عندما يتحدث #بوتين عن #الشرف و #الفضيلة!
د . #فيصل_القاسم
لا شأن لنا في ما جاء في خطاب الرئيس الروسي الأخير حول حربه في أوكرانيا التي دخلت عامها الثاني من الناحية العسكرية والسياسية، فما قاله ضد الغرب له ما له وعليه ما عليه، لكنني سأتناول اليوم لجوء بوتين في الخطاب الذي انتظره الشعب الروسي والعالم أجمع، سأتناول لجوءه إلى مسألتي الأخلاق والشرف والقيم بشكل عام في هجومه اللاذع على الغرب عموماً.
لم يكتف الزعيم الروسي طبعاً باتهام الغرب بالتسبب بحرب أوكرانيا، كما لو أن أمريكا هي التي غزت أوكرانيا وشردت شعبها بالملايين وليس روسيا، بل راح يغلف خطابه الشعبوي بمواعظ أخلاقية ودينية لا تنطلي حتى على تلاميذ المدارس. فبدل أن يعترف بمغامرته الفاشلة في أوكرانيا راح يحذر الشعب الروسي من أن الغرب يتآمر على روسيا ليفكك الأسرة وينشر الشذوذ والانحرافات الأخلاقية، كما لو أن بوتين غزا أوكرانيا من أجل نشر الفضيلة والأخلاق الحميدة. ما هذا الرئيس الديماغوجي الذي مازال يعتقد أنه يستطيع الضحك على ذقون الشعب بهذه الفبركات والبعابع في عالم مفتوح على الطريقة الغوبلزية البائدة التي كانت تعمل بمبدأ: «اكذبوا ثم اكذبوا حتى يعلق شيء في أذهان الجماهير».
لاحظوا كيف تغير خطاب بوتين ضد الغرب منذ بداية الغزو، ففي البداية كان يتحجج بأنه غزا أوكرانيا كي يصنع عالماً متعدد الأقطاب، ثم لاحقاً راح يقول إنه يحارب الشيطان، واليوم يلجأ إلى كذبة الفضيلة والشرف واتهام الغرب بأنه يريد تدمير أخلاق المجتمع الروسي، وكل ذلك للضحك على ذقون الشعب الروسي وتغييبه على طريقة هتلر في الحرب العالمية الثانية، فكما أن هتلر كان يغسل أدمغة الألمان بخرافات عديدة كي يزجهم في الحرب، فإن بوتين اليوم يفعل الشيء نفسه مع الروس، ولن يترك بعبعاً إلا وسيستخدمه كي يضحك على الشعب.
لقد بدا بوتين وهو يتحدث عن الشرف والفضيلة في خطابه وكأن المجتمع الروسي عبارة عن دير للراهبات العفيفات أو جمهورية أفلاطون الفاضلة. يا سيد بوتين من يريد أن يهاجم القيم والانحرافات الأخلاقية الغربية يجب ألا يتفاخر هو نفسه بأن «عاهرات روسيا هنَّ الأفضل في العالم». هو قال ذلك حرفياً بنبرة تفاخر وتباه. والعالم أجمع يعرف أن من أكثر المنتوجات التي تصدرها روسيا للعالم هن الجميلات الروسيات كي لا نستخدم كلمة أخرى بدل جميلات. وقد أصبح معروفاً في الأوساط الإعلامية على سبيل التهكم أن النظام الروسي لا يصدر سوى الروسيات والروسيات، والمقصود بالروسيات الأولى البندقية الروسية الشهيرة التي يعرفها معظم الجيوش العربية التي كانت تستورد السلاح من روسيا، أما الثانية فلا داعي لشرحها.
