عندما تسقط الكلى ضحية جهاز المناعة

سواليف – يُنتج جهاز مناعة بعض المرضى أجساماً مضادة تتسبب بالتهاب الأوعية الدموية الموجودة في الكلى والمسؤولة عن عملية فلترة الدم من الفضلات، وبذلك تغدو الكلى ضحية لهذا الهجوم المناعي غير المُستحب. وتنقسم الأجسام المضادة المسبّبة لأمراض المناعة الذاتية للكلى إلى نوعين أساسيّين: الأجسام المضادة للغشاء القاعدي الكُبَيبي (Anti-GBM) وتلك المضادة لسيتوبلازم العدلات (ANCA).

أمَا بالنسبة للنوع الأول، فتقوم الأجسام المضادة بإيذاء الغشاء المحيط بكُبَّة الكلية المسؤولة عن الفلترة، كما تتأثر الرئة أيضاً بنشاط الجهاز المناعي عند حوالي رُبع هؤلاء المرضى الذين يكوّنون هذا النوع من الأجسام المضادة. ويُعرف هذا الداء بمرض جودباستشر، وغالباً ما يحدث في العشرينيّات والثلاثينيّات من العمر أو عند من تجاوز السّتين عاماً. وللمرض جذور وراثية أهمها حمل ما يتجاوز 75% من المرضى لعامل التطابق النسيجي من نوع HLA-DR2.

أما النوع الثاني من الأجسام المضادة (ANCA)، فيتسبّب بمشكلتين أساسيّتين هما: تورُّمات فغنر (Wegener’s granulomatosis) والتهاب الأوعية المجهري (Microscopic polyangiitis). ويُحدَّدُ نوع المشكلة بصورة دقيقة من خلال دراسة الأعراض السريرية ونتائج فحص الأنسجة وصور الأشعة والفحوصات المخبرية لوظائف الكلى وللنوع المُحَدَّد الموجود من فصائل الجسم المضاد وهما إما Anti-PR3 أو Anti-MPO.

إنّ وجود الجسم المضاد لمحطّم البروتينات (Anti-PR3) غالباً ما يشير إلى وجود مرض تورُّمات فغنر، وسببه التهابات تحدثها هذه الأجسام المضادة في الشرايين والأوردة والشعيرات الدموية تؤدي إلى تعطّل عمل الكلى تدريجياً. كما يمكن لهذا المرض أن يتسبّب بتورُّمات داخل الرئتين وفي مكونات للجهاز التنفسي العلوي كالأنف.

مقالات ذات صلة

أما في حال وجود الجسم المضاد للمَييلوبيروكسيديز (Anti-MPO) في فحص الدم، فإن هذا غالباً ما يشير إلى وجود مرض التهاب الأوعية المجهري السابق ذكره. ويتمظهر هذا المرض عندما تلتهب الشرايين والشعيرات الدموية على مستوى الجسم بأكمله، ويمكن القول إنّ هذا مرض نادر حيث تُقدّر نسبة احتمالية الإصابة بحالتين لكلّ مئة ألف نسمة.

ومن الأعراض العامّة لأمراض المناعة الذاتيّة للكلى ما يلي: الإرهاق وارتفاع درجة حرارة الجسم والتعرُّق اللّيلي وانخفاض وزن الجسم. كما أن بعض المرضى قد يعانون أيضاً من ضيق التّنفُّس وتقيّؤ الدم والطفح الجلدي وآلام العضلات والمفاصل. وتكشف الفحوصات المخبرية لوظائف الكلى الآثار المدمرة لهذا المرض فتشير إلى تدهور في عملها على تخليص الجسم من الفضلات، وينعكس هذا من خلال حدوث ارتفاع في مستويات اليوريا والكرياتينين في الدم وغير ذلك من مؤشرات.

وتجدر الإشارة إلى أنّ إجراء الفحوصات السابقة الذكر، أمر مهم للغاية لتشخيص نوع المرض المناعي المُؤثر على الكلى. فمن خلال القيام بتلك الفحوصات وربطها بالفحوصات السريرية والنسيجية لخزعات الكلى وأحياناً ربطها بصور الأشعة للرئتين، فإنه يتم التشخيص المبكر للمرض والذي يؤدي دوراً أساسياً في إنقاذ الكلى من أذىً محقَّق قد لا تُحمَد عقباه.

ويتمّ علاج هذا النوع من الأمراض عبر إعطاء أدوية مثبطة للمناعة للتخفيف من كمية الأجسام المضادة المؤذية المُنتَجة، كما أن بعض العلاجات تكون موجّهة للسيطرة على الآثار المترتبة عن هذا المرض كارتفاع ضغط الدم وتجميع السوائل في الجسم اللذين قد يحصلا نتيجة قصور عمل الكلى. ويمكن أن يلجأ المريض في بعض الأحيان إلى إجراء طبي يتم فيه تنقية بلازما الدم من الأجسام المضادة المسببة للمشكلة ومن ثم إعادة البلازما المُنقّاة إلى الجسم.

ولا يسعُني أخيراً إلا أن أُؤكد على أهمية التشخيص المبكر لأمراض الكلى المناعية التي من شأنها الحفاظ على صحة الكلى وقدرتها على القيام بوظائفها الحيوية المتعددة. أما في حال التشخيص المتأخّر، فإن عمل الكلى غالباّ ما يكون قد تدهور إلى غير رجعة. فلا تتردّدوا في مراجعة الطبيب المختص في حال وجود أعراض مقلقة قد تشير إلى وجود مرض مناعي أصاب الكلى، ففي ذلك طمأنة للبال وحفاظ على كفاءة واحد من أكثر الأعضاء حيوية في أجسامنا ألا وهو الكلية.

الراي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى