عندما يستجيب الملك لمطالب شعبه
في كتابه بعنوان ” أسد الأردن ” بالنسخة العربية، يقول الصحفي الإسرائيلي آفي شلايم ما يلي وأقتبس :
” في ظل اللا مبالاه وانعدام الكفاءة في قمة هرم السلطة، استمر تفاقم الأوضاع الاقتصادية داخل الأردن، ووصلت ذروتها في اندلاع اضطرابات الخبز في معان في 14 نيسان 1989. . . أما السبب المباشر الذي أشعل الاضطرابات، فكان الرفع المفاجئ للدعم المالي الحكومي عن المواد الغذائية، وفرض إجراءات تقشفية صارمة، بناء على نصيحة صندوق النقد الدولي. أما التهمتان اللتان وُجهتا للحكومة فكانتا الشمولية الفساد.
لم يفهم الشعب أسباب شد الأحزمة الذي فرض عليه، في الوقت الذي يستغل الوزراء مواقعهم الرسمية لملء جيوبهم بالمال. لقد انفجرت الاضطرابات في البلدات والقرى الأقل تطورا في الجنوب، وهي الأكثر موالاة للنظام تاريخيا. بدأت الاضطرابات في معان والطفيلة والكرك ثم امتدت إلى السلط شمالا. وندد المتظاهرون بإجراءات التقشف، وطالبوا باستقالة زيد الرفاعي. ورُفعت عريضة من أهالي الكرك تطالب بإصلاح القوانين الانتخابية القائمة وإجراء انتخابات نيابية ورفع قانون الطوارئ وإلغاء القيود على حرية الصحافة وحرية التعبير.
كان اندلاع الاضطرابات في قلب بلاد الهاشميين، ضرية خطيرة للنظام هزّته من جذوره. فتوجه الأمير حسن إلى الجنوب في محاولة لتهدئة الشعب واستعادة النظام. لكن الجمهور المغضب قذف سيارته بالحجارة. وقطع الحسين زيارته الرسمية إلى الولايات المتحدة، وعاد فورا إلى الوطن لتولي زمام الأمور. كان الملك موضوع غضب الشعب لبعده عنهم، وبسبب نمط حياته الباذخة وفشله في ضبط الفساد المنفلت بين وزرائه . . .
وقد قام الحسين في عام 1989 بسلسلة زيارات إلى الجنوب في سياق محاولته الحد من الأضرار. ومكنته تلك الزيارات من التحدث إلى الناس مباشرة والإصغاء إليهم والاستماع إلى معاناتهم، وكان بعضهم عنيفا. وأشار فلاح كبير السن في معان بإصبعه إلى الملك قائلا: ( أنت تعرف أننا قدّمنا ولاءنا لجدك عندما جاء إلى هذه البلاد، وأنت تعرف أننا نقدم لك الولاء ذاته. أما ما دفعنا إلى التمرد، فهو إجراء وزرائك الذي حرمنا من البيض والبصل والبطاطا والبندورة. لم تعد هذه المواد الغذائية الأساسية متوفرة بسبب ارتفاع أسعارها التي لا نستطيع دفعها ). بعد انتهاء حديث الرجل شعر الملك بالشحوب الثقيل.
وفي تأنيب للملك قال زعيم قبلي في وادي رم بصوت عالٍ : ( أبو عبد الله، أين كنت كل هذه الأيام ؟ نحن بحاجة للماء والكهرباء والعيادات، ورئيس وزرائك لصّ، ووزراؤك غير صالحين ). فردّ الملك على ذلك باعتذار عن عدم وجوده ليرعى احتياجاتهم، واعدا بتصحيح كل شيء بمجرد عودته إلى عمان، ومساءلة المسؤولين في حكومته. وعندما طلب الأمير رعد بن زيد كبير الأمناء إلى الزعيم القبلي مراعاة النظام واللباقة، لم يبالِ الملك بملاحظته وطلب إلى مواطنه المغضب قول ما يريد . . .
صَدَمتْ الحسين اضطرابات الخبز، لكنه استوعب في الحال عمق الأزمة. وأدرك أن الوضع السياسي القائم غير قابل للاستمرار، وأن حريات أوسع يجب إباحتها للناس، وأن قرار رفع الأسعار لا يمكن التراجع عنه. وكان أول شيء فعله لدى عودته إلى عمان إقالة حكومة زيد الرفاعي، والطلب من خؤولته الموثوق زيد بن شاكر تشكيل حكومة جديدة. وتركزت تعليمات الحسين على رفع أحكام الطوارئ واستقرار البلاد وإعادتها إلى الحياة الطبيعية، والأهم من كل ذلك تمهيد الطريق لإجراء انتخابات برلمانية عامة “. وأجريت الانتخابات في الثامن من تشرين الأول، بعد انقطاع دام 22 عاما، وكانت انتخابات حرة ونزيهة بشكل عام، ومثلت بداية لعملية الإصلاح الديمقراطي “. انتهى الاقتباس.
* * *
* التعليق : هذا هو الحسين الذي اتسع صدره لشكاوى شعبه، فشعر بمعاناته واستجاب لمطالبه، التي غيرت مسار الدولة وحققت الإصلاح، ولكنه انحسر فيما بعد..!