فكما أن هتلر كان يغسل أدمغة الألمان بخرافات عديدة كي يزجهم في الحرب فإن بوتين اليوم يفعل الشيء نفسه مع الروس
هل يحق لزعيم يتفاخر بعاهرات بلاده أن يوزع المواعظ الأخلاقية والدينية على الغرب؟ ثم لماذا يحاول بوتين أن يحرف انتباه العالم عما فعله بأوكرانيا من تدمير وحشي وتهجير لشعبها بالملايين بالحديث عن الفضيلة والمثلية؟ وهل يحق أصلاً لمن التقطت الكاميرات عشرات الصور لجنوده في أوكرانيا وهم يغتصبون النساء أن يتحدث عن الأخلاق؟ لا بل هناك لقطات كثيرة تفضح الجنود الروس وهم يغتصبون حتى الحيوانات في أوكرانيا. وكي لا يعتقد البعض أننا نفتري هنا على ما يسمى بالجيش الأحمر، فلا أحد يمكن أن ينسى أن الجيش السوفياتي اغتصب أكثر من مليوني امرأة ألمانية أثناء الحرب العالمية الثانية وهي أكبر عملية اغتصاب جماعي عرفها التاريخ. فما بين شهري يناير/كانون الثاني وأغسطس/آب سنة 1945 أقدمت القوات السوفياتية على اغتصاب أعداد كبيرة من النساء الألمانيات، فضلا عن ذلك لم يتردد الجنود السوفييت لحظة واحدة في إعدام أية امرأة رفضت الرضوخ لمطالبهم. ومع بداية تدخل الجيش السوفياتي في منطقة بروسيا الشرقية عاشت النساء الألمانيات على وقع كابوس مرعب، فتزامناً مع ذلك لم يتردد الجنود السوفيات في اغتصاب العنصر النسائي الألماني كنوع من أنواع الانتقام. وخلال تلك الفترة وبسبب جرائم الاغتصاب في منطقة بروسيا الشرقية كسب الجيش السوفياتي سمعة تاريخية سيئة سبقته أينما حلّ، فضلاً عن ذلك وبناء على تقارير عديدة لم تتردد العديد من النساء الألمانيات في الانتحار لتجنب الوقوع في قبضة الجنود السوفيات. وعلى ما يبدو مازال الجيش الأحمر محافظاً على تقاليد أجداده، بحيث يكرر الجنود الروس الأفعال البربرية ذاتها في أوكرانيا اليوم بوحشية عز مثيلها.
ومن المضحك جداً أن ينتقد بوتين الغرب على إهانة الأديان، وكأن النظام الروسي يحترم العقائد والديانات. كم مسجداً دمرته طائرات بوتين في سوريا فوق رؤوس المصلين؟ مئات المساجد، حتى أن مداجن الطيور وحظائر الحيوانات لم تسلم من وحشية الغزاة الروس الذي اعترفوا بعظمة لسانهم أنهم جربوا أكثر من ثلاثمئة نوع من الأسلحة الجديدة على الحجر والبشر والحيوانات في سوريا. ولا ننسى أن جيش بوتين نفسه مارس أفظع أنواع النازية والفاشية فوق رؤوس الشعب الشيشاني، فلم يترك مسجداً أو حجراً فوق حجر إلا وسواه بالأرض في طول الشيشان وعرضها. وهل ينسى المسلمون ما فعله طاغية الكرملين بمسلمي الشيشان؟ وللتذكير فإن الجيش الروسي لم يترك مسجداً في أوكرانيا بمناطق ماريوبول وباخموت ولوغانسك إلا واستهدفه. ويمكن التأكد من ذلك لمن يريد. ثم يخرج علينا بوتين ليتحدث عن احترام الأديان.
هل تعتقد يا سيد بوتين أنك تستطيع أن تغطي على جرائمك في أوكرانيا والقرم وجورجيا وأبخازيا والشيشان وسوريا وليبيا ببضع جمل تهاجم المثلية في الغرب؟ من يريد أن يحذر الشعب الروسي من انحرافات الغرب لا يشجع كل أنواع الفجور والعهر والبغاء وتجارة اللحم الأبيض. ثم كيف تحذر الروس من المثلية وأن الغرب يريد أن يعممها في روسيا وأنت تعلم أن ابن فلاديمير سلاديوف وهو من أشهر أبواقك الإعلامية لديه ابن تزوج قبل فترة شاباً آخر في إحدى الجزر وصوره موجودة على الانترنت؟ وإذا كان الغرب بكل هذا السوء فلماذا معظم شركائك من أصحاب المليارات لجأوا إلى الغرب؟ لماذا تعيش إحدى بنات وزير الخارجية لافروف في لندن؟
كاتب واعلامي سوري
falkasim@gmail.com