أين وصلنا ؟؟ كنت تحدثني عن الطفل عاري القدمين الذي وقف أمام طابور المنتظرين يسألهم مستقبل، كم يشبه أوطاننا.. تهمس لي ..يسرقونها في الليل وتمتد أيديهم أبعد من ذلك فتنزع عنها ملابسها وطهرها، ثم في الصباح تقف عارية أمام لعنة النور، فيتجاهلون بؤسها ويدير كلٌّ وجهه يعيب عليها فعلها.

أوااه ..أصرخ ..سامحك الله أضعت علي حافلة الجامعة، أنظر إلى أكوام الطلاب التي تكدست كيف عساني أجتازها ؟ أقترب من التجمع وانتظر مع المنتظرين قدوم حافلة أخرى، فل تذهب محاضرة الثامنة إلى الجحيم، أحلام ورجال ودول ذهبت ولم تهتز الدنيا لأجلها . ما هذه الحدة؟ تسألني عينيك، فأهدأ وأستعيد اتزاني، أهمس لك: أُنظر إلى هذي الفوضى التي تعم المكان.. أُنظر إلى حجم الخيبات التي تمتص ضوء الوجوه .. يقفون كمسافرين في محطة انتظار ..لا يعنيهم شيء يحدث حولهم، سرعان ما يصل القطار ويرحلوا !! ترى كم من الحب يلزم لترتيب كل هذا البؤس؟ ليصبح الوطن يعني أكثر من محطة انتظار؟ ويسأل المستقبلُ طفلاً بدل أن يسأل الطفل ُ مستقبل ؟

عن الخيبات والأمنيات نتحدث يا صديقي ويوجعنا الحديث، عن حدود تداهمنا كلما ناجانا نبض في جزء عربي متعب فتوقفنا، عن أحمرٍ يسيل في أزقة المدن الثائرة وحدها ..الصامدة وحدها ..الباقية وحدها، عن الفقر يسير في الليل يرصد أحلامنا ليعتقلها في الصباح، عن جوع الوجوه المعتمة للألوان وأوراق بيضاء لتبدأ من جديد، نتحدث يا أنت عنهم حتى نثمل بهم، نصُفُّ الأحزان والأمنيات معا لعل الوطن يبصرها معا، ثم نطلقها علها تفترق ولا يكون لقاء

..

يا فتاه !! يصرخ سائق الحافلة ..لم يبقى متسعٌ إلا لراكب واحد .. اصعدي .. أجيب وكأنني لم أستفق منك بعد: لن أركب إلا معه… ينظر سائق الحافلة على جانبي بعجب فلا يجدك ..ثم ينادي على غيري متجاهلاً جنون وافدة بعيد.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى